تقرير لأنطوان الشرتوني في “الجمهورية”: الموسيقى، نوع من أنواع الفنون التي عرفَتها البشرية منذ قدم الأزمنة، فعبر التاريخ، اكتشَف الإنسان كيفية صنعِ الآلات الموسيقية وتأليف الموسيقى وإتقانها. والموسيقى هي صوت يتمّ ترتيبه من خلال آلة أو آلات معيّنة، وتبعث في روح الإنسان العديد من المشاعر المختلفة، منها الفرحة والسرور أو الحزن… حسب النغمة المسموعة.
تطوّرت الموسيقى عبر التاريخ، حتى أصبحت في أيّامنا الحاضرة، أداةً تُستعمل في العلاج النفسي للكثير من الاضطرابات النفسية والمشكلات المعرفية، منها التركيز وزيادة الحركة… ولكن ما أهمية الموسيقى في عالم الشخص الراشد؟ وما هو دورها في مساعدة الإنسان على تخطّي مشكلاته واضطراباته النفسية؟ وكيف يساعد العلاج بالموسيقى الراشدين؟
الموسيقى عبارة عن مجموعة من الأصوات المتتالية والتي تسمعها الأذن وتؤدّي إلى مشاعر إيجابية أو سلبية في النفس. عرَف الإنسان الأول الموسيقى، فكان يطرق بأدوات الصيد لإصدار أصوات مختلفة بهدف المرح والتسلية.
ومن المعروف أنّ الناي كان أوّل الأدوات الموسيقية التي اكتشفها الإنسان والتي تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد. وتحدّثَ جميع العلماء والفلاسفة والمفكّرين عن أهمية الموسيقى وما تتركه من آثار إيجابية في نفس الإنسان. فقال شوبنهور: الكلام هو لغة العقل والموسيقى هي لغة الشعور.
أنواع الموسيقى
تُفسّر الدكتورة حمده فرحات، الأستاذة المحاضرة في الجامعة اللبنانية، قِسم علم النفس، والمعالِجة بالموسيقى، أنّ الموسيقى «مادة هيولية صوتية تدخل إلى الدماغ عن طريق الأذن وتبعث على الاسترخاء أو التحفيز أو الحزن وجميع أنواع الانفعالات بحسب تركيبتها على مستوى اللحن والإيقاع والهارموني والبوليفوني أي تعدّد الأصوات والأوركسترا».
وهناك أنواع كثيرة من الموسيقى: الموسيقى الغربية والشرقية… تنقسم الموسيقى الغربية بدورها إلى الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الأوبرا وموسيقى الباليه. كما تنقسم الموسيقى الشعبية الغربية، إلى عدّة أنواع منها: الجاز وموسيقى الروك وموسيقى هيب هوب وأنواع أخرى.
أمّا الموسيقى الشرقية، فتنقسم بدورها إلى عدّة أقسام منها الموسيقى الشعبية وموسيقى الأفلام،… وتضيف الدكتورة حمده بأنّ «جميع عناصر الموسيقى تؤثّر في التركيبة التي تؤدي إلى تحديد نوع الموسيقى مِثل الكلاسيك والجاز والروك والهيب هوب والراب والتانغو والموسيقى التجريبية المعاصرة.
وطبعاً تختلف القوالب الموسيقية باختلاف الحضارات على مرّ التاريخ ولكلّ حضارة طريقتُها في التعبير الموسيقي، لكنّها لغة عالمية تستطيع إيصالَ المشاعر عبر الحدود فهي لغة عابرة للثقافات».
الموسيقى والهورمونات الجسدية
تؤدي الموسيقى دوراً بارزاً في حياة الإنسان. وتكمن أهميتها بتأثيرها على الدماغ بشكل خاص وعلى الحالة النفسية للشخص بشكل عام. ولكن كيف تؤثّر على الخلايا الدماغية ووظيفة العقل؟
أكّدت الدراسات العلمية أنّ دور الموسيقى لا ينحصر فقط باسترخاء الشخص بل تعدّت الدور الفيزيولوجي، وأصبحت أساسية في فرزِ بعض الهورمونات الجسدية. وتفسّر د. فرحات بأنّ «للموسيقى خاصّية هي قدرتُها السريعة العجيبة على اختراق الدماغ والدخول إلى الجهاز العصبي المركزي والتأثير على الهرمونات ونقلها من خلال النواقل العصبية وبثّها في الجسد، ممّا يؤثّر بشكل كبير على الجانب الفيزيولوجي والجانب النفسي.
فإذا كانت الموسيقى فرحة تؤثّر على إفراز السيروتونين، ممّا يبعث انفعال الفرح عند الإنسان، أمّا إذا كانت الموسيقى حزينة فتؤثّر على إفراز الكورتيزون، وإذا كانت صاخبة فتؤدّي إلى إفراز الأدرينالين، وإذا كانت محفِّزة فنحصل على الدوبامين، وإلى ما هنالك من إفرازات».
الموسيقى في عالم الراشدين
الموسيقى بالدرجة الأولى لغة تعبيرية، تساعد الإنسان على التكيّف مع واقعه، فإذا أراد التعبير عن فرحه في الأعراس مثلاً يعتمد الموسيقى الفرِحة والإيقاعية كي يستتبع ذلك بالتعبير الجسدي من خلال الرقص، أمّا في الأحزان كمناسبات الموت فإنّه يعتمد الموسيقى الحزينة والجنائزية كي يتكيّف مع أجواء الحزن، خصوصاً مع الجماعة. إذاً هي ضرورية للتكيّف والتعبير.
وتُرافق الموسيقى الإنسان بحسب مراحل عمرِه ووظائفه الاجتماعية، كحفلات المدارس، حيث تُستعمل الموسيقى الخاصة بالأطفال والأغاني البسيطة والفرحة، إلى حفلات المراهقين التي تتميّز بالموسيقى القوية والصاخبة، وصولاً إلى جميع المناسبات عند الراشدين، حيث تتنوّع الموسيقى ما بين الصاخبة والهادئة.
بشكل بسيط، تساعد الموسيقى على التكيّف وتنقل الرسائل من دون كلمات. كما تساعد على التفريغ البنّاء أي تخليص الجسد والنفس من الضغوطات. وتعمل الموسيقى على الاسترخاء والتخلّص من الضغط النفسي الذي يعاني منه الكثير من الراشدين كونهم يتحمّلون مسؤوليات جمّة.
ما هي الموسيقى العلاجية؟ وما أهميتها؟
بسبب صعوبة الواقع وتراكُم المشكلات اليومية، ظهرَت العلاجات النفسية المتعدِّدة والتي تساعد الإنسان على تخطّي مشكلاته وضغوطاته النفسية. الموسيقى العلاجية أو العلاج بالموسيقى تقنية يستعملها المعالج النفسي الذي تخصّصَ بالعلاج بالموسيقى.
وتؤكّد الدكتورة حمده فرحات، المعالِجة بالموسيقى، أنّ «هذا العلاج يطال الجسد والنفس على جميع المستويات، ويعتمد على الموسيقى بتراكيبها المتعدّدة كأداة علاجية هامة وسريعة كونها لا تقاوم، ممّا يساعد ويُسرِّع في العلاج» .
وتلفت الدكتورة حمده إلى أنّ «للعلاج بالموسيقى مكانة مميّزة ومحترمة منذ زمن، وهو معروف تاريخياً وحضارياً وله مراكز ودخلَ دورَ الاستشفاء والتأهيل وغيرها وحتّى المصانع والإدارات».
وتضيف: «أمّا في لبنان فقد بدأ استخدام العلاج بالموسيقى منذ العام 2006، بعد أن تخصّصت بهذا المجال في فرنسا مع مرض الاكتئاب، وبعدها تطوّرنا كثيراً مع أمراض متعدّدة مِثل القلق والإفراط الحركي والألزهايمر والصدمات وصعوبات التعلّم والإدمان وغيرها من الأمراض النفس-جسدية كالسرطان والكِلى والضغط… ولازلنا نحصد نتائج مذهلة ونقوم الآن بإعداد المعالجين بالموسيقى في مركز الطيّونة الطبّي تحت إشراف الاتحاد العالمي للعلاج بالموسيقى».
وتُعدّد الشروط المطلوبة من المُعالج بالموسيقى، وهي «حصوله على شهادة جامعية في عِلم النفس أو الطب أو الصحة من كلّية التربية، إلى جانب إتقانه للموسيقى عزفاً وغناءً ونظريات، أي دراسة الموسيقى في معهد موسيقي لأنّ عليه إتقان أداته العلاجية».