Site icon IMLebanon

عون مصر على صدور قانون الانتخاب قبل الذهاب الى عمان

 

 

كتب جورج عبيد في صحيفة “الديار”:

وأخيرًا وبعد جهد جهيد، ونقاش مستفيض، بلغ مبلغاً كبيراً من الحماوة المضادة والمتراكمة كادت أن تفجّر الأرض وتحرقها بفتن عبثيّة قاتلة، بأخذ لبنان إلى أتّون مشتعل ومستعر، تمّ الوصول إلى اتفاق جديّ على قانون الانتخابات. وفي المعطيات الواردة من مصادر عالية المستوى، لقد بات الحديث متاحاً ومباحاً حول القانون بمحتواه الجديد، على الرغم من تجاوز لبنان المهلة القانونيّة منذ يومين.

في الآليّة القانونيّة وعلى ذمّة تلك المصادر، فإنّ البحث بات منتهياً على دعوة الهيئات الناخبة للذهاب نحو الانتخابات النيابيّة، وتشي تلك المصادر بأن وزير الداخليّة نهاد المشنوق الذي زار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي، خرج مرتاحاً ومتبنيّاً للتمديد التقنيّ حتّى يصار إلى مناقشة المشروع في مجلس الوزراء وإقراره وإرساله إلى المجلس النيابيّ لمناقشته، تالياً، ضمن الهيئة العامّة وإقراره حتى يتمّ صدوره بمرسوم موقّع من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ووزير الداخليّة. وتعتبر تلك المصادر بأنّ المرسوم وبحسب معلومات واضحة سيتضمّن التاريخ والذي غالباً ما تمّ الاتفاق عليه أن يكون في آخر أسبوع من شهر آب وأول أسبوعين من شهر أيلول وسوف تتمّ الانتخابات على دفعات، أو ستتمّ على دفعة واحدة في آخر أحد من شهر آب، لكون شهر تشرين الأوّل هو شهر الدخول إلى المدارس، ومعظم الناس تكون منشغلة بأقساط أولادها وشراء القرطاسيات وما إلى ذلك.

كيف تمّ الوصول إلى هذا الاتفاق؟ على هذا السؤال أجابت المصادر الرفيعة المستوى قائلة، ثمّة مخاوف راودت الجميع من إعادة لبنان إلى حالة اللاإستقرار المفتوحة والمنكشفة على عناصر تداخلت في العناوين الخلافيّة الداخليّة، وقد حاولت استهلاكها وجذبها إلى التفاعل الفوضويّ، وتحويلها إلى قنابل وعبوات موقوتة وناسفة تستهدف الجوهر اللبنانيّ بعمقه الوجوديّ. والمخاوف نتجت من وقائع تماهت بالوضع الاجتماعيّ، ووضع اللاجئين السوريين، ووضع المخيمات الفلسطينيّة، وتلك الوقائع شديدة الانفجار في حراكها الصاخب وانتقالها المدوّي من مكان لمكان، وتتضمّن أخذ لبنان إلى المحطّات السابقة لحكومة الرئيس تمام سلام، وإلى المحطات السوداء التي كانت فيها طرابلس وعكار وعرسال ومخيم عين الحلوة عناوين دامية لهذا الصراع بأياد تكفيريّة اعتدت بشراسة وضراوة على الجيش اللبنانيّ وعلى اللبنانيين كافّة.

لقد قالت المصادر الرفيعة المستوى، بأنّه إنطلاقًا من ذلك، كان لا بدّ من استكمال عناصر التسوية الشاملة التي أوصلت العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، والرئيس سعد الحريري إلى مقام رئاسة الحكومة بتأليفه الحكومة الأولى في هذا العهد. ومن المعروف بأنّ التسوية الانتخايبّة لم تتمّ بين الأطراف الداخليين فقط، بل بين الرعاة الدوليين والإقليميين المؤلّفين والحاضنين للاستقرار اللبنانيّ وتقضي بضرورة الوصول لقانون انتخابات يحمي لبنان والعهد ويؤمّن فيه الاستقرار على المستويات كافّة. وبرأي تلك المصادر فإنّ التسوية اللبنانيّة الشاملة لا تبلغ كمالها إلاّ باكتمال بقيّة عناصرها الأساسيّة أي تأمين الانتخابات النيابيّة وفقًا لقانون عصريّ وحديث وانتخاب رئيس جديد للمجلس النيابيّ ومكتب له، ومن ثمّ تأليف حكومة جديدة تكون بحقّ حكومة العهد. وهذا مطلب داخليّ وخارجيّ، لكون هذه التسوية الجديدة للبنان قد تعتمد كمقدّمة للتسوية السياسيّة في سوريا بعد جلاء غبار المعارك وتنظيف الأرض من القوى التكفيريّة. فالاستقرار الداخليّ اللبنانيّ هامّ وضروريّ، والبحث فيه بتكريسه منطلق استراتيجيّ وعموديّ لرسم الاستقرار في سوريا، إذ لم يعد مسموحاً وجائزاً استعمال لبنان كمنصة أو علبة بريد للتأثير على مجرى الحرب ومسراها في سوريا وللضغط على معاني التسوية السياسيّة وأسسها فيها. الاستقرار اللبنانيّ هامّ وضروريّ واستراتيجيّ وقد تمّ إبلاغ الأطراف بضرورة تأمينه بإقرار القانون والدعوة القريبة إلى الانتخابات والتي تمّ اعتماد آخر شهر آب توقيتًا لها.

ماذا تضمن الاتفاق؟

بحسب معلومات تلك المصادر، فقد تمّ الاتفاق بين القوى الأساسيّة وهي حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ وتيار المستقبل وحركة أمل، وذلك قبل سفر الوزير جبران باسيل إلى نيويورك على الصيغة التالية:

1ـ دفن قانون 1960 الذي رفضه وتبرّأ منه واضعه الرئيس فؤاد شهاب إلى غير رجعة، وعدم إحيائه أو الكلام فيه لا كما هو بصيغته القديمة أو بصيغة معدّلة، وقد تمّ اعتماده خلال الوجود السوريّ وأدى إلى هذا الشغب والصخب في العلاقة بين الطوائف.

2ـ إبطال الكلام في القانون المختلط وفقًا للصيغة التي اعتمدها الوزير باسيل، وقد رفضته معظم القوى وبخاصّة حزب الله الذي وضع فيتو عليه، بسبب دمج الدوائر بين الكورة وزغرتا وبشري والضنيّة، حفاظاً على موقع الوزير سليمان فرنجيّة حليف حزب الله واستعادته لحيويته السياسيّة في المراحل المقبلة، والملاحظة الجوهريّة بأنّ الحزب الوحيد الذي دعمه ودافع عنه في أدبياته هو القوات اللبنانيّة.

3ـ إعادة الاعتبار إلى النسبيّة المطلقة، وقد تمّ اعتمادها قلباً وقالباً لهذا القانون وجوهراً لانبثاثه وترسيخه. وقد أبلغ تيار المستقبل بواسطة نادر الحريري، والحزب التقدميّ الاشتراكيّ بواسطة الوزير السابق وائل بو فاعور قبوله بها. وأشارت تلك المصادر إلى أنّ خطاب النائب وليد جنبلاط التهدويّ خلال مهرجان المختارة كان المقدّمة الفعليّة والموضوعيّة لتأكيد قبوله بالنسبيّة بعد رفضه الصارخ لها.

4ـ يتمّ النقاش الحاليّ حول عدد الدوائر التي ينبغي اعتمادها فضلاً عن حجمها. وتقول المصادر عينها بانّ النقاش يتجه إلى الدوائر الصغرى أو الوسطى وليس الموسّعة بحيث يكون الشوف وعاليه دائرة واحدة، والمتنين دائرة واحدة وزغرتا والضنيّة دائرة واحدة، والكورة والبترون ربما أيضاً دائرة واحدة وذلك مراعاة للنائب وليد جنبلاط في الجبل وسليمان فرنجيّة في الشمال. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ رئيس التيار الوطنيّ الحرّ ووزير الخارجيّة جبران باسيل، وخلال خطابه في العشاء السنويّ للتيار الوطنيّ الحر في 14 آذار الفائت ذكّر بأنّ القانون الجديد سيحفظ حقوق الجميع بعدل وتوازن بمن فيهم تيار المردة، وقد اعتبر هذا الكلام إيذانًا بالوصول نحو التسوية بجديتها.

5ـ لقد تمّ الاتفاق وهذا أمر هامّ للغاية على وحدة المعيار في القانون الجديد المنتظر، مع رفض إزدواجيّة المعايير وتعدديتها. بمعنى أن قانون الانتخابات وتجسيده سيتم وفقاً لمعيار واحد.

ماذا عن موقف رئيس الجمهوريّة؟ بحسب مصادر قريبة من رئيس الجمهوريّة، فقد إطّلع على الصيغة المعتمدة بمضمونها كمسودة معدّة للبلورة النهائيّة. والرئيس عون عنده الإصرار على صدور القانون بالضرورة قبل ذهابه برفقة رئيس الحكومة سعد الحريري ووفد وزاريّ رفيع المستوى للمشاركة في القمّة العربيّة في عمّان. فيذهب الوفد ويكون كلّ شيء قد تمّ. وتشي تلك المصادر قائلة بأنّ الرئيس كان أوّل من تكلّم أمام زواره والوفود التي زارته في قصر بعبدا عن صيغة قريبة من هذه الصيغة هي صيغة التي اعتمدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهي الصيغة التي نالت تأييدًا من معظم القوى وبخاصّة من قبل حزب الله، وهو تاليًا موافق عليها.

ماذا عن موقف القوات اللبنانيّة؟ أشارت المصادر الرفيعة المستوى إلى أنّ القوات اللبنانيّة ليست بعيدة عن تلك الأجواء، وقد أدركت ومن دون التباس بأن الوزير جبران باسيل خلال النقاش والبحث حاول غير مرّة أن يكون صوتها كما صوت التيار الوطنيّ الحرّ في مشروعه في اجتماع اللجنة الرباعيّة. ومع الخلوص إلى تلك النتيجة فإنّها أبلغت موافقتها الضمنيّة على تلك التسوية المتبعة بصيغتها الجديدة المتبّعة. وسيقوم رئيسها الدكتور سمير جعجع وخلال أيام قليلة مقبلة بإعلان موافقته النهائيّة ليصار فيما بعد إلى الإقرار العام وفقاً للآليّة القانونيّة والدستوريّة المتبعة.

وتختم المصادر الرفيعة المستوى قائلة، بأنّ هذا القانون عيناً هو عنوان تكوين لبنان جديد. ومن المعروف بأنّ النظام السياسيّ اللبنانيّ لا يبنى إلاّ على قانون انتخاب، وسيّد العهد يملك الإصرار والتصميم، بأن لا يكون هذا العهد عينًا صورة عن بقيّة العهود المتلاشية بقانون لم يصنع في لبنان بالمطلق، وبفساد نخر هيكل النظام السياسيّ والدولة حتى الاهتراء الكامل والوصول إلى دولة اللادولة. الرئيس ميشال عون يملك القدرة على بناء الدولة القادرة والعادلة بدءاً من هذا القانون عيناً وصولاً إلى الإصلاح الماليّ والاقتصاديّ والإداريّ والسياسيّ. لقد بتنا أمام مرحلة تكوينيّة جديدة تدفع نحو اكتمال العناصر المؤلّفة لهذا العهد، وفتح الطريق نحو انطلاقة جديدة وجديّة له تقوده نحو الديمومة والاستمرار والبلد نحو معارج النور والبهاء.