كتب بسّام أبو زيد:
عندما تحدّث البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن سلاح “حزب الله” منتقدا شرعيته، تعرّض لهجوم عنيف من قبل أنصار ومؤيّدي الحزب، وسمع في المقابل مديحا من قبل خصومه.
لم تكن بكركي مرتاحة لهذا الوضع، بل هي كانت تسعى إلى الحد من الكلام في هذا الموضوع أكان سلبيا أم إيجابيا، وقد كانت الإيجابيات من لبنان وخارجه بحسب مصادر مقربة من البطريرك أكثر بكثير من السلبيات.
“حزب الله” عبر قيادته ومسؤوليه لم ينتقد كلام البطريرك الماروني الذي أتى ردا على سؤال أثناء مقابلة خارج لبنان، لأنه لا يريد أولا الدخول في سجال مع بكركي، ولأنه مدرك ثانيا أن موقف البطريرك لم يأت نتيجة حركة جذرية في الصرح البطريركي تصل إلى حد نداء أول يتعلّق بالسلاح غير الشرعي كما حصل مع الاحتلال السوري للبنان، والأهم أن “حزب الله” يدرك أن سلاحه مصان بموقف رسمي يقف إلى جانبه في شكل مطلق وهو موقف رئيس الجمهورية، رغم أن أوساطا قد روّجت أن العماد عون لم يكن منزعجا من تصريح البطريرك الماروني.
لم تكد تمضي أيام حتى استغلّ البطريرك الراعي زيارة وفد من البقاع الشمالي إلى بكركي ليوضح موقفه من “حزب الله” بطريقة ذكية، إذ توجّه لأعضاء الوفد وهم من المسيحيين والسنة والشيعة، برفض تسميتهم بسكان الأطراف قائلا لهم انتم من تدافعون عن الحدود في وجه الإرهاب ولولاكم لكان الإرهابيون قد وصلوا إلى الساحل اللبناني ومنه ألى أوروبا.
طبعا إن الذين كانو في عداد الوفد ليسوا هم من يحملون السلاح عند الحدود، وطبعا ليس الشباب المسيحيون والسنة هم الذين يتواجدون في جرود رأس بعلبك وعرسال، بل إن من يتواجد هناك بالفعل ويحمل السلاح هم من الشبان الشيعة الذين ينتمون إلى “حزب الله”، وقد اعترف البطريرك في شكل غير مباشر بدورهم الذي يروّجون له مع الكثير من المسيحيين بأنهم هم بالفعل حماة الحدود وحماة لبنان وحماة المسيحيين فيه وأنه لولاهم لكان الإرهابيون بالفعل قد وصلوا إلى جونية.
واللافت في الكلام التوضيحي للبطريريك انه لم يأت على ذكر الجيش اللبناني في ذاك المقطع المتعلّق بالدفاع عن الحدود، رغم أن بكركي تسلم وتبارك بهذا الدور، ولكنها قد تكون المرّة الأولى التي تعترف بها بشكل واضح أن للجيش شريكا في الدفاع عن الحدود، وأن دوره لا يقل أهمية عن دور الجيش لا بل يفوقه رغم أن سلاحه غير شرعي.
إن الدفاع عن لبنان أمر مناط بالقوى الشرعية اللبنانية، ومن الطبيعي أن يكون المواطن إلى جانب هذه القوى في الدفاع عن حدوده وبلده، ولكن ليس من الطبيعي أن يأخذ المواطنون مكان ودور هذه القوى الشرعية، وليس من الطبيعي أيضا أن تسلم فئة من اللبنانيين أن مصير وجودها مرتبط بما إذا كانت فئة أخرى تحمل السلاح أم لا، وأكثر من يدرك هذه الحقيقة هي بكركي لأنها تعلم جيدا تاريخ المسيحيين وتحديدا تاريخ الموارنة في لبنان. وفي شواهد ووقائع كثيرة تقول أن فترات أصعب قد مرّت على المسيحيين وتجاوزوها رغم الانقسامات والاقتتال أحيانا، وبالتالي فإن المطلوب ليس كلاما من هنا يقابله كلام من هناك، بل أن المطلوب موقف دأبت عليه بكركي وهو الوقوف إلى جانب الدولة وحدها وإلى جانب جيشها، وعدم نكران تضحيات مواطنيها إلى أي طائفة انتموا في مواجهة أي خطر واحتلال، ولكن تحت عنوان عريض وهو أن مسؤولية الدفاع عن الأرض والناس هي مسؤولية الدولة وحدها، وان كل سلاح مرادف أو مساعد سيكون في أي لحظة من اللحظات في خدمة مشروع من تبنّى هذا السلاح وهو مشروع تدركه بكركي ويجاهر به أصحابه.