كتب المحرر السياسي في صحيفة “الديار”:
اذا كان الرئيس العماد ميشال عون لم يوقع على دعوة الهيئات الانتخابية لانتخاب مجلس نيابي جديد على أساس قانون الـ 60 وطالب باعتماد النسبية وركز عليها مع حلفائه فلأن النسبية ستؤمن الوحدة الوطنية وتلغي الطائفية تدريجيا وتعيد حقوق المسيحيين المهدورة طوال 40 سنة من الهجوم الفلسطيني الى الوصاية السورية الى سيطرة الطوائف الان على المقاعد المسيحية في المجلس النيابي.
لقد عانى المسيحيون هجوم الكفاح الفلسطيني المسلح عليهم بقيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وتم تهجيرهم من قرى وقصفهم بصواريخ الكاتيوشيا وانتهت الحرب ولم نعد نريد اخبارهم، ثم دخلت الوصاية السورية فاختارت 64 نائبا مسيحيا من اصل 128 نائبا يشكلون المجلس النيابي. وكانت المخابرات السورية تسقط نواباً وتأتي بنواب وابعدت في زمن الرئيس المرحوم الياس الهراوي وفي زمن الرئيس اميل لحود طوال 18 سنة 3 قادة مسيحيين «9 سنوات كان قائداً للجيش و9 سنوات رئيسا للجمهورية أي الرئيس اميل لحود» وكانت 3 أحزاب مسيحية مبعدة عن العمل السياسي، حزب العونيين كان رئيسه الرئيس العماد ميشال عون مبعدا الى فرنسا لمدة 15 سنة، وممنوع من السياسة والادلاء بالتصريحات الصحافية، وحزب القوات اللبنانية كان رئيسه الدكتور سمير جعجع مسجونا لمدة 11 سنة و3 اشهر وممنوع على حزبه بعد حله من العمل السياسي، كما ان حزب الكتائب اللبنانية كان رئيسه امين الجميل مبعدا عن لبنان ويسكن في فرنسا، وتم اختيار النواب المسيحيين كما ارادت الوصاية السورية. وفي سنة 2005 خرج الجيش السوري من لبنان، لتحل محله الطوائف الأخرى غير المسيحية وتسيطر على 28 مقعدا مسيحيا في لبنان يظهرون بالصورة الأولى على الشكل التالي: تيار المستقبل – أي الطائفة السنية تسيطر على 14 نائبا مسيحيا، حزب الله وحركة امل يسيطران على 4 نواب مسيحيين، بمن فيهم اسعد حردان حتى لو كان الرئيس الفعلي للحزب القومي، لكن جمهور امل وحزب الله يأتون به نائبا عن قضاء مرجعيون.
واما بالنسبة للطائفة الدرزية فهي تسيطر وتؤثر على انتخاب 8 نواب مسيحيين، 5 منهم هم في كتلة النائب وليد جنبلاط وهو يؤثر على انتخاب 3 نواب مسيحيين اخرين، دون ان ننسى انه في قضاء زغرتا هنالك حوالى 2500 صوت سني ومع المجنسين يصبحون حوالى 5 الاف صوت غير مسيحي يؤثرون على الانتخابات في قضاء زغرتا، ويأتون بنائب من لائحة فرنجية لان الفرق كان اقل من 1000 صوت في الانتخابات الماضية، ولولا تدخل الشهيد اللواء وسام الحسن مع سنّة زغرتا لانتخاب لائحة الوزير فرنجية، فان اللائحة كان تم خرقها بنائب هو الاستاذ ميشال معوض.
في عكار 3 نواب مسيحيين يأتون بأصوات المسلمين، في طرابلس نائبان يأتون بأصوات المسلمين، في الشوف وعاليه 7 نواب يأتون بأصوات الطائفة الدرزية المتحالفة مع تيار المستقبل، وبالدرجة الأولى أصوات الدروز.
في البقاع الشمالي الشرقي نائبان مسيحيان يأتيان بأصوات الشيعة، في قضاء الزهراني نائب مسيحي يأتي بأصوات الشيعة، في طرابلس وبيروت وقضاء زحلة يكتسح تيار المستقبل السني الأصوات ويأتي بالنواب الذي يريدهم. وهل من الطبيعي ان يكون هنالك 14 نائبا ضمن كتلة المستقبل، مع العلم انه يجب الحفاظ على الوحدة الوطنية وان تكون الكتل مشتركة، لكن ما من كتلة مسيحية مسموح لها ان يأتي بداخلها نائب مسلم، بينما الكتل الأخرى غير المسيحية تسيطر على 28 نائبا مسيحيا من اصل 64. لذلك سقط قانون 1960، خاصة اذا اخذنا في عين الاعتبار، ان بقية الطوائف فيها وجوه ممتازة ومشعّة وترغب في الوصول الى الندوة النيابية لكن البوسطات في طوائفها تمنعها والمحادل تمنعها أيضا، وهي لا تستطيع الوصول الا عبر النسبية، اما اذا بقي النظام الاكثري فمعنى ذلك ان الوجوه في المجلس النيابي لن تتغير، ففي الطائفة السنية هنالك شخصيات كثيرة، وفي الحزب التقدمي الاشتراكي أيضا، ولدى حركة امل وحزب الله أيضا، وفي الطوائف الشيعية والسنيّة والدرزية هنالك وجوه تريد الوصول الى المجلس النيابي، ولكن كيف لها ان تصل في ظل النظام الاكثري وفي ظل البوسطات والمحادل، وهذه الوجوه تنبع من المجتمع المدني والحراك المدني ومن الشباب الرافض للواقع التقليدي للنظام اللبناني، وهم يريدون التطهير والتقدم في المجتمع، لكن من دون قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية لا مجال لكي تصل هذه الوجوه الممتازة والمثقفة والمتعلمة. والمشكلة ليس فقط مع المسيحيين، المشكلة هي ضمن كل طائفة، حيث يسيطر اقطاعيون على الطوائف، او في ظل طائفته، ويفرضون النواب الذين يريدونهم، وما لم تحل النسبية مكان النظام الاكثري فلا مجال للتغيير ولا للتطور. واذا كنا نتكلم عن المناطق وسيطرة بقية الطوائف ففي طرابلس نائبان مسيحيان يأتيان بأصوات المسلمين كليا، ولا خيار للمسيحيين في إعطاء رأيهم بنوابهم.
الرئيس عون واسقاط قانون الـ 60
هذا وعبر اسقاط الرئيس العماد عون لقانون 1960 يكون قد فتح ثغرة نحو التطور والتقدم على صعيد اختيار الوجوه النيابية من كل الطوائف وخاصة عدم الهيمنة على النواب المسيحيين، ولم يخف الرئيس العماد ميشال عون حتى عندما قال انه قد يحصل الفراغ فليحصل، فالفراغ افضل من التمديد للمجلس النيابي الحالي، وافضل من قانون 1960.
مر المسيحيون بوضع في زمن الهجوم الفلسطيني عليهم، لان طريق فلسطين تمر من جونيه، وعانوا طوال 21 سنة من حرب فلسطينية عليهم وتم تهجيرهم من القرى، واضعاف الدولة وتقسيمها وإلغاء الحكومة فيها، الى ان دخل الجيش السوري وأعاد الأمور الى نصابها، لكن بين القرار الاستراتيجي الذي اتخذه الرئيس الراحل حافظ الأسد للحفاظ على وحدة لبنان وبين تصرفات المخابرات السورية على الأرض هنالك فرق كبير، فالعمل التكتي للمخابرات كان عكس القرار الاستراتيجي للرئيس الراحل حافظ الأسد، فأسقطوا من يريدون في الانتخابات وقاموا بإنجاح من يريدون في الانتخابات، وهكذا اختاروا 64 نائبا مسيحيا وابعدوا التمثيل المسيحي الحقيقي. وما لم يتم الاتفاق على قانون يعتمد النسبية فإن العدالة في الانتخابات لن تحصل، وسيبقى قانون 60 يحمل البوسطات والمحادل ولا يحافظ على الأقليات الانتخابية، ذلك ان النسبية تؤمن نجاح جزء اكثري من اللائحة، وتعطي اللائحة الخاسرة جزء من النواب، وهكذا تكون الطائفية قد بدأت تخـتفي تدريجيـا الـى حد الوصول الى المجتمع المدني الحقيقي من دون طائفية.
الوضع المسيحي الجغرافي
اما على صعيد الوضع المسيحي الجغرافي والديموغرافي، فلقد هاجر حوالى مليون و800 الف مسيحي في العشرين سنة الماضية، وخسر لبنان من الطائفة المسيحية نصفها، وخسر المسيحيون حوالى 41 في المئة من أراضيهم التي باعوها تحت الضغط وتحت اهوال الحرب، فيما سيطرت بقية الطوائف على مناطقها ومناطق للمسيحيين. وتغير وجه بيروت المختلط من كل الطوائف الى وجه بيروت سوليدير السنيّة التي يديرها تيار المستقبل.
كما ان المسيحيين هاجروا في الداخل، فتركوا مناطق في البقاع وفي الجنوب وتم تهجيرهم من الجبل وتركوا جزء كبير من الشمال ومدينة طرابلس التي كانت تعج بالمسيحيين، اصبح عددهم يعدّ بالعشرات، باستثناء منطقة الميناء في طرابلس حيث ما زالت تتواجد فئة مسيحية لا بأس بها.
الازمة مفتوحة
بالنسبة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لن يوقع المرسوم الوزاري بشأن الانتخابات، وبالتالي سقطت اول مهلة، وحتى الان الكتل مختلفة على قانون انتخابي مشترك، او يكون مختلط بين الاكثري والنسبي او يكون نسبي، وبات التأجيل التقني شبه مؤكد، والانتخابات ربما ستكون في تشرين المقبل، ولكن على أساس قانون انتخاب جديد. فاذا تم وضع قانون انتخابي جديد، ووافق رئيس الجمهورية على التأجيل التقني، واذا لم يتم وضع قانون انتخابي جديد، فان الرئيس العماد ميشال عون لن يوقع مرسوم التمديد للمجلس النيابي، وبالتالي سيرده الى مجلس النواب ويكون على المجلس النيابي ان يؤمن الثلثين لقرار التمديد. وعندها سيصل المسيحيون الى حافة القرار النهائي، هل يقبلون بالخضوع لقانون 60 مرغمين ام يرفضونه؟ وبطبيعة الحال سيرفض المسيحيون قانون 1960، ولن يتركوا الرئيس العماد ميشال عون يسقط امام أكثرية الثلثين في مجلس النواب وبالتالي تكون هناك ازمة دستورية حقيقية لن ينقذها الا مؤتمر تأسيس للبنان الجديد، واذا أصرت بقية الطوائف على فرض قانون 1960، فان ذلك يعني ان لبنان ذاهب الى الفيدرالية، واذا وافقت على قانون مختلط نسبي واكثري يحفظ التعدد في لبنان ويحفظ التنوع في لبنان، ويراعي الأساس في الوحدة الوطنية فان الانتخابات ستجري ويشارك فيها المسيحيون، والا فان المسيحيين سيقدمون استقالاتهم من مجلس النواب اذا تم التمديد له، ويخرجون من المجلس النيابي وعندها يسقط مبدأ ميثاق التعايش المشترك عن المجلس النيابي، حتى لو استمر وتم التمديد له. وهذا السيناريو ليس بعيدا عن الحصول، بل ان الرئيس العماد ميشال عون يعرف تماما ان الأمور خطيرة لكنه قرر لمرة واحدة مواجهة الظلم اللاحق بالمسيحيين، وإقامة الوحدة الوطنية على أساس العدالة بين كل الطوائف وان تأخذ كل طائفة حقها ضمن اطار الوحدة الوطنية، لا على حساب المسيحيين كما هو حاصل حاليا.
صيغة الرئيس بري
اما بالنسبة الى صيغة الرئيس نبيه بري والقول ان الفراغ في المجلس النيابي يعني تطيير رئاسة الجمهورية وتطيير الحكومة، فان الرئيس العماد ميشال عون لا يأخذ بهذه النظرية بل يعتبر ان رئاسة الجمهورية ستستمر وسيكون هنالك رئيس جمهورية هو العماد ميشال عون، وسوف يدعو عندها الى مؤتمر تأسيسي حقيقي للبنان، وان لم يلبّ البعض هذه الدعوة فسيكون لبنان دخل في ازمة كبرى وسيبقى الرئيس العماد ميشال عون على رأيه. اما الخطوة القانونية التي تقول بزوال رئاسة الجمهورية والحكومة وكل المؤسسات فهذا الامر لن يحصل فالحكومة ستستمر في تسيير الاعمال والمجلس النيابي سينتظر انتخابه في ظل الفراغ الى ان يتم وضع قانون جديد ورئيس الجمهورية يرتقي سدة الرئاسة ولا تؤثر عليه أي قوة دستورية او قانونية.
التجنيس وتأثيره السلبي على الوجود المسيحي
اما الضربة الكبرى الأخرى التي جاءت على المسيحيين فجاءت في عهد الرئيس المرحوم الياس الهراوي والرئيس العماد اميل لحود، عندما تم تجنيس 452 الفاً من غير اللبنانيين بينهم 91 في المئة من الطائفة الإسلامية و9 في المئة من الطائفة المسيحية، وهؤلاء المجنسين يأتون من سوريا، وينتخبون وفق الإرادة السورية، وبطبيعة الحال، القرار السوري لا يصب في خانة انتخاب نواب القوات والكتائب وحتى العونيين ربما، مع العلم ان علاقة العماد عون بسوريا جيدة جدا. لكن سوريا تريد إبقاء الخلاف قائما بين الرئيس العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية، ووضع الوزير سليمان فرنجية كقطب ماروني في وجه الرئيس الماروني العماد ميشال عون، لان الرئيس العماد ميشال عون متحالف مع الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، وسوريا لا تريد ان تزداد قوة الدكتور جعجع مع العماد عون على حساب الوزير فرنجية، كذلك حزب الله فهو لا يريد ان تزداد قوة الدكتور جعجع على حساب الوزير فرنجية. من هنا محاولة حزب الله مصالحة الرئيس العماد ميشال عون والوزير فرنجية للتخفيف من تحالف عون مع جعجع، وذلك على قاعدة التوازن وعدم تفرد العماد ميشال عون بالقرار. ويكون الوزير فرنجية في تحالف مع الرئيس نبيه بري وضمنا تحت الطاولة مع الرئيس سعد الحريري ويلتقي مع الوزير وليد جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي.
الى اين يسير لبنان؟
ان لبنان يسير نحو استحقاقات خطيرة، لكن العماد الرئيس ميشال عون رئيس الجمهورية قرر مواجهة الأخطار كما واجهها في الماضي وانتصر على كل شيء ووصل الى رئاسة الجمهورية بعد نضال مرير، وسيصل هذه المرة برأيه الى إقرار قانون انتخابي جديد والى اسقاط قانون 60 نهائيا ووضع خريطة جديدة لأقضية الانتخابات، تراعي التوازن الطائفي في المناطق، ولا تجعل من طائفة تسيطر على بقية الطوائف.
وبالنسبة لـ 28 نائبا مسيحيا المخطوفين لدى الطــوائـف فإنه سيحررهم ويترك الامر للشعب كي ينتخبهم، لا على قاعدة القانون الأرثوذكسي، أي كل طائفة تنتخب نوابها، بل على العكس، الانتخاب يكون مختلطا من كل الطوائف للائحة مختلطة تمثل كل الطوائف انما على قاعدة النسبية.