كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
لم يكن مفاجئاً رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي أثاره معه وزير الداخلية نهاد المشنوق. فهذا الرفض يُعبّر عن قرار اتخذه ولن يتراجع عنه متسلّحاً بصلاحياته تجاه أيّ مرسوم عادي للأسباب التي شرحها سابقاً. لكن لديه النيّة أن يخاطب اللبنانيين في المرحلة المقبلة. فماذا عساه يقول؟كان في نية رئيس الجمهورية مخاطبة اللبنانيين مطلع آذار الجاري لشرح رؤيته للتطورات، وخصوصاً موقفه الرافض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي وقعه وزير الداخلية ورئيس الحكومة قبله.
فهو، ومعه خبراء، مقتنع بأنّ خطوته دستورية، في معزل عن النتائج المترتبة عليها. وخصوصاً في شأن حلول الفراغ للمرة الأولى في مجلس النواب بعد سقوط نظرية استمرار العمل في المرفق العام. فالمجلس النيابي سلطة تشريعية ينتخبها الشعب ومتى انتهت وكالته سقطت الأدوار التي يقوم بها.
عند تأجيل هذه الخطوة كانت هناك مساعٍ لإنتاج قانون انتخاب جديد ضمن المهل الدستورية المرتبطة بالإنتخابات المقبلة، فيسقط الحديث عن توقيع المرسوم تلقائياً، لكنّ الجهود فشلت. فكل المشاريع التي طرحت حول التقسيمات الجغرافية والنظم الإنتخابية المختلطة ما بين النسبية والأكثرية لم تنتج قانوناً مقبولاً، ولم يوفق الساعون اليه في جمع أكثرية نيابية تسمح بإمراره في المجلس.
لهذه الأسباب، أرجأ عون البحث في الرسالة – الموقف الى اللبنانيين الى حين، آملاً في نجاح المساعي المتجددة. اما وقد بلغت البلاد آخر المهل الدستورية امس في 20 آذار على مسافة 90 يوماً من نهاية ولاية مجلس النواب المستحقة في 20 حزيران المقبل فقد بات الوقت مناسباً لتوجيه هذه الرسالة.
ولذلك، وبناءً على ما تقدم، شارفت التحضيرات الجارية للإطلالة الرئاسية برسالة يوجهها الى اللبنانيين او بأيّ وسيلة أخرى ليقول كلمة واضحة وصريحة في ما أراده من ضرورة الوصول الى قانون جديد حالت الخلافات النيابية والسياسية دون أن تترجم رغبته به. من دون أن يفقد الأمل في إمكان أن يتحقق ذلك قريباً، فيُعاد النظر في المهل الهالكة، وتحديد ما يتيح إتمام الإستحقاق النيابي.
فمَن يعايش رئيس الجمهورية في يومياته يجزم بأنه لن يسمح بتمديدٍ نيابيٍّ طويل. فالطعون التي لجأ اليها سابقاً امام المجلس الدستوري عُطِّلت بقدرة قادر، وهو لن يوافق سوى على تأجيل تقني محدّد ومحدود لا يتعدى الأشهر. فالمسألة باتت أمراً واقعاً مفروضاً على الجميع، والمهلة الدستورية الأخيرة انتهت امس من دون التفاهم على قانون جديد وبالعكس، فكل المؤشرات تبعد هذا المشروع الى أمد غير محدَّد.
لذلك سيكون رئيس الجمهورية جازماً في أنه ليس مسؤولاً عمّا حصل، وانّ مهمته كانت وما زالت تصحيح الإرتكابات السابقة واعادة قوننتها. فهو في موقع رتب عليه مواجهة نتائج ما حصل في السنوات السابقة. فالمجلس تعهّد اعتماد القانون 25 / 2008 المخالف للدستور لمرة واحدة في انتخابات العام 2009 وتعهّد للبنانيين بالسعي خلال مهلة سنة بقانون يصحّح تلك الأخطاء التي حدّدها المجلس الدستوري في حينه ومنع تكرارها ولم يفعل ذلك الى الأمس.
أضف الى ذلك، أنّ الخوف الماثل امامه يتمثل في احتمال فشل السلطة اليوم من الوصول الى قانون جديد. ففي إقتناع المحيطين به انه لن يكون سهلاً توافق النواب على قانون ينهي أدوار بعضهم. ويهدّد الحصص والمواقع، فكل حديث عن تركيبة جديدة يقلقهم ولن يقوموا بأيّ خطوة في هذا الإتجاه.
لذلك كله، ستأتي الرسالة الرئاسية في توقيتٍ دقيق. فالمجلس فشل في إقرار سلسلة الرتب والرواتب في وقت كان المطلوب فيه من السلطة إنجاز قانون الإنتخاب أولاً، لإنتاج مجلس يستخدم الثقة المتجددة للبت بسلة ضريبية لا تمسّ ذوي الدخل المحدود والمتوسط تمهيداً لإطلاق ورشة الإصلاح والتغيير في ظروف فضلى. فهل سيُعاد النظر في الأولويات لإلتزام هذه الآلية؟
ولا بد من الإشارة الى أنّ رئيس الجمهورية وإن لم يسجّل أيّ موقف من الحراك الشعبي ضد سلة الضرائب، فهو يعرف في قرارة نفسه أنهم معه ويمكنه الإفادة مما حصل في المواجهة التي يخوضها مع الفساد.