كتب علي ضاوي في صحيفة “الديار”:
لم يمر مشهد «الاحد الكبير» في المختارة منذ ايام مرور الكرام امام «مشرط» تحالف حزب الله وقوى 8 آذار السياسي، وخضع «للتشريح» المفصل في ابعاده وتداعياته ومستقبل رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط و«تقاعده» السياسي والنيابي المبكر فيما احتفظ لدورة اخيرة برئاسة الحزب التقدمي.
ووفق اوساط بارزة في 8 آذار فإن مشهد الباس جنبلاط «كوفية المختارة» لنجله تيمور فيه الكثير من الدلالات والرمزية، ويعيدنا بالذاكرة الى مرحلة ما في منتصف العام 2011 عندما فتح وليد جنبلاط النار بكثافة تجاه نظام الرئيس بشار الاسد واعلن انه مع اسقاط نظامه ودعم ما سماهم «الثوار». وسعى مع الاميركيين والسعوديين الى اسقاط الاسد ودعم بكل ما اوتي من قوة «المشروع التكفيري»، وغطى سياسياً الكثير من حالات «جبهة النصرة» في سوريا وهادن «النصرة» في جبل الدروز وقرى المقلب الحدودية الدرزية مع لبنان. كما دعم حركة الارهابي احمد الاسير واستقبله في المختارة كما ناصب العداء لكل درزي وقف الى جانب الدولة السورية والجيش السوري. ووفقا لهذه الممارسات التي تعتبرها اوساط 8 آذار «خطايا سياسية كبيرة» لا تغتفر ولا يمكن «بلعها» عند الرئيس السوري وعند حزب الله، حاول جنبلاط «الاستدارة» اكثر من مرة في اتجاه «تصحيح» مساره مرة في آواخر العام 2011 ومرة ثانية في العام 2013 ومرة ثالثة منذ اشهر. وحاول توسيط حزب الله واحد الشخصيات الامنية البارزة والنائب طلال ارسلان لتصحيح العلاقة مع سوريا الاسد، بعدما ايقن ان النظام السوري باق وان الروس والايرانيين وحزب الله لن يتركوا الحرب في سوريا حتى تحقيق النصر الكامل على التكفيريين.
الاجوبة التي تلقاها جنبلاط في المرات العديدة لرغبته اعادة «التموضع» في خط الممانعة والمقاومة اصطدمت برفض حزب الله وسوريا القاطع حيث ابلغ في مرة من المرات ان عليه التقاعد وتسليم الزعامة لنجله قبل البحث باعادة الامور الى نصابها. وبناء على مواقف وتوجهات تيمور جنبلاط الجديدة يمكن الحديث عن مسار جديد في العلاقات الثنائية. وتشير الاوساط الى ان تصريح جنبلاط منذ اشهر لوسيلة اعلام غربية انه يفضل الموت والانتحار السياسي على مصافحة الاسد مرده الى هذه الاجوبة التي تلقاها وخصوصا ان حلف المقاومة والممانعة وحزب الله وسوريا دفعا ثمنا كبيرا من جراء «انخراط» جنبلاط حتى العظم ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 في المخطط المعادي ووضع استقرار لبنان وسوريا تحت مقصلة العقوبات الاميركية والحروب المدمرة للصهاينة وللمد التكفيري والتقسيمي والفتنوي.
وتلفت الاوساط الى ان «صواب» جنبلاط وعقله طارا عندما تبلغ من نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف في زيارة منذ عام او اكثر، ان مصير الاسد ليس خاضعاً لاية مساومة وان الدولة السورية وجيشها هما الشرعيان الوحيدان تحت امرة الاسد لانهاء الحرب في سوريا، وان روسيا لم تعد ترى فيه «الممثل» الوحيد لدروز الشرق الاوسط وانه لم يعد لها «الحليف التاريخي». ولم تعد المختارة «بوابة روسيا» الى قلوب بني معروف كما تشير المصادر الى ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض استقبال جنبلاط اكثر من مرة عند زيارته موسكو. في المقابل ورغم ترحيبها بالنائب طلال ارسلان كممثل لدروز لبنان وسوريا لم تقم الادارة الروسية الحالية بتوسيع الهامش مع ارسلان الى درجة القطيعة الكاملة مع جنبلاط تقول الاوساط البارزة في 8 آذار.
ورغم ان جنبلاط سار بعد حوادث الجبل في ايار من العام 2008 في مسار «تهدوي» مع حزب الله وتفاهم معه على المشاركة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري والتخلي عن تفاهم الدوحة، الا ان المصادر تقول بصراحة ان العلاقة بين حزب الله وجنبلاط ليست ممتازة بل هي عادية جدا ومستمرة بالتنسيق الميداني والسياسي عبر لجنة من الطرفين وفي بعدها الاكبر امني لمنع الاحتكاك بين مناصري الطرفين ولتبديد ذيول احداث حرب الجبل بين المقاومة والاشتراكي.
وتؤكد اوساط 8 آذار ان تولي تيمور سدة القيادة الجنبلاطية السياسية بعد الانتخابات النيابية المقبلة والشعارات التي سيرفعها والخط السياسي الذي سيسلكه سيحدد طبيعة العلاقات مع حزب الله وسوريا. وهنا تذكر الاوساط بالكلام «العميق» الذي قاله جنبلاط الاحد الماضي لنجله تيمور وملخصه ان مصلحة الدروز وبقاءهم في المنطقة هو في تجنبهم ان يكونوا طرفا في الحروب الدائرة وان يكونوا بمنأى عن الصراع المذهبي الشيعي والسني في المنطقة وان يكونوا بعيدين كل البعد عن الصراعات اللبنانية والحروب الاهلية ولو كلفهم ذلك بعض التنازلات.