كتب شادي علاء الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:
تزامنت دعوات أطراف لبنانية محسوبة على فريق الثامن من آذار إلى عقد مؤتمر تأسيسي مع نضوج جو أميركي عام يميل إلى ضرب النفوذ الإيراني في المنطقة بكل امتداداته حيث تنتشر معلومات تفيد بتجديد العمل بنظام مكافحة تمويل حزب الله في لبنان والعالم.
برزت جدية التوجه الأميركي في هذا الصدد في القبض على رجل الأعمال قاسم تاج الدين في المغرب والذي يعد واحدا من أكبر ممولي حزب الله في المغرب ومطالبة أميركا بتسليمه إليها للتحقيق معه بغية الكشف عن الشبكات المرتبطة بحزب الله المنتشرة في كل العالم.
يبرز كذلك تطور ميداني مفاجئ في سوريا يتجلى في استعادة فصائل المعارضة زمام المبادرة في أكثر من منطقة، وخصوصا في بعض أحياء العاصمة دمشق بالتوازي مع خروج المعادلة الميدانية السورية من قبضة روسيا بعد التدخل الأميركي المباشر.
لا يخفى ارتباط هذا المناخ بالدعوات البارزة والمباشرة التي أطلقها النائب طلال أرسلان، المقرب من حزب الله حول المؤتمر التأسيسي، بما تعكسه من نية انقلابية على النظام اللبناني وباحتمال سقوط كل الخطوط الحمر التي لا زالت تحكم المعادلة اللبنانية حتى الآن، وخصوصا في ما يتعلق بكيفية تعامل الحزب مع موجة العقوبات القادمة والتي ستطال المصارف اللبنانية.
وكان النقاش حول الضرائب المقترحة من الحكومة اللبنانية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب قد كشف عن ميل عند الثنائية الشيعية لشيطنة المصارف، وصل إلى حدود اتهامها بعرض رشوة على وزارة المال تصل إلى مليار دولار لمنع زيادة نسبة الضرائب على أرباحها.
وعمدت المصارف إلى نفي هذه الاتهامات، ولكن هذا الاشتباك يؤشّر لنية ضرب الانتظام المالي اللبناني لتأمين جو ينسجم مع مناخ العقوبات القادم على لبنان، والذي سيفرض حصارا شديدا على جمهور حزب الله، وعلى أيّ شخص أو مؤسسة تتبع له.
يحاول حزب الله مواجهة المناخ التصعيدي ضده بتفعيل الدعوات إلى عقد مؤتمر تأسيسي يتضمن إعادة هيكلة كل النظام اللبناني بما فيه إعادة هيكلة السياسة المالية، وقد برز هذا الاتجاه واضحا في مواقفه التي تكشف عن رغبة في تغيير حاكم مصرف لبنان رياضة سلامة.
أولوية مصالح حزب الله
يؤكد النائب عن حزب الكتائب فادي الهبر أن “الدعوات إلى عقد مؤتمر تأسيسي ليست واردة عند معظم الكتل النيابية ومن يطرحها هو محور المقاومة الذي يتزعمه حزب الله، والرد على هذا المشروع يمكن أن يأتي عبر عقد طاولة حوار تتألف من رؤساء الكتل النيابية الذين يزيد عدد النواب في كتلتهم عن أربعة نواب ومن رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين”.
ويلفت الهبر إلى أن تأثير وجود حزب الله في سوريا “يطال كل الوضع الاقتصادي والاجتماعي ووضع سلسلة الرتب والرواتب وموازنة الدولة والاقتصاد بشكل عام”، مشيرا إلى أن “القوى السياسية اللبنانية تعيش حاليا حالة من الحرب الباردة تحت عنوان قانون الانتخاب لأنّ من يفرض قانون انتخاب يناسبه سيحكم البلد خلال الفترة القادمة، لذا فإن الانتظار هو سيد المرحلة”.
ومن الممكن أن يفرز هذا الانتظار وفق الهبر “مجموعة من التسويات كما جرى مع انتهاء الشغور الرئاسي، ولكن من المؤكد أن هناك سلسلة من الاتفاقات والصفقات تجريها مختلف القوى السياسية تحت سقف أولوية مصالح حزب الله”.
ويعرض الهبر لمسألة الخطر المتوقع على الاقتصاد اللبناني عموما والقطاع المصرفي خصوصا جراء العقوبات الأميركية.
ويقول “وضع مصرف لبنان هو وضع عالمي، والاستقرار المالي لا يزال قائما حتى هذه اللحظة بفضل الإجراءات التي يقوم بها رياض سلامة في انتظار نضوج ظروف استخراج النفط وانتعاش الدورة الاقتصادية، من هنا فإن الخطر الذي تمثله العقوبات الدولية من شأنه التأثير سلبا على كل اللبنانيين وتخريب بنية الاقتصاد وخلق حالة تخبط داخلي”.
ويضيف “لقد تحول الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد مصرفي يقوم على المصارف التي يقارب حجم إيداعاتها الـ180 مليار دولار، والمصرف المركزي يشكل بالتعاون مع المصارف شبكة أمان لتخفيف أثر العجز الناتج عن خدمة الدين العام”.
ويشدد الهبر على أن حزب الله “قلق من التطورات الجديدة في سوريا لذلك يسعى إلى خلق شبكة أمان داخلية تتشكل من تيار المستقبل بشخص سعد الحريري، ومن التفاهمات التي أرساها العهد الرئاسي الجديد، ولكن لا أحد يستطيع أن يحمي الأفراد والمؤسسات التابعة للحزب من العقوبات الدولية، لأن هذا الموضوع معولم ولا قدرة للحزب على مواجهته”.
يشير مستشار رئيس الحكومة داوود الصايغ إلى أن “الحديث عن المؤتمر التأسيسي كان هامشيا في السنوات الأخيرة، ولكن التصريح الأخير لطلال أرسلان قدمه للمرة الأولى بشكل شديد الوضوح”.
ويلفت إلى أن أيّ طرح لمؤتمر تأسيسي هو “طرح وهمي، لأن النظام اللبناني سبق له أن تأسس ولا يمكن أن يكون هناك نظام غيره، فهل المقصود هو إعادة كتابة دستور جديد وإعادة النظر بصيغة الوفاق الوطني وميثاق العيش المشترك”.
ويشدد على أن ما يتم الحديث عنه الآن هو “زوبعة سياسية لا يمكن لها أن تنجح في لبنان، وما يطرحه البعض عن إمكانية تأسيس نظام سياسي جديد في لبنان هو بعيد عن الواقع. هذه المكونات تشكلت منذ قبل القرن التاسع عشر وفي أيام المتصرّفية، ثم عبر المناصفة ودستور الطائف، ولذا أنا أعتقد أنه مهما تكن الدوافع الحالية لطرح هذا المشروع حاليا ذات بعد سياسي أو إقليمي فإنها تبقى بعيدة عن الواقع اللبناني ولن يكتب لها النجاح”.
يلفت الصايغ إلى أن لبنان بلد يحيا على التوازنات وأنه في حال قرر أيّ طرف الاستقواء بالسلاح أو بالعدد أو بالخارج لإسقاط التوازنات فإن هذا يعني “سقوط صيغة لبنان ككل وليس فقط كنظام سياسي، ففي سنة 1920 تجسد الوفاق اللبناني في صيغة اختصرت التوافق بين المكونات المسلمة والمسيحية. وليس بإمكان أيّ طائفة أن تدّعي في الداخل اللبناني أنها الأكثرية بالنسبة إلى المجموعة، ولذلك فإن الحكمة تقضي بالحفاظ على التوازنات”.
ويرفض الصايغ المنطق الذي يقول إن العقوبات المتوقع أن تفرض على المصارف يمكن أن تبرر “المس بالنظام اللبناني الذي يتشكل من المزج ما بين الدستور والوفاق الوطني”.
يلفت الخبير الاقتصادي غازي وزني إلى أن العقوبات المتوقع إقرارها قريبا هي “تفعيل للعقوبات الموجودة، وكانت المصارف اللبنانية قد عمدت إلى إقفال حسابات كل من تم إدراجه على هذه اللائحة. وكانت المشكلة التي وقعت بين حزب الله والمصارف في العام الماضي تعود إلى أن المصارف عمدت بسبب الخوف من العقوبات إلى إغلاق عدد من الحسابات بشكل استنسابي، فتدخل حاكم مصرف لبنان وتم التوصل إلى تسوية تقضي بحصر إغلاق الحسابات بالأشخاص والمؤسسات التي يرد ذكرها مباشرة ضمن لوائح العقوبات”. ومن المرجح أن “تتوسع لائحة العقوبات وأن يضاف إليها العديد من الأشخاص والمؤسسات ولكن الضرر ربما لا يطال حزب الله مباشرة ولكنه سيطال حتما شبكة واسعة من المؤيدين له”.
ويضيف أن “حزب الله أعلن مرارا وتكرارا أنّ لا علاقة له بالقطاع المصرفي، يوجد عدد من المؤسسات التي لها علاقة بحزب الله، وكان هناك تواصل بين حاكم مصرف لبنان والإدارة الأميركية يهدف إلى توضيح مسألة كون هذه المؤسسات هي ذات إدارة لبنانية وتعمل لأهداف اقتصادية وخيرية وإنسانية وطلب عدم إدراجها على اللائحة، ولكن في حال تم إدراج أشخاص ومؤسسات وجمعيات في أيّ لائحة عقوبات جديدة فإن مصرف لبنان ملزم بتطبيقها بالكامل”.
ويحذر من أن يتسبب ارتفاع وتيرة الاشتباك الأميركي الإيراني في المنطقة إلى “زيادة توظيف العقوبات كوسيلة ضغط في هذا الصراع، لأن ذلك سيتسبب في إرباك كبير في القطاع المصرفي الذي لا يستطيع إلا أن ينفّذ ما تفرضه العقوبات الأميركية، والقوى السياسية اللبنانية تتفهم هذا الواقع”. ويشدد وزني على أن للمؤتمر التأسيسي “بعد سياسي ولا علاقة له بالاقتصاد”.
تهمل القراءات السياسية والاقتصادية التي تتناول موضوع المؤتمر التأسيسي مسألة مهمّة وهي أنه يمكن إنتاج صيغة مؤتمر تأسيسي انطلاقا من النظام القائم، بمعنى أن فرض هذه الصيغة لا يتطلب تدميرا للبنى القائمة، بل يمكن تغيير السياقات التي تعمل فيها وتوجيهها في اتجاه آخر.
وقد تفترض منهجية التدمير الممنهج للبنى القائمة الحفاظ على انتظامها مع تغيير تام في أهدافها. ولعل هذا البعد يفسّر سلوك حزب الله في هذه المرحلة، حيث يلاحظ أن القوى السياسية اللبنانية في مجملها باتت تحاول الحفاظ على حضورها داخل الحدود التي يحدّدها، سواء في المواقف من قانون الانتخاب أو غيرها من المواضيع الشائكة.
من هنا قد يكون لبنان قد دخل عمليا في مرحلة ما بعد المؤتمر التأسيسي في الوقت الذي لا يزال فيه السياسيون يتحدثون عن مناعة النظام اللبناني وفرادته وخصوصيته واستحالة تدميره.