كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
إنها حلقة المتعاونين مع الرئيس بشّار الأسد تكتمل. وزيارة الرئيس ميشال عون للأردن، بعد القاهرة، كانت في محلها. وبعد فترة وجيزة، كلّ القوى العربية والإقليمية والدولية، التي جاهرت سابقاً بدعم المعارضة السورية، ستمدّ يدها لمصافحة الأسد… وكلٌّ له مبرراته وذرائعه. هل هذا الكلام في محله؟في الفترة الأخيرة، تواردت أنباء عبر أقنية مختلفة عن اجتماعات بين ضباط أردنيين وآخرين سوريين ينضوون تحت لواء الأسد، في عمّان أو دمشق أو بيروت، بهدف التنسيق العسكري والأمني.
وهناك برامج عدّة ذات اهتمام مشترك:
1 – تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الخلايا الإرهابية («داعش») التي تهدِّد أمن الأردن. ولذلك كانت زيارة اللواء علي مملوك لعمّان مطلع العام الجاري.
2 – تقديم الأردن دعماً للنظام السوري في مهَّمته القاضية بإخراج «داعش» من مدينة تدمر الواقعة على مسافةٍ من مثلث الحدود مع الأردن والعراق توازي المسافة التي تفصلها عن حمص، مركز المحافظة.
3 – ضرب وجود «داعش» والقوى الرديفة لها في مناطق درعا والسويداء في الجنوب السوري، في موازاة الحدود مع الأردن.
4 – بدء الأردن حواراً مع نظام الأسد حول ملف النازحين السوريين، مع اقتراب ملامح التسويات والكلام عن إقامة «المناطق الآمنة». وسيكون الأردن شريكاً للبنان وتركيا في محاورة الأسد حول هذا الملف.
5 – فتح المعابر المقفلة بين الأردن وسوريا، ما يتيح لدول المنطقة حلحلة بعض مآزقها الاقتصادية الناتجة عن الحرب في سوريا. ويستعدّ الأردن لفتح معبر نصيب الذي يربطه بلبنان وسوريا والذي يوصل تقليدياً البضائع الأردنية إلى أوروبا، والذي أدى إقفاله إلى اختناق تجاري.
التواصل الأمني والعسكري بين الأردن ونظام الأسد لم ينقطع خلال الحرب السورية إلّا في فترات قصيرة، حين استضاف الأردنيون – على مقربة من حدودهم مع سوريا- الغرفة العسكرية المتعدّدة الجنسيات العربية الداعمة للمعارضة السورية، والمسمّاة غرفة «الموك». وهذه الغرفة انتهى دورها على الأرجح، مع تبدّل التوجهات الأردنية تجاه الملف السوري، بتأثير من سياسة موسكو وأنقرة والقاهرة.
فالحيثيات التي دفعت تركيا إلى التعاطي واقعياً مع الأسد، من دون أن تترك ورقة المعارضة، هي نفسها الحيثيات التي تدفع الأردن إلى مقاربة مماثلة. فالأتراك نفّذوا عملية «درع الفرات» لضرب «داعش» في الشمال السوري مقابل أن تتكفّل موسكو بحفظ مصالحهم وأمنهم، خصوصاً من خطر قيام كيان كردي.
وكذلك، سيقوم الأردنيون بعملية مماثلة في الجنوب السوري لـ«تنظيف» ريف درعا من «داعش» التي تهدّد الاستقرار الحسّاس في المملكة الهاشمية.
وهذه العملية ستنطلق مع الانتهاء من معركة «الباب» شمالاً، فيتفرّغ لها الجميع ويعمدوا إلى تنفيذها بالتوافق مع الأسد، بغطاء روسي وتركي وإسرائيلي، ومباركة أميركية. وتنطلق الحملة من معبر نصيب في اتجاه ريف درعا.
هذا المسار «التنظيفي» لمناطق سوريّة في الشمال (مع تركيا)، والجنوب (مع الأردن)، سيؤدي عملياً إلى تحضير الأرضية المناسبة لإقامة «المناطق الآمنة» التي تعمل لها إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. وفي كل منها سيتمركز النازحون إلى كل من البلدين.
وهنا يبدو مُهِمّاً طرح السؤال الآتي في لبنان: هل سعي الأميركيين إلى إقامة «منطقة آمنة» تبدأ من جرود عرسال في اتجاه الحدود السورية تستدعي تطورات عسكرية لتنظيف هذه المناطق من «داعش» و«النصرة»؟
ومَن سيقوم بهذه المَهَمّة المكلفة: فإذا أخذ الطيران الحليف على عاتقه تنفيذ المهمة جوّاً، فأيّ قوات برّية ستتولّى ذلك: لبنان من جهة عرسال وجيش الأسد من الجهة الأخرى؟
وهل ستعتمد «المناطق الآمنة» كلها، مع تركيا والأردن ولبنان، منطق التداخل، أي هل ستقام كل منطقة على أرض مشتركة بين سوريا وكل من هذه الدول؟ وما مستقبل كل من هذه المناطق بعد إنجاز تسويات سياسية في سوريا؟
بعض الخبراء يسأل: عندما كانت الحرب في سوريا في أوجها، وكانت موجات النازحين تتدفّق على بلدان الجوار السوري، لم يفكِّر أحد في إقامة منطقة آمنة لهؤلاء، بحيث يَثبُتون في مناطق حدودية ضمن بلدهم. فلماذا الاستعجال اليوم إلى طرحٍ من هذا النوع، فيما العمليات العسكرية الحقيقية في سوريا تكاد تنتهي وتبدأ التسويات السياسية؟
ويقول هؤلاء الخبراء: تُقدِّر المؤسسات الدولية عدد النازحين السوريين بنحو 11 مليوناً، أي أقل بقليل من نصف عدد السكان (23 مليوناً). ويتوزّع هؤلاء النازحون مناصفة بين نزوح داخلي ونزوح خارجي.
هذا يعني أنّ 3 مناطق آمنة مع تركيا ولبنان والأردن سيحتشد فيها 4 ملايين أو 5، أي ربع سكان سوريا تقريباً. وغالبية هؤلاء من السُنَّة. وهكذا سيكون نحو 3 ملايين سنّي في بقعة تركية – سورية شمالاً، وأكثر من مليون سنّي في بقعة عرسال – القلمون في الوسط، وأكثر من مليون سنّي في بقعة درعا – الأردن.
ينظر البعض إلى هذه الظاهرة من باب الشكوك: أليس يعني ذلك إعادة رسم الديموغرافيا السوريّة وفقاً للتقطيع الفدرالي أو الكونفدرالي المرجَّح في سوريا، المبني على مقايضات منتظرة للمناطق بين الطوائف، على طريقة المقايضات بين قرى سنّية في وادي بردى وريف دمشق وأخرى شيعية أو درزية في إدلب وحلب؟
«الطبخة» على النار، في لبنان والأردن وتركيا. فأيّ انعكاسات للواقع الفدرالي الذي سينشأ على حدود البلدان الثلاثة في داخلها؟
- ماذا عن تركيا الحالية التي تقوم أساساً على جزء تاريخي من سوريا هو لواء الإسكندرون، بأهله العرب والسريان والأكراد؟
- وماذا عن المملكة الهاشمية التي تقوم أساساً على غالبية سكانية من أصل فلسطيني، والتي تعتمد خصوصاً على العشائر دعامة للاستقرار؟
- وماذا عن لبنان الواقف على أرجوحة طائفية ومذهبية لا مثيل لها في العالم؟
- أيّ انعكاسات ستكون للكتل السكانية السورية الثلاث، التي لا ضمان لمستقبلها، على الكيانات الثلاثة التي تستضيفها على حدودها؟
يضاف إلى لبنان والأردن مأزق لا تعانيه تركيا: النازحون الفلسطينيون بمخيماتهم وبخارجها، والتي من أجلها جاء الرئيس محمود عباس إلى لبنان «مستسلماً»: خُذوا كرة النار (السلاح). لم نعد نريدها! وهل هي مصادفة التقارير الإسرائيلية الأخيرة عن اهتزاز ممكن لاستقرار الأردن؟
شيءٌ ما يتحرّك على المستوى الاستراتيجي في الشرق الأوسط يشبه إعادة التكوين، حيث كلٌّ يصرخ: يا ربّ رأسي!