كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
سادت في الآونة الأخيرة أسئلة عمّا إذا كانت إسرائيل تتّجه فعلياً لشنّ حرب جديدة على حزب الله، وتمَّ تبرير طرحِ هذه الأسئلة بجملة مستجدّات أهمّها أنّ الرئيس الأميركي الغامض الأهداف في المنطقة دونالد ترامب، قد يشجّع إسرائيل من ضِمن ما يعلنه عن توجّهه «لتقليم أظافر إيران» في الإقليم عبر توجيه ضربة لِما يَعتبره «أبرز ذراع لطهران» في لبنان وسوريا، أي حزب الله.التحليلات السياسية التي تصدّت أخيراً للإجابة على هذا السؤال كثيرة وتتّسم بأنّها متضاربة، وفي مقابلها يظلّ هناك دليل يمكن الذهاب إليه لمعرفة جدّية استعدادات إسرائيل للحرب، والمقصود به هو رصدُ ما إذا كانت قواتها العسكرية المنتشرة قبالة الحدود اللبنانية قد طرأ عليها أيّ تعديل نوعي يَشي بأنّ هناك احتمال شنِّ حرب؟
أوّل من أمس رصَدت جهات أمنية، جولة وفدٍ من ضبّاط كبار في قيادة الجبهة الشمالية في الجيش الاسرائيلي على الجزء المحتل من منطقة العباسية في جنوب لبنان. تألّف موكب الوفد من ثماني آليات عسكرية تؤازرها خمس سيارات كان في داخلها شخصيات ارتدَت الزيّ المدني، وأكّدت معلومات أنّهم ضبّاط استخبارات وقادة عسكريون للجبهة الشمالية الاسرائيلية.
يقول سياق هذه المعلومات نفسه إنّ الوفد العسكري والأمني الاسرائيلي جالَ في الجزء المحتلّ مِن منطقة العباسية، وكان قد سبقَ جولته هذه قيامُ الجيش الاسرائيلي بنصبِ مدفعين في منطقة قريبة جداً من خط الفصل التقني بين الحدود اللبنانية والاسرائيلية في تلك المنطقة.
ومن منظار عسكري فإنّ الخطوة الاخيرة، لا تعكس أيّ معنى مهم، وربّما أراد الاسرائيليون من خلالها إشاعة جوّ من القلق لدى حزب الله، علماً أنّ أجواءً متابعة لهذا الملف، تقول إنّ الحزب رصَد في الآونة الاخيرة كثيراً من التغييرات التكتيكية العسكرية الصغيرة المماثلة التي نفّذها الاسرائيليون على الجهة المقابلة للحدود اللبنانية، ولكن أياً من هذه المستجدات لا تشكّل في نظر الحزب أيَّ تحوّل خطِر في تموضُع الجيش الاسرائيلي يَشي بأنه استعداد للحرب، رغم أنّ الحزب يتعاطى مع أيّ تغيُّر، ولو ضئيل، يحصل على شكل تموضع الجيش الاسرائيلي، بجدّية، ويُتبعه بإجراء يناسبه على مستوى رفعِ جهوزيته العسكرية.
وتنفي المصادر المتابعة لتموضعِ الجيش الاسرائيلي على الحدود مع لبنان، تسريبات تحدّثت في الآونة الاخيرة عن تعزيزه تحشيداته العسكرية، وتلفت الى انّ المستجدات الفعلية التي طرأت خلال الفترة الاخيرة على حركة الجيش الاسرائيلي في تلك المنطقة يمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً – زيارة وفد قيادي عسكري من الجبهة الشمالية إلى منطقة العباسية يوم أول من أمس.
ثانياً – وجود تكثيف لعمليات فرَق الهندسة في الجيش الاسرائيلي للبحث عن أنفاق داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة المقابلة للحدود اللبنانية، يمكن أن يكون حزب الله قد حفرَها من داخل الاراضي اللبنانية حتى نقاط وجود داخل «الأراضي الاسرائيلية» المقابلة.
والواقع أنّ نشاط البحث الاسرائيلي عن أنفاق للحزب في مناطق انتشار الجيش الاسرائيلي، كان قد بدأ منذ عامين، وذلك تحت تأثير خلاصات حرب غزّة التي أظهرَت أنّ «حماس» حفرَت أنفاقاً من داخل نقاط سيطرتها في القطاع إلى داخل «المناطق الإسرائيلية» المحاذية لها.
و يلاحَظ أنّ عمل فرَقِ الهندسة الاسرائيلية هذه الباحثة داخل مناطق سيطرة الجيش الاسرائيلي، عن أنفاق قد يكون الحزب حفرَها، ازداد على نحوٍ ملحوظ في الآونة الأخيرة.
وهناك تقدير يفيد أنّ جولة وفد ضبّاط من قيادة الشمال يتّصل بهذه المهمة نفسِها، إذ يحتمل أن يكون الوفد قد أجرى معاينةً للجزء المحتلّ من منطقة العباسية للتأكّد من خلوِّها من أنفاق أو لوضع خطة جديدة لتكثيف البحث عنها.
وبالتالي يمكن إدراج زيارة الوفد على أنّها روتينية (عادةً ما ترسِل القيادة الشمالية وفوداً رفيعة الرتب في جولات على المنطقة)، ولا تحمل أيّ مؤشّرات غير عادية، ولعلّ توقيتها في هذه اللحظة المشبَعة باحتمالات القلق من الحرب، هو الذي سَلّط الضوء عليها كمؤشّر تُطرَح التساؤلات في صَدده!
ثالثاً، يلاحَظ أنه ولو بنسبة ضئيلة، أضافَت إسرائيل أخيراً تعزيزات على تموضعِها العسكري على الجبهة في الجولان السوري، كما أنّها تنفّذ في تلك المنطقة مناورات عسكرية متتالية.
ويُعتقد أنّ لهذه التطورات العسكرية، علاقة بالمستجدات العسكرية الملتهبة والمتسارعة التي تَحدث في منطقة جنوب سوريا، والتي بَلغت ذروة توتّرها خلال الشهر الماضي.
وتَعتبر اسرائيل منطقة جنوب سوريا المتداخلة مع حدودها لجهة لبنان ولجهة الأردن بمثابة منطقة شديدة التعقيد على أمنها، وهي تَرصد بها ثلاثة أنواع من التحدّيات، أوّلها، إمكانية اقتراب حزب الله والحرس الثوري الايراني من منطقة الجولان، وثانيها، توغُّل «داعش» أكثر عبر البادية السورية نحو مثلث الحدود السورية ـ الأردنية ـ الإسرائيلية، ثالثها صلة هذه المنطقة بجبهة شبعا ومزراعها ومنطقة «بيت جن» ضمن مثلّث الحدود اللبنانية ـ السورية ـ الإسرائيلية.
وأخيراً (قبل شهرين) أزالت إسرائيل بلوكات من الباطون في مزرعة «بسطرة» الواقعة في منطقة مزارع شبعا وهي تحت سيطرة لبنان، ووضَعت مكانها بوابة حديد، والهدف هو الحد من احتمال تكرار حزب الله هجماته التفخيخية انطلاقاً منها ضدّ الدوريات الاسرائيلية التي تسير في محاذاتها. وكون بسطرة هي منطقة لبنانية وتقع خارج نطاق القرار 1701، فعادةً ما يقوم الحزب بتنفيذ عمليات منها، ردّاً على ضربات إسرائيل له في سوريا.
رابعاً، القراءة السياسية لاحتمالات الحرب واستمرار التهدئة بين الحزب وإسرائيل انطلاقاً من قراءة الواقع الميداني تفيد أنه لا يتوقّع نشوب حرب، لأنّ «إسرائيل غير قادرة وأميركا غير راغبة»، والمتوقع هو أن تستمرّ تطبيقات نظرية «حرب بين حربين»، بمعنى أن تستمرّ حرب تقليم الأظافر العسكرية الاسرائيلية ضد الحزب في سوريا عبر عمليات أمنية نقطوية تحت تبرير أنها تضرب منظومتَه الصاروخية، في مقابل ردود الحزب عليها بعمليات أمنية نقطوية أيضاً، انطلاقاً من مناطق لبنانية محاذية لإسرائيل تقع خارج نطاق القرار 1701.
والخشية هي أن يقوم أحد الطرفين بردّ فِعل عسكري ضمن حرب تقليم الأظافر لا يتحمّله الطرف الآخر، ما يؤدّي إلى تدحرجِ الأمور في اتّجاه اندلاع حرب غير محسوبة!