Site icon IMLebanon

محاولة أخيرة لإنقاذ قانون الانتخاب

 

 

تعترف مصادر وزارية ونيابية بأن لبنان يمر حالياً في مرحلة من التشنج السياسي، هي الأولى من نوعها منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وقد يتحول هذا التشنج إلى أزمة سياسية خانقة، إذا لم تتسارع الاتصالات من أجل تصويب المواقف في اتجاه التفاهم على قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات النيابية، كمدخل لإعادة تكوين السلطة في البلد، ومع إقرار القانون يمكن “هضم” تأجيل الانتخابات لأسباب تقنية، شرط أن تبقى ضمن سقف زمني مقبول، لا يثير حساسية محلية ودولية.

وتؤكد المصادر ذاتها لـ“الحياة” أنه آن الأوان للتفاهم على خريطة طريق تؤمن التلازم بين وضع قانون انتخابي جديد، وتعيد الاعتبار للحكومة للاتفاق على موازنة العام الحالي وتفتح الباب أمام إقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، تجمع بين الإقرار بحق الموظفين في الحصول عليها بعد طول انتظار، وبين عدم استنزاف خزينة الدولة، في حال تعذر تأمين الواردات المالية لتغطية صرفها لمستحقيها.

وتلفت هذه المصادر إلى أن تعذر إقرار قانون انتخاب جديد يبقى الشغل الشاغل لدى أركان الدولة والأطراف المعنية به، وتؤكد أن الفرصة ما زالت مواتية للتوافق عليه وعندها لن يكون من مانع لتأجيل الانتخابات المقررة في الربيع المقبل إلى موعد آخر.

وتشدد أيضاً على أن البديل لتعذر إقرار قانون الانتخاب الجديد لن يكون الفراغ في السلطة التشريعية، وتعزو السبب إلى وجود مقاومة سياسية لإقحام البلد في الفراغ، لأنه سينسحب على الحكومة ورئاسة الجمهورية.

وتنقل المصادر عن لسان رئيس الحكومة سعد الحريري قوله إن الفراغ هو مؤشر لانهيار الدولة، وهذا أمر مرفوض ولن نقبل به مهما كانت الأعذار.

وتضيف أن الحريري عندما وافق أخيراً على دعم ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، أراد من خياره هذا أن ينهي استمرار الشغور في سدة الرئاسة الأولى من جهة، وأن يقفل الباب على من يراهن على ديمومته، لا سيما أن انتخاب الرئيس سيؤدي إلى إعادة الاعتبار لانتظام المؤسسات الدستورية، كمدخل للبحث في كل القضايا العالقة.

وتعتبر أن الحريري الذي كان وراء الإسراع في إنهاء الفراغ الرئاسي لن يكون شريكاً في إحداث فراغ في السلطة التشريعية. وتقول إن هناك من يحاول استغلال المزايدات الشعبوية والغوغائية، بغية إعاقة الجهود الرامية إلى إخراج سلسلة الرتب من السجال الدائر حالياً، ومن ثم الانتهاء من وضع الموازنة في صيغتها النهائية، لإحالتها على البرلمان من أجل النظر فيها.

وترى المصادر الوزارية والنيابية أن الأبواب ليست مقفلة في وجه العودة إلى تزخيم المشاورات بين أطراف اللجنة الرباعية في محاولتها للتوافق على تصور أولي لقانون الانتخاب الجديد وتقول نحن الآن في انتظار أن تدلي هذه الأطراف برأيها في المشروع الذي تقدم به رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل.

وتعتقد أن اللجنة الرباعية هي الآن في سباق مع الوقت، وأن لديها فرصة وإن كنت ضئيلة للتوافق على الخطوط العريضة لقانون الانتخاب، على رغم أن البديل لن يكون إقحام البلد في فراغ يعيدنا إلى نقطة الصفر.

وإذ تدعو المصادر نفسها إلى عدم استباق النتائج التي ستنتهي إليها اللجنة الرباعية، فإنها في المقابل ترى أن لا منفعة من حرق المراحل بغية كسب الوقت الذي لن يكون في مقدور أحد التكهن معه إلى أين سيصل البلد.

وتتعامل أيضاً مع مبادرة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق برفعه أول من أمس، إلى الرئيس عون المرسوم المتعلق بدعوة الهيئات الناخبة للاشتراك في الانتخابات النيابية، على أنه ليس في وارد تسجيل موقف يتطلع من خلاله إلى الاشتباك مع الرئيس بذريعة رفضه للمرة الثانية التوقيع عليه خلال شهر واحد.

وتعزو السبب إلى أن المشنوق ومعه رئيسي المجلس نبيه بري والحكومة سعد الحريري ليسوا في وارد فتح معركة مع رئيس الجمهورية على خلفية عدم توقيعه على المرسوم وبالتالي اعتباره نافذاً بعد انقضاء شهر من دون توقيعه.

وتضيف: لو كان الأمر كذلك لكان المنشوق بدعم من بري والحريري تصرف مع المرسوم الأول في ضوء رفض توقيع عون عليه وكأنه نافذ. وتقول إن موافقة الرئيس لو افترضنا أنه سيوقع على المرسوم، ستفتح الباب أمام الطعن بدعوة الهيئات الناخبة بذريعة عدم تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات.

ومع أن المصادر لا تسمح لنفسها بأن تنوب عن الرئيس بري في إعلان الخطوة التي سيتخذها في حال تعذر التوافق على قانون جديد ورفض عون التوقيع، فإنها في المقابل تدعو للتريث، خصوصاً أن المشنوق أجرى تعديلاً على المرسوم الثاني الذي رفعه إلى عون بتحديده 18 حزيران (يونيو) موعداً جديداً لإجراء الانتخابات النيابية، بدلاً من 20 أيار (مايو) كما ورد في المرسوم الأول.

وترى أن ترحيل الانتخابات إلى موعد جديد يؤشر من وجهة نظر المشنوق إلى أنه لا يريد أن يشكل بدعوته إحراجاً لأحد، خصوصاً لعون وإلا لما أقدم على هذه الخطوة في المرسوم الثاني، والتي تنم عن رغبته في تمديد الفرصة، لعل الظروف تتبدل في اتجاه التوافق على القانون الذي يبرر حتمية التأجيل التقني للانتخابات.

وفي هذا السياق أيضاً، هناك من يعتقد بأن مجرد التلازم ولو بالمصادفة بين قانون الانتخاب ووضع الموازنة وإقرار سلسلة الرتب، يعني من وجهة نظر مراقبين سياسيين، أن من يريد التوصل إلى هذا القانون لإجراء الانتخابات لا يحشر نفسه في إدراج كل هذا دفعة واحدة.

وبكلام آخر، يعتقد هؤلاء بأن من يسعى عبر الاتصالات الجارية لوضع قانون جديد، لن ينجر إلى مزايدات شعبوية تتعلق بسلسلة الرتب، على خلفية إيهام الرأي العام بوضع جدول من الضرائب الجديدة التي ستفرض وهي في الأساس غير موجودة.

ويسألون عن معنى التضامن الحكومي وإحجام بعض الأطراف على تغييب نفسها عن السجال، ما اضطر الحريري إلى الرد على ما أشيع عن وجود نية لفرض ضرائب ليست مدرجة في النقاش الدائر حول توفير الواردات المالية لتغطية نفقاتها، مع أن هناك من يتفهم موقف حزب “القوات” في مطالبته بوجوب خصخصة الكهرباء التي ما زالت تستنزف الخزينة وتزيد من حجم الدين وأعباء خدمته، وهي المطالبة التي أدت إلى “كهربة” الأجواء مع حليفه “التيار الوطني” الذي يتصرف وكأن هذا المرفق يخصه وحده ولا مجال للنقاش فيه.

لذلك تترقب الأوساط السياسية المحاولات الجارية لتزخيم اجتماعات لجنة الانتخاب الرباعية، فيما إعادة طرح سلسلة الرتب والرواتب في الهيئة العامة تنتظر تحديد جلسة نيابية لن تعقد على الأقل في المدى المنظور، بسبب سفر الحريري غداً إلى مصر على رأس وفد وزاري في زيارة تستمر إلى الخميس المقبل، على أن يتوجه بعدها مع عون إلى عمان لحضور القمة العربية المقررة في 29 الجاري.