كتب رضوان الذيب في صحيفة “الديار”:
هل يكون الشارع حلبة الصراع الجديدة بين الاطراف السياسية على قانون الانتخابات، بعد استنفاد وسائل التواصل الديموقراطية للوصول الى تفهم وتفاهم؟ وهل تصبح الساحات منصات لتبادل الرسائل مصحوبة بعروض للقوة، مهما كانت التداعيات؟
الاطراف السياسية المعارضة للستين تخوض معركة الانتخابات بشعار «حياة او موت» فيما النائب وليد جنبلاط يخوض المعركة بشعار «نكون او لا نكون».
كل الاجتماعات واللقاءات بشأن القانون ذهبت «ادراج الرياح» وليس هناك اي تقدم او بصيص امل، بانتاج قانون يرضي الجميع. لان الكل يريد قانونه، وفلسفته، ومن فشل في انتاج قانون خلال سنوات، لن ينجح حتى تاريخ 21 حزيران. وبات الفراغ حتمياً عند رئيس الجمهورية وفريقه، وغير حتمي عند الرئيس بري مدعوماً من جنبلاط، وكل فريق له مؤيدوه.
وفي ظل هذه الاجواء، الحرب قادمة على كل الجبهات، ولا حليف ثابت ولا خصم ثابت ايضاً، والتحالفات تحكمها تقسيمات الدوائر؟
وفي المعلومات، ان النائب وليد جنبلاط «المتوجس» والمحكوم «بغدرات التاريخ»، والقلق هذه الايام جداً من حروب الآخرين ضده، وتصويره بأنه الحلقة الاضعف. والستون انتهى ولن يعود، ومعارضته للنسبية دون جدوى ولا صدى لها في الاروقة السياسية. ولا بد من الاخذ برأي الفريق الدرزي المعارض، وزمن جنبلاط ولى ولن يعود. وما عليه الا قبول عروض الاخرين بكتلة نيابية «صافية درزياً » 5 او 6 نواب ومن دون نكهة مسيحية او سنية.
وما زاد من منسوب الغضب الجنبلاطي اقصاؤه عن الاجتماعات، واللجان الثلاثية والثنائية والرباعية واصبح اخر من يعلم، حتى جاءت الضربة المحكمة بالافراج عن بهيج ابو حمزة غصباً عنه وبمساعدة من العهد لرئيس تيار التوحيد وئام وهاب الذي اضحى كأنه «بيت القصيد» في امور الدولة، والتعيينات والامن وحصة الدروز. حتى ان الايجابية الجنبلاطية خلال الاسبوعين الماضيين تجاه العهد والايحاء بالقبول بالمختلط وزيارة بعبدا لم يتم التجاوب معها او مناقشتها.
وامام هذه المعطيات قرر جنبلاط الذهاب بعيداً في معارضته، والمبادرة الى الهجوم المضاد. وهل افضل من مناسبة استشهاد والده كمال جنبلاط في 16 آذار 1977 لتعبئة اهالي الجبل، منعاً للالغاء والاقصاء. ونجح جنبلاط في التقاط لحظة المناسبة وتصوير نفسه بالضحية، امام شهوات الآخرين باقتناص وتجاهل دور الدروز. وهذه امور تستثير الغرائز وتشد العصب. ولذلك من المتوقع ان يكون الحشد الشعبي في 19 آذار كبيراً. والمطلوب من كل حزبي ان يصطحب عائلته وكل الفئات والاندية والجمعيات، والاهم حضور حاشد لرجال الدين مدعوم بحضور سني من الاقليم ومسيحي من قرى الجبل كي تأتي المناسبة وطنية شاملة ليقول جنبلاط للجميع «انا هنا… ولا احد قادر على تجاوزنا»، او حصرنا بالزعامة الطائفية، ولا احد يستطيع القفز فوق آل جنبلاط في امور البلد. وسيكون 19 اذار عرض قوة تحت شعار «كلنا الى المختارة» وفاء لكمال ووليد جنبلاط وولاء لتيمور جنبلاط الذي من المتوقع ان يتحدث في الاحتفال، ومن خلال هذا الحشد تكون الرسائل قد وصلت لمن يهمه الامر.
وكشفت المعلومات عن استنفار الحزب الاشتراكي بكل فروعه على امتداد الجبل وحاصبيا وراشيا لتأمين اكبر مشاركة في المناسبة، مع اقامة الندوات والمسيرات لحض الناس على الحضور وبث خطب للشهيد كمال جنبلاط وصوره ورفع شعاراته مع اناشيد موسيقية تستعيد «جبل الباروك». كما ان جنبلاط يريد حضوراً لرفاق درب والده من قيادات الحركة الوطنية واستعادة جهودها وايامها الجميلة التي لن تعود ابداً.
وفي المعلومات، ان جنبلاط يريد من خلال مناسبة 19 آذار القول للجميع، «انا هنا، انا الاقوى، ولن اقبل الا بحصة اقررها انا» مسيحية كانت ام درزية. لكن السؤال: كيف سيرد معارضو جنبلاط المتمسكون ايضاً برفض الستين مهما كان الامر على عرض القوة الجنبلاطي وهم بالاساس ضالعون في لعبة الشارع في حال جرت الرياح بعكس ما يشتهون؟ فوزير الخارجية كان واضحاً «معركة القانون امّ المعارك» سننزل الى الشارع وبالتالي هل تتحول الامور شارعاً مقابل شارع وكيف سيكون الوضع الامني؟
لكن مصادر سياسية متابعة تؤكد ان رسائل جنبلاط في 19 اذار ليست كلها داخلية ولها ابعادها الخارجية ايضاً بعد ايحاء الخبثاء بأن التراجع الجنبلاطي امر طبيعي نتيجة الرهانات الخاطئة في الملف السوري، وقد خسر حلفه مع سوريا دون ان يربح الرياض او القاهرة او انقرة جراء عدم استقرار علاقته مع هذه الدول فقد طرحت السعودية مع الرئيس ميشال عون الهواجس المتعلقة بسعد الحريري من قانون الانتخابات، وايران هواجس حلفائها، حتى القاهرة لم تطلب اي شيء من الرئيس عون بشأن الهواجس الدرزية، وهذا الامر ينطبق على انقرة فيما علاقة المعارضة الدرزية مع روسيا متينة رغم محاولات جنبلاط الاخيرة عبر مستشاره حليم بو فخر الدين اعادة التواصل معها.
وحتى المفاجأة التي حصلت مؤخراً، وربما تؤشر الى تراجع الدور ايضاً، كانت تجاوز الرئيس الفلسطيني محمود عباس «للعرف» الفلسطيني بزيارة المختارة عند اي زيارة لمسؤول فلسطيني الى لبنان لوضع اكليل على ضريح شهيد فلسطين كمال جنبلاط، وهذا ما كان يفعله الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في كل سنة اثناء وجوده في لبنان وبعد خروجه من بيروت، وقد اعتذر عباس لضيق الوقت لكن للقضية ابعاداً اكبر.
ولذلك من الطبيعي ان تكون الحسابات الجنبلاطية قبل مهرجان المختارة شيئاً وبعد المهرجان شيء آخر، وربما تؤسس لشروط جنبلاطية جديدة على الطاولة معطوفة على ايحاءات مسؤولين اشتراكيين امام المناصرين، و«لا صناديق انتخابية في الجبل ولا انتخابات اذا كانت الامور تسير عكس ما نريد، وثقوا بهذا الكلام»، كون معركة الانتخابات هذه السنة تجري مع تولي تيمور جنبلاط مقاليد السلطة. وبالتالي لا يمكن الموافقة على شيء يمكن ان «يحد» من حجم تيمور وموقعه وزعامته وهيبته، وعبد المنعم يوسف اكبر دليل. ولذلك فان «جنبلاط الاب» لا يمكن ان يقدم على خطوة الشارع لولا شعوره بأن كل الابواب سدت في وجهه لاضعافه في قلب بيته. ولذلك فان معركة الاخرين مع جنبلاط ايضا لن تكون سهلة و«هينة» كون جنبلاط يستند الى «جبل آخر» في كل المواقع هو الرئيس نبيه بري الذي اعلن انه «يمشي بالستين» كرمى لعيون جنبلاط وليس لغيره.
كما ان الوزير نهاد المشنوق ايد موقف جنبلاط ليلاً من قانون الستين بعد لقائه الدكتور سمير جعجع وقال: بالنسبة الي، لا جديد في القانون الانتخابي، وما زال رأيي ثابتاً اذ انني لا أرى إمكان اتفاق على قانون انتخابي جديد».
وعمّا إذا كان كلامه يعني إجراء الانتخابات وفق قانون الستين، أكّد المشنوق أنه لا يملك مستلزمات إجراء الانتخابات «باعتبار أن هذا القرار يتخذه مجلس النواب أو مجلس الوزراء، ولكن رأيي السياسي هو أنني قمتُ بواجبي ومستمرٌ بذلك، فما يجري حتى الآن هو ضمن مخالفة القانون وليس الدستور، فإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه حتى أيار المقبل سنكون دخلنا ضمن مخالفة الدستور، والآن لدينا الوقت حتى 21 آذار بحيث تنتهي ولاية المجلس في العشرين من حزيران، مع الإشارة الى استحالة إجراء الانتخابات خلال شهر رمضان المبارك»، لافتاً الى «وجود مساعٍ دائمة حتى لا نصل الى المحظور».
ورداً على سؤال، أشار المشنوق الى أن «أي تأجيل للانتخابات سيكون تقنياً ولمدة قصيرة اذ ان البلد لا يتحمّل هذا التأجيل، كما لا أحد يتحمّل مسؤولية ضرب صورة لبنان وصدقية الدولة في الخارج».
وفي المقابل فان الثنائي المسيحي ليس سهلاً ايضاً ويعيش نشوة استعادة الامجاد ومتمسك بمواقفه ورفضه للستين ولن يتراجع، ولن يعطي جنبلاط وغيره حصة مسيحية وازنة ولو وصلت الامور الى الفراغ، وهذا ما أكده الوزير جبران باسيل، بان قانون الانتخاب هو أم المعارك، مع رفض قاطع للستين والاستعداد للنزول الى الشارع ايضاً.
لا بد من الانتظار حتى 19 اذار ومدى الحشد الشعبي في المختارة، وعندئذ سيكون للمعركة «طعم آخر» وربما تصاعدت المواجهة مع العهد والثنائي المسيحي؟
لكن السؤال لتيمور جنبلاط: هل استعادة وهج الجد وعظمته هدفه استعادة المشروع والدور أم للاستفادة في هذه اللحظة المفصلية؟ وهنا ايضاً مربط الخيل والايام المقبلة ستكشف مسار التطورات الصعبة.