كتب وفيق قانصوه في صحيفة “الأخبار”:
بعد سبات طويل، يعقد المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى غداً جلسة استثنائية لـ «انتخاب» رئيس له (الموقع شاغر منذ وفاة الشيخ محمد مهدي شمس الدين عام 2001)، ونائبين أول وثان للرئيس، وملء مراكز العضوية الشاغرة في الهيئة التنفيذية.
الجلسة ستكون أقرب الى التعيين منها الى الانتخاب بعدما باتت الأسماء معروفة ومتداولة على المواقع الاخبارية. وهي تأتي بعد إقرار مجلس النواب في 19 كانون الثاني الماضي قانون تمديد ولاية الهيئتين الشرعية والتنفيذية لثلاث سنوات بناء على اقتراح تقدم به النائبان علي بزي وحسن فضل الله، على أن يتم ملء الشواغر في الهيئتين «بقرار من رئيس المجلس او من يقوم مقامه».
وبناء عليه، تشير المعلومات الى أن جلسة عقدت بعيدا عن الاعلام، الخميس الماضي، تم الاتفاق فيها على ملء الشواغر الأربعة في الهيئة الشرعية التي تضم 12 عضواً، بتعيين كل من مفتي صور وجبل عامل الشيخ حسن عبدالله (حركة أمل) والشيخ قاسم قبيسي (قريب من أمل) والسيد عباس الموسوي والشيخ علي ياسين (قريبان من حزب الله). فيما سيجري في جلسة الغد ملء الشواغر الستة في الهيئة التنفيذية (تضم نواب الطائفة الـ 28 كأعضاء حكميين، و12 عضواً منتخباً).
وتم الاتفاق بين حركة أمل وحزب الله على الأسماء التالية: الدكتور ماهر حسين والمحامي نزيه جمول (محسوبان على المجلس)، الوزير السابق الدكتور طراد حمادة والدكتور طلال عتريسي (محسوبان على حزب الله)، الوزير السابق عدنان منصور ورئيس المجلس الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ (محسوبان على أمل). على أن «ينتخب» الشيخ عبد الامير قبلان، بعد ذلك رئيسا للمجلس، والقاضي الشيخ علي الخطيب (متوافق عليه بين أمل وحزب الله) نائباً أول للرئيس، والدكتور ماهر حسين نائباً ثانياً، وجمّول أميناً عاماً.
حزب الله في المجلس
اللافت في حركة التعيينات الأخيرة هو «دخول» حزب الله رسمياً، وبقوة، الى المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الذي طالما انضوى تحت جناح حركة أمل كون مؤسسه هو مؤسس حركة المحرومين. إذ ارتفعت «حصة» الحزب في الهيئة الشرعية، بتعيين الموسوي وياسين، الى ثلاثة أعضاء من أصل الأعضاء الـ 12 بعدما كانت عضويته في الهيئة تقتصر على الشيخ محمد يزبك. وبتعيين حمادة وعتريسي سيكون له وجود للمرة الأولى في الهيئة التنفيذية بعدما كان وجوده فيها سابقاً يقتصر على نوابه الذين يعتبرون أعضاء حكميين شأنهم شأن بقية نواب الطائفة. كما أن تعيين الخطيب نائباً أول للرئيس سيتم بالتوافق معه، بعدما كانت حركة أمل تفضل تعيين الشيخ محمد كنعان.
ولم يبد الحزب، سابقاً، اهتماماً كبيراً بالمجلس وشؤونه، ويعود ذلك أساساً الى أن في اللاوعي الشيعي عدم تقبل لأي مؤسسة ترتبط بالسلطة. ولأن منظومته العقائدية جعلته في غنى عن أي غطاء ديني آخر، انحصر ما أراده من المجلس بألا يُستخدم ضده سياسياً او فقهياً. وهو حصل على ذلك من خلال تسوية، مستمرة منذ نحو ربع قرن، جعلت «الشيعي الأعلى» تحت اشراف الرئيس نبيه بري ادارياً وتنظيمياً، وأتاحت للحزب حق الفيتو.
مع الوقت، بات المجلس تابعاً للمرجعية السياسية الشيعية، حاله كحال المؤسسات الدينية عند المسلمين الاخرين، بعدما كان، بقيادة الصدر، راعياً ومتدخلاً في خيارات الطائفة السياسية. فتحوّل الى ظل للطرفين الشيعيين الأقوى، خصوصاً عندما كان الاشتباك السياسي يحتاج الى أذرع دينية، من نوع القيام بالرد على بكركي أو دار الفتوى، مثلاً، عندما تصدر هاتان الأخيرتان مواقف منتقدة للقوى الشيعية النافذة. حاول شمس الدين، في التسعينات، إدخال تعديلات على دور المجلس لإعادة قدر من الاستقلالية اليه. لكن وفاته أدت الى ضمور دوره وحصر اهتماماته بإقامة مجالس العزاء وتنظيم حملة الحج، مقارنة بالفترة التي كان يرأسه فيها الامامان الصدر وشمس الدين اللذان تجاوزت اهتماماتهما شيعة لبنان الى شيعة العرب والخليج…
اضافة الى ذلك، أدى تحول لبنان، في العقود الثلاثة الماضية، الى مركز استقطاب لمدارس شيعية مختلفة، إلى إضعاف المجلس كمؤسسة متدخلة في بناء الشخصية الدينية في لبنان. إذ لا علاقة له اليوم، مطلقاً، بادارة غالبية الحوزات العلمية، وغالبية الآراء والفتاوى التي تحكم الكثير من السلوكيات. كما تراجع الوقف الشيعي الذي كانت تغذيه تبرعات رجال مال واعمال شيعة، ذهبت الى مؤسسات وجمعيات اخرى، ولم يعد المجلس الشيعي يقدم نماذج مرغوبة على صعيد التعليم والرعاية الاجتماعية. فيما يجري الحديث همساً عن محسوبيات في التوظيف وفي إدارة الأوقاف والمؤسسات التي تدرّ مليارات الليرات سنوياً.
كل ذلك أوجد قناعة لدى الحزب بالحاجة الى تغييرات كبيرة في إدارة المجلس ودوره، وإمكان أن يعود الى لعب دور رائد عربياً واسلامياً، كالمؤسسة الرسمية الأبرز الناطقة باسم الشيعة العرب (النجف ليس مؤسسة رسمية)، خصوصاً في ظل الاحتقان المذهبي في المنطقة.
وترافق ذلك مع احتجاجات، بعضها كامن، من قبل رجال دين وعلماء يعتقدون بأن في إمكان المجلس القيام بدور وطني واسلامي أكبر، إضافة الى رغبة هؤلاء في كسر الاحتكار القائم منذ زمن طويل لقيادة هذه المؤسسة، من قبل فريق موال باغلبيته للرئيس بري.
اتهامات
وفي المقابل، هناك شخصيات شيعية تريد نسفاً للواقع القائم بغية العودة الى استخدام المجلس منصة لتسجيل مواقف لا تصب كلها في خدمة الثنائية الشيعية. وتتهم هذه الشخصيات حزب الله وحركة أمل بالهيمنة على المجلس عبر التمديد لهيئتيه و«حرمان أبناء الطائفة من ممارسة حقهم في إدارة شأنهم الثقافي والديني، في وقت يطالبان بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها على قاعدة التمثيل النسبي الشامل وعدم حرمان أي اقلية من حق التمثّل». ويأخذ هؤلاء على «الثنائي الشيعي» تغييب ارادة النخبة الشيعية، وعدم احترام التطور الذي شهدته الطائفة، علمياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، منذ الانتخابات الأخيرة عام 1975. كما يذكّرون بأن الامام الصدر، مؤسس المجلس وأيقونته، تنافس في انتخابات ذلك العام في انتخابات الهيئة التنفيذية مع أربع لوائح أخرى، ولم يتمكن من إيصال أكثر من ثلاثة من أعضاء لائحته فيما توزع بقية الفائزين على ثلاث لوائح أخرى، وكان من بينهم ستة يساريين وشيوعيين!
إذن، حكاية المجلس مع التمديد والتعيين تعود الى عام 1975. فرغم أن القانون يلزم بإجراء انتخابات لأعضاء الهيئتين الشرعية والتنفيذية كل ست سنوات، إلا أن آخر انتخابات أُجريت تعود الى ذلك العام، اي قبل 42 عاماً. ومذذاك، لم تُحترم أي من المهل القانونية باستثناء تلك التي تنص على سن تقاعد رئيس المجلس (65 عاماً). فمع بلوغ السيد موسى الصدر، عام 1994، السن القانونية للتقاعد، عُيّن «رئيساً مؤسساً» للمجلس مدى الحياة، وانتخب شمس الدين رئيساً وقبلان نائباً له. وإذا كان التمديد مبرراً في 1981 و1987، بسبب الظروف الأمنية في البلاد آنذاك، إلا أن الغريب أن الانتخابات لم تجر بعد ذلك، فتتالت «التمديدات» رغم انتفاء الظروف القاهرة، علماً أن لبنان شهد منذ منتصف التسعينات انتخابات رئاسية ونيابية وبلدية وملّية ونقابية.
في الشكل، تبدو الخطوات الأخيرة بداية «نفضة» مطلوبة لاخراج المجلس من «كوما» طويلة، عطّلت دوره المفترض منذ أسسه الإمام الصدر عام 1969 بهدف «تنظيم شؤون الطائفة وإشراك الشيعة في منتدى يضم كل مكوّناتهم»… ليقتصر على استهلال شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى!
أما في المضمون، فتشوب العملية شوائب قانونية تجعلها قابلة للطعن أمام القضاء. إذ أن القانون الذي أصدره المجلس النيابي أخيراً، نص على «تعليق ولمرة واحدة تنفيذ مفاعيل وأحكام المادة 12 من القانون 67/72» التي تحدّد سن رئيس المجلس بـ 65 عاماً بما يتيح لنائب رئيس المجلس الحالي الشيخ عبد الأمير قبلان (مواليد 1936) الترشح لرئاسة المجلس. إلا أن أحداً لم يلتفت الى المادة 11 من القانون التي تنص على انه «يشترط في رئيس المجلس ان يكون لبنانياً وعالماً دينياً معترفاً باجتهاده المطلق في الاوساط العلمية»، وهو شرط ديني ــــ علمي غير متوافر في الشيخ قبلان.
كما أن إعطاء قبلان كـ «رئيس للمجلس او من يقوم مقامه» حق ملء الشواغر في الهيئتين الشرعية والتنفيذية يجعله مورد طعن. إذ لا يحق له، بحسب قانونيين، توقيع قرارات التعيين لأن «ولاية نائب الرئيس تنتهي بولاية الرئيس. وعليه، فإن ولايته انتهت في كانون الثاني 2001 مع وفاة الشيخ شمس الدين. وبقاؤه منذ ذلك الحين على رأس المجلس بذريعة تسيير المرفق العام لا يعطيه الحق بأكثر من تصريف الأعمال، علماً ان القانون يحتم عليه الدعوة، خلال شهرين من شغور منصب الرئيس، إلى انتخاب رئيس جديد». وعليه، فإن كل القرارات التي أصدرها قبلان منذ 2001، بما فيها تعيين المفتين أو التصرف بالأوقاف، «صادرة عن غير ذي صفة». أضف الى ذلك ان نائب رئيس المجلس، بحسب القانونيين أنفسهم، خالف في ملفات عدة قانون تأسيس المجلس ونظامه الداخلي. ومنها، على سبيل المثال، تعيين بعض المفتين (مفتي صور السابق علي الأمين الذي كان محسوباً على أمل ومفتي الهرمل الحالي الشيخ علي طه المحسوب على حزب الله) فيما يمنع القانون تعيين حزبيين في مواقع الافتاء.
أضف الى ذلك، أن المادتين 11 و12 من النظام الداخلي للمجلس تحتم دعوة الناخبين لانتخاب الهيئتين الشرعية والتنفيذية قبل انتهاء ولايتهما بـ 45 يوماً على الأقل و75 يوماً على الأكثر، وتبلغ الدعوة بواسطة النشر والإعلان في الصحف وخلافها، ويجري الإعلان عنها على باب مركز كل من المجلس والمحكمة الشرعية الجعفرية العليا والمفتي الجعفري الممتاز وفي لوحة الإعلانات لدى مراكز القائمقاميات والمحافظات. وتتم معاملات الإعلان والنشر قبل موعد الانتخاب بعشرين يوماً على الأقل. ولكل ناخب مقيد اسمه في اللائحة الانتخابية للهيئة الشرعية، أن يتقدم بترشيحه لعضوية هذه الهيئة. كما لكل ناخب من المدنيين في الهيئة العامة أن يتقدم بترشيحه لعضوية الهيئة التنفيذية. ورغم أن القانون الأخير الذي أقره مجلس النواب ينص على التمديد والتعيين، إلا أنه لم يكن هناك ما يمنع احترام هذه المهل، أو يحتم عقد اجتماع الخميس الماضي بشكل شبه سري. كما أن لا شيء يحول دون إعطاء الفرصة للجميع، ولو بالشكل، عبر فتح الباب أمام كل الراغبين في الترشح لعضوية الهيئتين للتقدم بسيرهم الذاتية حتى ولو كانت الأمور ستتم تعييناً.