كتبت صحيفة “العرب”: قدرت مصادر محايدة في لبنان عدد الذين شاركوا في الاحتفال الذي دعا إليه زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط من أجل نقل الزعامة إلى نجله تيمور بنحو مئة ألف شخص. وكان على رأس هؤلاء رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزراء تيّار المستقبل، كما حضرت وفود تمثّل كل الاتجاهات السياسية في لبنان، بما في ذلك حزب اللّه الذي يشّن من وراء الكواليس حملة عنيفة على وليد جنبلاط بسبب رفضه القانون الانتخابي القائم على النسبية والذي يؤمن للحزب وحلفائه السيطرة على مجلس النواب المقبل.
ولاحظ مراقبون أنّ الهدف من الاحتفال الكبير الذي أقيم الأحد في المختارة، بلدة وليد جنبلاط في جبال الشوف، هو تأكيد على تماسك الطائفة الدرزية في وجه التحديات الداخلية والإقليمية وفي وقت تبدو المنطقة مقبلة على تطورات كبيرة في ضوء ما يجري في سوريا. ويعتبر الدروز في لبنان والمناطق القريبة منهم الأزمة التي يمرّون بها حاليا أزمة وجودية تعود إلى أنّهم أقلّية من جهة وإلى طموحات حزب الله والذين يقفون خلفه من جهة أخرى.
واختير الأحد للاحتفال بتسليم زعامة الطائفة إلى تيمور جنبلاط كونه يأتي بعد ثلاثة أيام من الذكرى الأربعين لاغتيال كمال جنبلاط والد وليد جنبلاط. وكان كمال جنبلاط اغتيل في مكان لا يبعد كثيرا عن المختارة بعد خلاف بينه وبين الرئيس السوري وقتذاك حافظ الأسد.
وإضافة إلى إلقائه خطابا معبّرا أعلن فيه وليد جنبلاط التزام خطه الاستقلالي الذي وضع أسسه والده بما تسبب له بصدام مع حافظ الأسد، حرص الزعيم الدرزي على إلباس كوفية والده لنجله تيمور. وجرت العادة في الماضي إلباس زعيم الطائفة عباءة وليس كوفية الجدّ كمال جنبلاط الذي ارتبط اسمه بالوجود الفلسطيني في لبنان من جهة ورفضه الوصاية السورية من جهة أخرى.
وكانت هذه هي المرّة الأولى منذ أجيال عدّة التي تنتقل فيها زعامة آل جنبلاط من حيّ إلى حيّ، فوالد وليد جنبلاط تقلّد الزعامة إثر اغتيال والده. أمّا وليد جنبلاط، فقد ورث والده بعد اغتياله في السادس عشر من مارس 1977.
ولاحظ سياسيون لبنانيون أنّ الحشد الكبير الذي كان في المختارة إنما يعبّر عن رغبة في مقاومة المحاولات التي يقوم بها حزب الله حاليا من أجل إلغاء الوجود السياسي الدرزي التقليدي في لبنان. ومعروف أن هذا الوجود السياسي ليس عائدا إلى زعامة آل جنبلاط فحسب، بل إلى أنّ الطائفة الدرزية تعتبر أيضا مع المسيحيين وسنّة المدن، في مرحلة لاحقة ظهر فيها شخص اسمه رياض الصلح، طائفة مؤسسة للكيان اللبناني.
وركّز هؤلاء السياسيون اللبنانيون على التحدي الذي يواجه الدروز في هذه المرحلة بالذات على ضوء انتشارهم الجغرافي في سوريا ولبنان وفلسطين وتنافسهم مع حزب الله على مناطق معيّنة تحرص إيران على أن تكون موجودة فيها كي تضمن دورا في أيّ صفقات تعقد مع إسرائيل في المستقبل، في مرحلة إعادة ترتيب الوضع السوري بكامله وإعادة تشكيل سوريا.
وأشار هؤلاء السياسيون في هذا المجال إلى أن الدروز يقيمون في مناطق حساسة في جنوب لبنان، بينها حاصبيا وراشيا، هم على تواصل وإن بطريقة غير مباشرة مع دروز إسرائيل الموجودين في منطقة الجليل، كما أن هناك علاقات وطيدة بين دروز لبنان ودروز سوريا الموجودين في سهل حوران، مدينة السويداء خصوصا، وفي مرتفعات الجولان.
وقال سياسي لبناني إن أكثر ما يزعج حزب الله ومن خلفه إيران في هذه المرحلة كون وليد جنبلاط هو الشخصية الوحيدة القادرة على تشكيل عنوان مشترك لجميع الدروز، في لبنان أو في سوريا أو في إسرائيل أو في الجولان المحتل.
واعتبر هذا السياسي اللبناني أنّ هذه الزعامة الدرزية التي انتقلت من وليد إلى تيمور، موضع حملات كثيرة الآن شملت في المرحلة الأخيرة وزراء من نوع جبران باسيل “صهر الرئيس ميشال عون” الذي طالب بأن يكون رئيس مجلس الشيوخ في لبنان، في حال إقرار قيام مثل هذا المجلس، برئاسة مسيحي وليس برئاسة درزي كما اتفق على ذلك ضمنا في إطار اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الداخلية اللبنانية في خريف العام 1989. ومعروف أن باسيل الذي يرأس حاليا “التيّار الوطني الحر” حليف لحزب الله وتعكس مواقفه عادة ما لا يرغب الحزب بقوله علنا أو مباشرة.