كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
يواظب رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل على تقديم الصيغ الانتخابية الواحدة تلوَ الأخرى، في وقتٍ يُسقط كلُّ فريق الاقتراح الذي لا يناسبه أو يَحفظ له منطقة نفوذه.لعلّ الدليل الأكبر على هذا الكلام هو صراحة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي يرفض أوّلاً النسبية الكاملة التي تُنهي نفوذه، ويُصِرّ ثانياً على ضمِّ الشوف وعاليه في أيّ قانون مختلط، وفصلِهما عن بقية أقضية جبل لبنان لكي لا يذوب الدروز في البحر المسيحي المستيقظ حديثاً.
من جهته، يسعى تيار «المستقبل» لإنتاج قانون يؤمّن له الأكثرية على الساحة السنّية بعد التغيّرات الأخيرة التي شهدتها ورسائل انتخابات طرابلس البلدية، في وقتٍ لا يواجه الثنائي الشيعي أيّ مشكلة تُذكر في أقضيته، بل يسعى إلى تمثيل حلفائه من بقية الطوائف، ويصرّ على اعتماد النسبية الكاملة.
ويخرج البعض بتحليلات مفادُها أنّ «حزب الله» لن يَسمح لـ»القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» بامتلاك كتلة نيابية وازنة تتخطّى 43 نائباً لكي لا يَحظيا بـ»الثلث المعطل» في المجلس النيابي المقبل.
في الحسابات الانتخابية والطائفية، فإنّ مجلس النواب مؤلّف من 128 نائباً يتوزّعون مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، لكن المفارقة أنّ زعماء المسلمين منقسمون مذهبياً، فهناك 27 نائباً سنّياً، 27 شيعياً، 8 دروز وعلويَّان.
بينما لا يشمل التقسيم المذهبي عند المسيحيين التوزيعَ السياسي، ويشكّل الموارنة الكتلة الانتخابية الأكبر حيث هناك 34 نائباً مارونياً، 14 روم أرثوذكس، 8 روم كاثوليك، 6 أرمن، مقعد للإنجيلين وآخر للأقلّيات.
وبالتالي، وسط الانقسام السنّي – الشيعي، فإنّ الكتلة المسيحية، في حال استمرّ تفاهم «القوّات» و«التيّار»، ستكون حكماً أكبر من الكتل الأخرى، وهذا ما يفسّر رفضَ بعض الزعامات الإسلامية الصيَغ المطروحة.
وضَع التقسيم الأخير لقانون باسيل أقضية البترون، الكورة، بشري، زغرتا، والمنية في دائرة واحدة، حيث يعتمد التصويت أكثرياً على أساس «القانون الأرثوذكسي» في هذه الأقضية مجتمعةً، فيما يصوّت نسبياً على بعض المقاعد على أساس الشمال دائرة واحدة. وسجّل البعض اعتراضَهم على هذه التقسيمات، لأنّها تعطي دائرة تتحكّم فيها أصوات «القوات»، وقد تؤدّي إلى خسارة تيار «المردة».
من المعروف أنّ حزب «القوات» منتشر في كلّ المناطق المسيحية، وليس محصوراً بدائرة واحدة، وقد انتفضَ «القواتيون» في الانتخابات الماضية، وخصوصاً في جبل لبنان، على مبدأ أنّ الجميع يريدون أصواتهم لكن لا يحبّذ أحد أن تضمّ لائحته مرشّحاً «قواتياً». وبالتالي فإنّ أقضية الشمال المسيحي تشكّل نقطة ارتكاز لـ«القوات» في حال أبصَر مشروع باسيل النور.
ويرى البعض أنّ «القوّات» مقصّرة في المطالبة بمِثل دائرة كهذه، إذ إنّها تطالب بقانون يعتمد المعايير ذاتها في كلّ لبنان، ولا تسعى لأن تكون أقضية الشمال المسيحية ساحة نفوذ وحيدة لها مثلما يفعل جنبلاط مثلاً في الشوف وعاليه. فيما تَعتبر «القوات» أنّها لا تحتاج إلى مِثل هذا الأمر، فهي ليست حزب منطقة، بل إنّ امتدادها الواسع يَسمح لها بالتحرّك أينما كان.
وبالعودة إلى التقسيمات، وفي حال وُضعت أقضية الشمال المسيحي بعضُها مع بعض، فإنّ التحالفات قد تُغيّر قواعد اللعبة، خصوصاً مع التحالف الجديد الناشئ بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، في حين انفرَط التحالف بين «الوطني الحرّ» و«المردة».
وإذا سرى قانون باسيل الأخير، فتشير الترجيحات إلى تقدّم «القوات» و»التيار» في الكورة والبترون، فيما يتفوّق النائب سليمان فرنجية في زغرتا، علماً أنّ فرنجية تفوّقَ في انتخابات 2005 في أقضية زغرتا والكورة والبترون.
وتبقى المشكلة الأكبر لفرنجية وأيّ قوّة منافسة أخرى، في عدم القدرة على اختراق بشرّي التي تُعتبر «قلعة القوات»، في حين كان رئيس حركة «الاستقلال» ميشال معوّض على قاب قوسين من خرقِ لائحة فرنجية في زغرتا خلال انتخابات 2009.
أصبحت الانتخابات في حكم المؤجّلة، والمبارزة الكبرى لن تحصل، وقبل ولادة القانون الجديد لا يمكن الحديث عن لوائح جدّية، في وقتٍ يتمّ التداول بتحالف يجمع فرنجية الذي ينوي ترشيح نجلِه طوني (إلّا إذا استدعت المعركة خوضَه مجدّداً غمارَ الانتخابات) والنائب بطرس حرب وحزب الكتائب، في وجه تحالف «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» ومعوّض.