تقرير مريم القحطاني في صحيفة “العربي الجديد”:
في مستشفى “جورج واشنطن الجامعي” في العاصمة الأميركية واشنطن ومن المركز المختص بعمليات المناظير والروبوت التقت صحيفة “العربي الجديد”، الدكتور اللبناني الأصل غابي معوض المتخصص في مجال جراحة المنظار والجراحة الروبوتية وأجرت معه حديثًا مطولاً في هذا المجال.
ـ نبدأ منذ حداثتك في لبنان. من هم الأشخاص الذين أثروا في حياتك؟
في لبنان يكبر الصغار قبل أوانهم. ولدت وتربيت في مدينة زغرتا (شمال) في وقت كانت البلاد تعاني من أزمات وحروب فكانت طفولتي صعبة. كفتى، تجد نفسك أمام أسئلة وجودية كثيرة: “كيف أستطيع أن أغير حياتي؟ لماذا ولدت هنا؟ ما معنى وجودي في هذا المكان”؟ عندما تكون حياتك غائمة فإن ذلك يخلق في ذاتك قدرة عظيمة للتغلب على الصعاب وتحديد المصير. البيئة نفسها تنجح أيضاً في غرس قيم نبيلة مثل الشجاعة والشهامة والمثابرة والإصرار. محيطك، والأشخاص من حولك، جميعهم يمنحونك شيئاً جميلاً وقيّماً مما لديهم كالحب والعطف والأمل والمثالية من دون أن تدري أنّ هؤلاء الأشخاص سيتركون أثراً بالغ الأهمية طوال حياتك يصنع منك الإنسان الذي أنت عليه اليوم. خالي مثلاً، كان نموذجاً يحتذى به وقدوة حسنة. علاقتي بأخي أيضاً كانت وثيقة، بنيت على كثير من الأخذ والردّ ما ساعد في تشكيل عقليتي وأسلوبي في التعامل.
ـ لماذا اخترت الطب؟
لطالما ملأت الدهشة والإعجاب نظرتي إلى الطبيب المنقذ الذي يصل وقت الألم والجراح ليخفف عنك ويداويك. كنت مأخوذاً بهذا الشخص الساحر الذي يستطيع أن يعالجني ويعيدني الى وضعي الطبيعي. أردت أن أصبح ذلك الشخص الذي يخفف عن الناس عناءهم. كذلك، فالطب عالم عميق مليء بالعجائب، وسبر أغواره رحلة رائعة.
ـ كيف كانت رحلتك الدراسية؟ ما هي بعض العقبات التي تخطيتها؟ وكيف فعلت ذلك؟
رحلة طويلة وصعبة. كانت بداية رحلتي في الطب قبل أكثر من ثمانية عشر عاماً في لبنان. بدأتها بالتخصص في الطب العام في الجامعة اللبنانية في العاصمة بيروت. بعدها، تخصصت بالطب النسائي في جامعة البلمند في لبنان أيضاً. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة لمتابعة التخصص في الطب النسائي بجامعة “جورج واشنطن” حيث درست أيضاً التخصص الفرعي في مجال الجراحة المتقدمة بواسطة المناظير والروبوت.
الرحلة كانت صعبة فلدينا الكثير من المتفوقين والراغبين والطامحين من الشباب العرب الأذكياء المفعمين بالحماس والعزيمة. لم تكن المنافسة سهلة فهي مبنية أيضاً على التفوق الاستثنائي. درست في الجامعة اللبنانية (حكومية) لأنها من أهم وأكثر الجامعات نزاهة في لبنان. نعم هي مجانية ولذلك فإنّ الالتحاق بها ليس سهلاً أبداً، بل هناك تقريباً عشرة آلاف متقدم يجري اختيار ستين منهم فقط. من الصعب أن تصبح طبيباً في لبنان من دون أن تمر بكثير من الامتحانات التي لا تنتهي. بالإضافة إلى هذا، لا توجد ضمانات بعد التخرج في تأمين فرصة العمل، فلا تعرف ما هو مصيرك الوظيفي.
ـ ما رأيك في التعليم الجامعي في الوطن العربي؟ وما هي بعض الإصلاحات التي تراها ضرورية؟
في إمكاني أن أتحدث عن لبنان بحكم تجربتي. لدينا أطباء وأساتذة رائعون بكل ما في الكلمة من معنى. ولدينا طلاب في قمة الذكاء والحيوية، مستعدون لتقديم الكثير من التضحيات وشق طريقهم بكل ما لديهم من إرادة. ولدينا جامعات منظمة وجيدة، وهذا في النهاية ينتج أطباء رائعين. لكنّ عدم توحيد المناهج الدراسية، وعدم وجود بحوث علمية لتقديم مناهج مبنية على أسس علمية قابلة للتحديث والتطوير، يشكلان عقبة كبيرة أمام طالب الطب بشكل عام. هناك كثير من التسييس وعدم الاتفاق في تحديد المناهج، ما يجعل الطالب يشعر وكأنّ رحلته مجهود فردي.
ـ ما الفرق بين ممارسة الطب في لبنان وفي الولايات المتحدة؟
الفرق جوهري. ربما من الإحباطات التي تواجه المريض في العالم العربي هي أنّ كلّ طبيب يعطيه رأياً مختلفاً عن غيره. هذا يعود مرة أخرى الى النقطة التي تحدثنا عنها بخصوص أهمية توحيد المناهج الطبية في الجامعات. المعايير ليست موحدة في بلادنا عندما تتعلق بممارسة الطب. ثانياً، ليس هناك تحديث للترخيص الذي يحمله الطبيب في لبنان، فبإمكان الطبيب أن يمارس الطب أكثر من عشرين عاماً من دون أن يحضر مؤتمراً مثلاً. الطبّ في بلادنا مصاب بالصدأ والخمول والعشوائية. العلم والطب في تطور مستمر وبالتالي، من الضروري التحديث والاطلاع والمتابعة وضبط المعايير. أما الغرب فهو يسير بدقة الساعة. هناك مبادئ توجيهية ومعايير في غاية الدقة، وهناك نقابات وجمعيات كبرى تهتم بهذه المبادئ التوجيهية وبهذه المعايير وتطبيقها بحذافيرها على أرض الواقع.
ـ ما هي أحدث التقنيات التي تستخدمها؟ وما هو الفرق بينها وبين التقليدية منها؟ وهل تنصح بها؟
جراحة الروبوت التي هي امتداد لعملية المنظار. الفرق بينهما أنّ العمليات التقليدية قد يكون الشق فيها عشرة سنتيمترات بالعرض أو بالطول. أما المنظار فهناك ثقب أو ثقوب صغيرة ويستعمل الطبيب خلالها ما يشبه العيدان. أما الروبوت فهو الذي يقوم بهذه العملية كاملة، طبعاً بتحكم من الطبيب. أنصح بهذه التكنولوجيا لأنّها أقل تعقيداً وتساعد المريض على التماثل للشفاء بشكل أسرع. بإمكان المريض أن يزاول نشاطه المعتاد ويمارس الرياضة بعد أسبوعين من العملية على الأكثر، فالشق أصغر، والنزيف خلال العملية أقلّ بكثير، والدقة أعلى، والألم أقل أيضاً، فيلتئم الجرح بسرعة. حتى شكل العملية الخارجي أو الندب لا يكاد يذكر. تجدر الإشارة إلى أنّ التأمين الصحي في الولايات المتحدة يتولى تغطية تكاليف هذه العملية ما يجعلها متوفرة لكلّ من لديه تأمين.
ـ ما رأيك بصحة المرأة العربية؟ وما هي الأخطار الصحية التي تواجهها؟
طبعاً يهمني التذكير أنّ صحة المرأة سواء في العالم العربي أو غيره هي في المقام الأول فهي أساس الهرم الصحي. المرأة هي محور الأسرة، ومجمل المسؤولية تقع على عاتقها. هي التي تعتني بصحة الطفل والزوج والأسرة كاملة وبالتالي من الخطير جداً إهمالها. لذلك، فإنّ صحتها هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والقطاع الصحي والأفراد. يجب الاعتناء بالمرأة من خلال التوعية والوقاية والمتابعة مع الطبيب من خلال الفحوص الروتينية للثدي والرحم. ومن المفترض أن تمنح هذه الرعاية للمرأة مجاناً. طبعاً، لا شك أنّ هناك مراكز في إمكان المرأة أن تتلقى فيها رعاية صحية جيدة، لكن بالرغم من ذلك، هناك عقبة في علاجها وهي أنّ هناك نوعاً من “الأبوية” في تقديم العلاج لها، أي أنّ المرأة ليس أمامها الكثير من الخيارات ولا تشارك في خياراتها العلاجية. جرت العادة أن يقال لها: “هذا هو الحل، وإن لم يناسبك اذهبي إلى طبيب آخر”. طبعاً لا أعمّم، لكنّ هذا النمط الغالب. يجب أن تُعرض الخيارات العلاجية على المرأة كي تحدد هي نفسها العلاج الأنسب لها بدلاً من إرغامها أو فرض العلاج عليها.
ربما سبب تفشي هذه الطريقة في العلاج هو ثقة المرأة في الرجل الجراح وفي رؤيته. لا نسمع عن كثير من الجرّاحات النساء في عالمنا العربي. نعم قد تذهب المرأة إلى طبيبة لتوّلدها، لكنّها لا تذهب إلى جرّاحة، إن وجدت.
ـ ما هي النصيحة التي تقدمها للمرأة التي تبحث عن طبيب نسائي؟
للأسف، المرأة العربية فقدت الكثير من الثقة في طبيبها، ولها الحق في كثير من الأحيان في ظلّ عدم تمكينها. يجب تمكين المرأة، وهذا يتم عن طريق فهمها للحالة التي لديها حتى تستطيع أن تحدد خياراتها العلاجية وتكون شريكة فعلية في علاجها. لا يجب أن تسلّم برأي الطبيب من دون أن تفهم علّتها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون على وعي بالأعراض التي قد تسببها الأدوية لأنها قد تظن أنّ الصداع الذي يطرأ عليها مثلاً هو نتيجة حالة جديدة بينما هو مجرد عارض.
ـ ما هي رؤيتك لمستقبل الطب في الشرق الأوسط؟
لدينا فريقان من الدول. الفريق الأول غني ولديه المال لشراء أحدث المعدات وبناء أكبر المستشفيات، لكن قلّما نجد أطباء من نفس البلد بإمكانهم استخدام هذه المعدات وتشغيل هذه المستشفيات. الفريق الثاني من الدول الفقيرة مشغول بقضية البقاء والحفاظ على الأمن والاستقرار والقضاء على الجوع. لذلك لا يحظى الطب بالاهتمام الكافي. نحن كأطباء مسؤولين، علينا أن نستمر في الضغط لجعل الصحة والطب من أهم الأولويات. هناك أيضاً قلة التوعية الصحية وإهمال الصحة الشخصية. لذلك تجد نسبة التدخين عالية جداً أو تجد امرأة تعاني من نزيف مزمن وتظنه أمراً طبيعياً.
ـ هل تتعاون مع منظمات صحية في الشرق الأوسط أو نقابات طبية؟
لديّ تعاون مع أطباء عرب على صعيد شخصي، وليس رسمياً. أتمنى بالفعل أن يكون لي تعاون على شكل رسمي وموسع مع منظمات وهيئات لخدمة مرضانا في العالم العربي.
ـ ما رأيك بالنجاح في الولايات المتحدة وهل يختلف عن النجاح في الوطن العربي؟
العالم العربي يمنحك المقومات النفسية المطلوبة للوصول إلى النجاح مثل العزيمة والطموح والمثابرة، لكن لا يمنحك مقومات الانطلاق. أما الولايات المتحدة فتمنحك منبراً لتنطلق عالمياً بحكم مجهودك، وتمنحك الفرصة لكي تنجح وتنطلق حتى على الصعيد الدولي. لا توجد هنا وساطات، وبإمكان أيّ شخص أن يصل بجدارته إلى أهدافه.
ـ ما هي أحلامك الشخصية وطموحاتك المهنية؟
أحلامي الشخصية بسيطة. أريد أن يكبر أولادي بذات القيم التي تربيت عليها في بلدي الأصلي لبنان. أريدهم أن يبقوا على تواصل مع وطنهم ولا ينسوا من أين أتينا وما هي هويتنا وثقافتنا العربية. أريد أن أترك تركة تلهم الآخرين. نعم، أريد أن أستمر في النجاح والتقدم المهني، لكنّي حقاً أريد أن أمنح الآخرين الأمل وأن ألهمهم لاكتشاف قدراتهم في الوصول إلى أحلامهم. كذلك، أحلم أن أعود إلى لبنان، وأصنع شيئاً لشكره. لن أستطيع أبداً رد الجميل إلى هذا البلد العظيم، فعطاء الأوطان مثل عطاء الأم، ليس بإمكانك أبداً أن تجازيها تماماً، لكن بإمكاننا أن نحاول ولو بشكل رمزي.
السيرة الذاتية
الدكتور غابي معوض، من مواليد زغرتا، شمال لبنان عام 1976. خريج الجامعة اللبنانية ـ كلية الطب عام 2002. بعدها تخصص بالجراحة النسائية والتوليد في جامعة البلمند (لبنان). انتقل عام 2007 إلى الولايات المتحدة حيث تخصص في الجراحة النسائية المتقدمة بالمناظير والروبوت. هو أستاذ مساعد ورئيس لقسم جراحة الروبوت في “جامعة جورج واشنطن”. له العديد من الأبحاث الطبية. وتلقى جوائز عدة منها جائزة جمعية طب التوليد والنساء.