Site icon IMLebanon

رئيس الحكومة في الميدان: انعطافة التفاوض الاجتماعي

 

كتب وسام سعادة في صحيفة “المستقبل”:

واقع أساسي، بثلاث صور.

جذر هذا الواقع الأساسي، أزمة معايير على كافة المستويات في لبنان. بحيث يندفع كل طرف الى جعل نفسه معياراً للصواب والخطأ، وما يريده واجب التأمين من قبل الأطراف الآخرين، وما ينهى عنه واجب الحظر والإبطال.

يصح هذا في الاقتصاد كما السياسة، وله ترتيب مختلف في منظومة العنف أو الأمن: طرف واحد يشذ عن المجموع في تملك سلاح خارج عن كنف سلاح منظومة الدولة. هذا الاستثناء يتحول بالنتيجة الى “مايسترو” لادارة التخبط اللبناني بالمعايير، من دون أن يعني ذلك نجاحه في ضبط الايقاع. أزمة المعايير تعطيه مساحة وافرة للتعطيل والتغلّب، لكنها تعوق نمط تغلّبه في الوقت نفسه، من أن يفرض تغييراً عميقاً في المعادلات اللبنانية، بحيث يفرض نظامه هو.

أما الصور..

فلحيرة وحلقة مفرغة في موضوع قانون الانتخابات. لا عودة الى ما سبق، ولا قدرة على التأهل للجديد، بمراعاة وحدة المعايير في قانون الانتخاب حتى الآن. مشكلة مزمنة عمرها ربع قرن استفحلت في الشهور الاخيرة أكثر من أي وقت كان، ولم يردعها اقتراب موعد الاستحقاق، وقبله اقتراب الموعد النهائي للهيئات الناخبة. في الوقت نفسه، استخدم التمديد للمجلس مرتين، ودون استخدامه مرة ثالثة مضاعفات خطيرة، خصوصاً أن كل هذا يترافق مع تهرب من المسؤولية هنا وهناك، ليس فقط عند أقطاب السياسة، بل عند كل المداخلين في أمر القوانين الانتخابية، بمن في ذلك المصنفين مجتمعاً مدنياً.

الصورة الثانية هي لـ”شرود” النقاش حول قانون الانتخاب وتحوله فجأة الى نقاش في الاقتصاد والمال والمسألة الاجتماعية والسياسة الضريبية والفساد وسبل مكافحته، وموجة اعتراضية على موجة ضريبية سوغت لنفسها تحت عنوان تمويل سلسلة الرتب والرواتب، ومجموعات اشتاقت الى الشارع منذ أكثر من عام “كساد نضالي”.

الصورة حملت الموجب والسالب. التظاهر المطلبي الاجتماعي، والغوغاء الملثمة المشبوهة. الحسابات الانتخابية الواضحة، والحسابات المتأتية من الفشل في توليد قانون انتخابي. ضجر الناس من المعاد المكرر في السياسة والاعلام من كلام، والشعور بأن السياسة “العليا” باتت مستغنية عن الانصات الى صوتها، وبأن كل شيء في قيد المؤجل.

الصورة الثالثة.. لسعد الحريري.

غير مسبوقة في التاريخ اللبناني. في التاريخ العربي. رئيس حكومة يقصد التظاهرة المنددة بالضرائب الجديدة لمكالمة الشباب، لفتح قناة التفاوض المطلبي الاجتماعي. ليس صحيحاً بأنه قوبل فقط بموجة الغوغاء. قوبل بنقاش عاصف على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من التقط المساحة، اللحظة، لحظة يبدأ فيها لأول مرة في هذا البلد شيء مبادر على هذا الصعيد للتواصل الاجتماعي، لاستصلاح العقد الاجتماعي، وبين الفوضويين الغوغائيين الذين لا يملكون خطواتهم هم، والى أين تسير بهم هذه الخطوات.

الصورة الثالثة هي مدخل لتصحيح الصورتين الاولى والثانية. التفاوض الاجتماعي في جانبه المطلبي، حول السياسة الضريبية، يتوازى مع ضرورة البحث عن حل في نهاية الامر، عن تسوية، في موضوع القانون الانتخابي، ومع اعادة وضع قطار التداول على سكته من جديد، فيما عنى سلاح “حزب الله” ومشروعه التغلبي وحروبه في الاقليم وقرار الحرب والسلم.

من يرفض التفاوض الاجتماعي في المسألة الضريبية وعموم القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية، هو نفسه، أو ليس بعيداً عنه، من يرفض أو يعطل التداول بروح ديموقراطية بناءة وايجابية في مسألة القانون الانتخابي، وهو هو، أو ليس عنه ببعيد، من يعرقل أي اعادة تسليط للضوء على “القضية المركزية” بالنسبة الى البلد، قضية سلمه الاهلي الواقع رهينة لتمدد وتغلب سلاح “حزب الله”.

١٤ آذار لفظت روحها؟ لا. ١٤ آذار اليوم تعني هذا: استصلاح العقد الاجتماعي بهذه المداخل الثلاثة. التفاوض الاجتماعي الاقتصادي وصولاً الى احياء فكرة المجلس الاقتصادي الاجتماعي ووظيفته ودوره. التداول في أمر قانون الانتخاب على قاعدة ارجاع النقاش الى مرجعية الدستور، ومنهجيات القانون الدستوري، وليس “الدساتير المتخيلة” الموازية التي يطورها كل طرف في رأسه على حدة، حول أحقيته ومظلوميته. ثم اعادة الطرق على سؤال “الى أين”؟، الى أين أيها السلاح؟.