كتبت هيام عيد في صحيفة “الديار”:
ثمة قلق يساور بعض الدوائر في الفاتيكان ازاء الوضع في لبنان عموما ووضع المسيحيين خصوصا بعد الواقع المتدهور للمسيحيين في منطقة الشرق الاوسط في السنوات الماضية التي تعرض فيها المسيحيون لحملات ارهابية ادت الى تراجع مخيف في اعدادهم في المشرق العربي وخصوصا في سوريا والعراق ومصر. فلبنان يحتل مكانة خاصة لدى الفاتيكان وهي تنطلق من قيم الاصالة التي عاش عليها اللبنانيون ومن خلال السلام والتعاون بين طوائفه ومذاهبه وذلك بحسب أوساط سياسية قريبة من بكركي. وتأتي مناسبة هذا الكلام بعد اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد لقائه البابا فرنسيس في الكرسي الرسولي، ان الخلاف في لبنان سياسي وليس ديني،مما يعكس حالة الشراكة الكاملة والمتميزة بين اللبنانيين.
وقالت هذه الاوساط ان الحالة الفريدة التي يمتلكها المجتمع اللبناني، تمثل نموذجا للتعايش بين المسلمين والمسيحيين والذي سيشكل قاعدة اي تسويات يتم طبخها او اعدادها في البلدان التي تشهد نزاعات طائفية ومذهبية. وترتدي معادلة العيش المشترك في لبنان طابعا هاما يتخطى بأبعاده الحدود اللبنانية الى دول المنطقة والعالم، ويتطلب متابعة مباشرة وخاصة من قبل القيادات والسلطات اللبنانية التي تقف على مشارف مفترق مصيري يتمثل باطلاق ورشة عمل سياسية واقتصادية نص عليها اتفاق الطائف ولم تنفذ حتى اليوم. وأبرز المحطات على هذا المفترق تتركز في قانون الانتخاب الجديد الذي يجري العمل عليه للوصول الى تكوين مجلس نيابي يضم كل الشرائح اللبنانية وتنوعلتها، كما بتطبيق ما جرى الاتفاق عليه اللبنانيون عند نهاية الحرب والذي ما زال غير مترجم في الواقع الداخلي نتيجة الانقسامات والاصطفافات الداخلية والخارجية. وفي هذا السياق وجدت الاوساط نفسها ان مواجهة الواقع المتردي للحالة المسيحية في دول المنطقة تبدأ من لبنان حيث تنذر التحولات في السنوات الماضية وخصوصا مع بدء موجة النزوح السوري الى أراضيه، بتعديل خطير على صعيد الديموغرافيا قبل الاقتصاد والانماء والمجتمع.
ومن هنا أكدت ان انماء المناطق اللبنانية من دون استثناء اي منطقة ، وترسيخ اللبنانيين في اراضيهم من خلال اللامركزية الادارية الموسعة والتي تشكل أحد الاهداف الاساسية اللبنانية لانه عندما أقرت في الطائف حصل ذلك على اساس الحفاظ على تعددية المجتمع اللبناني اولا وانطلاقا من الحاجة القصوى الى بعد لامركزي اداري لابناء المناطق البعيدة والمحرومة خارج العاصمة ثانيا. وشددت الاوساط على ان اللامركزية هي باب من ابواب الحلول التي كان من الواجب اللجؤ اليها في اعتماد سياسات اصلاحية في الادارات العامة نظرا لفوائدها وانعكاساتها على مجمل الوضع العام لجهة التخفيف من الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الدولة اليوم. وأوضحت ان المقصود من هذه المعادلة ليس اللامركزية السياسية بل الادارية والتي تحقق للبنانيين ثلاثة عناصر حيوية وتدعم الحراك الفاتيكاني الجاري للحفاظ على الوجود المسيحي المشرقي. وتتمثل هذه العناصر ببقائهم في أرضهم من خلال تفعيل وتنشيط الحالة الاقتصادية في الاقضية والمناطق، كما انها تحافظ على التوازن الديموغرافي في كل الاقضية، اضافة الى انها تمنع تغيير هوية الارض. ولذلك فان اللامركزية الادارية حيوية لان تغيير هوية الارض يساهم تدريجا في ضرب الحالة المسيحية في لبنان.
ومن ضمن هذا السياق اعتبرت الاوساط السياسية ان اخر حالة مسيحية مشرقية اليوم هي الحالة اللبنانية وان المسيحيين يدركون ذلك جيدا كما انهم يعون ان اي دعم خارجي لن يحقق لهم ما لم يستطيعوا ان يحققوه بأنفسهم ومن خلال الدولة وشركائهم في الوطن. وانطلاقا من هذا المبدأ ومن المشهد الداخلي بدأ الاعداد جديا من اجل تثبيت الحضور المسيحي في لبنان واعادة الاعتبار لفعالية الدور الوطني المسيحي في لبنان كونه أخر دور مسيحي مشرقي.
وقد أضافت الاوساط ان العمل ينصب حاليا على تثبيت موقع الرئاسة وتعزيز الدور داخل الحكومة واقرار قانون انتخاب جديد، من ضمن أجندة وطنية ومسيحية تعمل عليها كل الاطراف بالتنسيق مع بكركي من أجل الحفاظ على الوجود المسيحي، وذلك بالطبع ليس انطلاقا من عناوين فئوية ، انما حفاظا على دور ومعنى فلسفة لبنان وميثاق العيش المشترك.