كتب خالد موسى في صحيفة “المستقبل”:
تشهد الساحة الداخلية منذ بضعة أيام مزايدات شعبوية وتضليلاً للرأي العام تحت شعار المطالبة بحقوق الناس عبر إقرار سلسلة للرتب والرواتب من دون فرض ضرائب جديدة على المواطنين. من يقود هذه الحملة الممنهجة في هذا السياق بهدف تطيير السلسلة لغايات في نفس يعقوب وبالتالي حرمان أكثر من 250 ألف عائلة لبنانية مستفيدة من هذه السلسلة وتنتظرها منذ أكثر خمس سنوات هذا الحق، كان في وقت سابق قد وافق على كل ما جاء فيها وتحديداً في حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 وفي اللجان النيابية المشتركة في الأيام التي سبقت دراسة السلسلة من قبل الجمعية العمومية لمجلس النواب ولم يثر كل هذه الزوبعة التي حصلت في الأيام الماضية، والتي ترافقت مع نشر أرقام مضخمة ومضللة عن الضرائب التي سيقرها المجلس. غير أن المضحك المبكي، أن الفريق الذي يثير هذا الأمر ويستغلون وجع الناس من أجل تحقيق مآربهم الإنتخابية والسياسية عشية الإنتخابات النيابية المقبلة هو جزء لا يتجزأ من مجلس النواب وكان مشاركاً في الحكومات السابقة التي تعاقبت والتي أورثت حكومة “استعادة الثقة” برئاسة الرئيس سعد الحريري هذه السلسلة.
وعلى الرغم من كل هذه المزايدات على حساب الناس، أكدت أمس الأول حكومة الرئيس سعد الحريري بعد الإنتهاء من إنجازها الموزانة وعبر لسان رئيسها، أنها عازمة على إقرار سلسلة الرتب والرواتب بالتوافق مع معظم الكتل النيابية، وهو ما يؤكد وقوف الدولة بجانب الزيادة التي تفيد الناس وليس العكس كما يفعل البعض اليوم. وهذا ما أكد عليه أمس أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، عبر تحديده في بيان “الأولويات التي سيعمل المجلس عليها في المرحلة المقبلة وهي قانون الإنتخاب وتعيين لجنة تحقيق برلمانية لكشف الفساد والمفسدين ومحاكمتهم، ولإقرار السلسلة لكل ذوي الحقوق وإقرار الموازنة”.
في هذا السياق، يعتبر عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار في حديث إلى “المستقبل” أن “هذه المزايدات غير مسؤولة وتريد تحقيق إنتصارات وهمية في السياسية”، مشيراً إلى أن “المتاجرة بحقوق الناس ولقمة عيشهم، وبالمستوى الإقتصادي والإجتماعي للناس وكذلك بواقعهم المعيشي، أقل ما يقال فيها أنها مستوى متدنّ من التعاطي اللامسؤول والإستخفاف بواقع البلد بهذا الشكل الذي هو معيب”.
وأسف “لما وصل إليه البعض بالبحث عن انتصارات وهمية عبر مزايدات على حساب الناس”، موضحاً أن “هذه السلسلة ورثتها حكومة الرئيس سعد الحريري عن حكومة الرئيس تمام سلام التي ورثتها بدورها عن الحكومة التي ترأّسها الرئيس نجيب ميقاتي على مدى ثلاث سنوات، والكل كان يريد رمي هذه الكرة والتهرب منها، وحكومة الرئيس الحريري تصدت للموضوع بكل مسؤولية وبروحية تريد أن تعطي أصحاب الحق حقهم لإنصاف الناس والدولة والخزينة العامة”.
وأشار إلى أن “من المؤسف أن بعض ممن كان يوافق في السابق على كل شيء، يذهب اليوم في مزايدات إعتقاداً منه أنه يحقق عبر هذا الأمر مكسباً سياسياً”، مشدداً على أن “حكومة الرئيس سعد الحريري مصرة على إعطاء كل ذي حق حقه عبر السلسلة بالتوازي مع العمل على تحقيق نوع من التوازن ما بين الإيرادات والنفقات المستجدة بشكل لا يصيب الفقراء وأصحاب الدخل المحدود بل تصيب أصحاب الدخل المرتفع”.
من جهته، لفت عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب جوزيف المعلوف في حديث إلى “المستقبل” إلى “أننا مع حق الناس في التعبير عن رأيها، ولكن أن يكون ذلك في الوقت نفسه ضمن الأطر القانونية والموضوعية، وأن لا يكون تعبيراً عن الرأي يضرّ مصلحة المواطن أكثر مما ينفعها”، مشيراً إلى أن “ما جرى في الجلسات عليه علامات إستفهام عديدة خصوصاً على جزء من الحوار الذي كان يجري في الجلسة، وهو الذي كان قد حصل ضمن اللجان المشتركة، والكتل التي قامت بهذه المداخلات كانت موجودة ضمن هذه اللجان”.
وأوضح أن “ما تم الإتفاق عليه اليوم ضمن السلسلة هو ما جرى الإتفاق عليه أيضاً ضمن الهيئة العامة للمجلس في عام 2014، فهناك مفاجأة في هذا الموضوع”، مشيراً إلى أن “ في حال عدم وجود موارد كافية لتأمين السلسلة، أكيد لا نقبل نحن كما المواطنين كون هذا الأمر يؤدي بنا إلى الذهاب نحو إنحدار أكثر في الموضوع الإقتصادي وهذا ما يخلق نوعاً من القلق”.
ولفت إلى أنه “منذ بداية الحديث عن هذا الملف، كانت هناك مداخلة لزميلنا النائب جورج عدوان بأن الموافقة على الموازنة ترتبط بإيجاد إيرادات، وإن كنا موضوعيين كمشرعين يجب أن يكون هناك إجماع على هذا الموضوع، لكي لا يكون هناك أثر سلبي وأن نعطي المواطن من ناحية ونأخذ منه من الناحية الأخرى”، مشيراً إلى أننا “بإنتظار تحديد الرئيس بري موعداً جديداً لجلسة الهيئة العامة، ونأمل أن يتم ربط هذا الموضوع بالموازنة لأنه لا يمكننا إقرار سلسلة من دون الموازنة”.
بدوره، اعتبر عضو تكتل “التغيير والإصلاح” النائب آلان عون في حديث إلى “المستقبل” أن “هذا الموضوع يتحول عند البعض إلى مادة انتخابية، في الوقت الذي هو موضوع أخطر من هذا الأمر بكثير وأدق ولا يخول التعاطي معه بهكذا استغلال، خصوصاً وأنه يطال جزءاً كبيراً من المواطنين الذين يعملون ضمن القطاع العام وعائلاتهم، إن كانوا في الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو أساتذة أو موظفين في الإدارة، وظيفتهم خدمة الناس ضمن المواقع التي يتواجدون فيها”، مشيراً إلى أن “هذا الموضوع يطال إصلاحاً أساسياً على مستوى الدولة وهذا هو جوهر المشكلة”.
ولفت إلى أن “عملية كبيرة من التضليل جرت من خلال ضخ أكاذيب وإشاعات، خدعت الرأي العام وأوحت وكأن هناك جريمة ترتكب، وهي تغطي على المتضررين الكبار من تلك الضرائب والذين هم أصحاب المصالح الكبيرة والشركات التي ستتأثر بهذه الضرائب لأول مرة”، مشيراً إلى أن “هذه الشركات والمؤسسات هي متربصة دوماً بالسلسلة وتراهن دوماً على الخلافات من أجل تطييرها وبالتالي تجنيب نفسها كل هذه الضرائب والرسوم للدولة، واليوم هي تضع الناس في الواجهة والذين هم متأثرون بشكل محدود وبسيط من خلال الـ 1% على القيمة المضافة، مع العلم أن ليس له من تأثير مباشر على السلة الغذائية اليومية للمواطن، فتم تضخيم هذا الموضوع وتوتير الأجواء وفتح إشكال في البلد من أجل تطيير السلسلة والإجراءات الضريبية الإصلاحية من أجل تطيير، عملياً، 70 بالمئة من الضرائب التي تعني المصارف والأملاك البحرية وأصحاب الأرباح في المضاربات العقارية”.
وشدد عون على أن “الموضوع اليوم بحاجة إلى إعادة إستيعاب وشرح حقيقة ما يحصل وأن يتحمل الجميع مسؤولية أي قرار سيتخذ في هذا السياق، ففي حال الذهاب إلى إقرارها فإن على الجميع تحمل مسؤولية تأمين تمويل لها عبر إجراءات بديلة، وليس عبر كلام شعبوي وغوغائي”، مؤكداً أن “المطلوب اليوم أفعال نذهب بها إلى أصحاب الحقوق وكل من ينتظر إقرار السلسلة”.
وفي حين اكتفى عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب انطوان سعد بالتأكيد لـ “المستقبل” أنه بـ “انتظار ما ستحمله كلمة رئيس اللقاء النائب وليد جنبلاط من مواقف في هذا السياق خلال احتفال يقيمه الحزب اليوم في ذكرى استشهاد المعلم كمال جنبلاط”، شدد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى لـ “المستقبل” على “الإلتزام بالموقف الذي اتخذه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالنسبة لهذا الأمر”، مؤكداً أن “هذا الملف بحاجة إلى مقاربة عامة من قبل الجميع، ونحن بانتظار دعوة الرئيس بري إلى جلسة جديدة الأسبوع المقبل لإعادة البحث في ملف السلسلة”.