كتبت صحيفة “الأخبار”:
بدم بارد، رحّل النواب سلسلة الرتب والرواتب الى أجل غير مسمى بعد أن انتظروا اقتراب انتهاء مهلة دعوة الهيئات الناخبة ليفرض قانون الانتخابات نفسه أولوية على باقي الملفات. فيما يتحضّر الحزب الشيوعي وغيره من المجموعات المدنية لاستكمال الاحتجاجات في الشارع ومنها تحرك في مدينة صور اليوم، وآخر أمام المصرف المركزي في صيدا غداً
بات جليّاً أنَّ ضرب سلسلة الرتب والرواتب وتطيير نصاب جلسة مجلس النواب الأخيرة لم يكن أمراً عفوياً، بل خطة مدروسة جيّداً، ومنسقة بين القوى الرافضة للضرائب من أجل توقيف البحث بالسلسلة تحت حجة الخلاف على الضرائب.
وما التأكيد لذلك سوى الإخراج السيئ لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، الذي اتهم نواب الكتائب الخمسة بإفشال الجلسة وتطيير النصاب، فيما كان في وسع النواب الباقين إقرار السلسلة في الجلسات السابقة. لذلك، كان التعمّد في تضييع الوقت وإمراره واضحاً، بمشاركة جزء كبير من ممثلي القوى السياسية في المجلس النيابي الذين يصدف أن يكونوا هم أنفسهم حاضرين في اللجان المشتركة ولجنة المال والموازنة واللجان الفرعية والحكومة التي تناقش السلسلة وتفاصيلها وإيراداتها منذ عام 2013! أما المثال الفاقع على التلاعب في الوقت لتطيير السلسلة، فليس إلا رئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة: ارتأى الأخير طلب الكلام بالنظام في الجلسة التي تلت إقرار الضريبة على إنتاج الباطون ليسمع النواب محاضرة حول سيئات رفع سعر طن الباطون، علماً أنَّ الضريبة كانت قد أقرت سابقاً وحصل حولها سجال وجرى التصويت عليها، وبالتالي لا مجال للتراجع عنها! هكذا ثبت بالدلائل والوقائع أنَّ من نسف الجلسة عمداً، كان يدرك جيداً أنَّ تمييع الجلسات وإطالتها ثم تفجير الخلاف في وقت تدهم فيه مهل الهيئات الناخبة القوى السياسية، سيطيّر السلسلة لتحلّ مكانها أولوية قانون الانتخابات.
وهو ما كان سبق لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أن تحدّث عنه، ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأخيراً السيد حسن نصر الله. وقد أتى بيان كتلة التنمية والتحرير أمس في هذا السياق، فرأى أنَّ «ما حصل خطة لإفقاد النصاب لغايتين: أولاهما لتطيير السلسلة خدمة لجشع المصارف والمستفيدين من الاعتداء على الأملاك البحرية، وثانيتهما تصفية حسابات سياسية متعلقة بالبند الأول لهذا البيان، أي قانون الانتخاب». من جهة أخرى، أعلنت الكتلة تأكيدها «التزام المجلس إقرار السلسلة لأنها حق لمستحقيها من كل الفئات منذ أكثر من عشر سنوات. أما تأمين الإيرادات، فهو مسؤولية الحكومة دون أن تحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة أي أعباء كي لا تكون السلسلة استكمالاً لسياسة الإفقار، كذلك إنَّ عدم التوصل إلى قانون انتخاب جديد، هو بكل معنى الكلمة انتحار». وقالت مصادر مقربة من الرئيس نبيه بري لـ«الأخبار» إنَّ البيان الذي صدر «استكمال للموقف الذي أطلقه رئيس المجلس النيابي قبل يومين، ثم السيد نصر الله، والذي يؤكد أنَّ قانون الانتخاب بات يشكل أولوية». وعن موضوع السلسلة، قالت المصادر إنَّ «هناك من يحاول أن يضع مهمة تأمين أموال السلسلة على عاتق مجلس النواب، فيما تقوم مهمة المجلس الفعلية على إقرارها ومهمة الحكومة على تأمين الأموال اللازمة لها». وحذّرت المصادر من «رمي المسؤولية على المجلس النيابي وتنصّل الحكومة من مسؤولياتها، فيما هي المعني الأول بهذا الأمر». بدورها، أكدت مصادر التيار الوطني الحر أنَّ «الأولوية اليوم لقانون الانتخابات الذي من المفترض أن يقرّ قريباً ويسبق السلسلة التي سيتم درسها في جلسة واحدة مع الموازنة». في المقابل، اتهمت كتلة المستقبل في بيانها أمس حزب الكتائب بإثارة النعرات والغرائز الطائفية والمذهبية من دون أن تسميه، مشيرة إلى أنَّ «ما يقوم به البعض لاستدرار الدعم والتأييد الشعبوي لا ينتج لصاحبه أية مكاسب حقيقية، لكنه يدفع بالمقابل البعض الآخر إلى سلوك نفس هذا النهج الشعبوي المدمر والخطير». وتبنت الكتلة موقف السنيورة في المداخلة التي تقدم بها في خلال جلسة مناقشة السلسلة في مجلس النواب التي شدّد فيها «على ضرورة التزام العدالة والإنصاف في ما خصّ إقرار سلسلة منضبطة للرواتب الجديدة تنصف الموظفين والمعلمين والأسلاك العسكرية والأمنية، ولا تحمّل الفئات الاجتماعية المختلفة أعباء ما لا تستطيع ولا يجوز تحميلها إياه. ذلك مع الحرص على تزامن ذلك مع برنامج وطني إصلاحي فعال في السياسات القطاعية وفي الإدارة، والحرص الكامل على التزام قواعد ومقومات الاستقرار المالي والنقدي، بما يحفز على استعادة النمو والتنمية المستدامة». في سياق آخر، علمت «الأخبار» أنَّ أعضاء اللجنة التي تحدث عنها السيد نصر الله في خلال إطلالته الأخيرة والتي ستدرس الضرائب، هم أنفسهم أعضاء اللجنة التي كانت تجتمع برئاسة وزير المال علي حسن خليل وتضم النواب: جمال الجراح وجورج عدوان وإبراهيم كنعان وعلي فياض، لكنها حتى ليل أمس لم تكن قد اجتمعت في هذا الشأن بعد.
على مقلب حراك المجموعات المدنية والحزب الشيوعي، لا تراجع ولا يأس؛ ويؤكد الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب، أن «الحملة مستمرة» مشيراً إلى أن «لا إمكانية لمعالجة أي مطلب اقتصادي من دون تغيير سياسي». وبرأيه التغيير يرتبط «بإقرار قانون للانتخابات يعتمد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي». لذلك «نسعى إلى الضغط من أجل توسيع التحرك ليضم هذه العناوين، علماً أننا لا نريد أن نُحمّل الشباب أكثر مما يمكنهم تحمله. المهم اليوم أن تكون قيادة المجموعات متفقة حول برنامج واحد وقد تعلمت من أخطاء التحرك السابق». وعن التحركات المقبلة، يقول عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني عربي العنداري، إنَّ مدينة صور ستشهد تحركاً اليوم، وصيدا يوم غد أمام المصرف المركزي ويشارك فيها الحزب الشيوعي بالتنسيق مع التنظيم الناصري واتحاد الشباب ومجموعات أخرى. علماً أنَّ اجتماعاً عُقد ليل أمس لبحث الخطوات المقبلة.
بدوره أكد الناشط في مجموعة «بدنا نحاسب» هاني فياض لـ«الأخبار» أنَّ «التظاهرات لم تُعلَّق والكل متفق على أنه لا عودة إلى تجربة حراك 2015 لجهة الخلافات بين المجموعات. التنسيق اليوم يجري على «القطعة» وينتهي بعد انتهاء مفاعيل التظاهرة». ويشير فياض إلى أنَّ اجتماعاً «سيعقد اليوم (ليل أمس) بين المجموعات والأحزاب المعارضة بغية التوصل إلى موقف موحد بالنسبة إلى محاورة رئيس الحكومة سعد الحريري أو عدمها. وإذا لم يتفق الداعون إلى التظاهرة، ستُصدر كلّ مجموعة الموقف الذي تراه مناسباً من دون أن يلغي ذلك شرعية التظاهر سوياً». وفي هذا السياق ستعقد «بدنا نحاسب» مؤتمراً صحافياً تُعلن فيه موقفها وتردّ على كلّ مكونات السلطة.