كتب د. ريشار قيومجيان
تعتمد دول كثيرة النظام النسبي في انتخاباتها البرلمانية، فيتمثل كل حزب بحسب حجمه ولو كان ذلك بنِسَب صغيرة. وفِي حين تعتمد الولايات المتحدة وبريطانيا مثلاً النظام الأكثري بدوائر صغيرة وبمقعد واحد، انبرت ألمانيا لتكون الدولة الاولى التي تعتمد النظام المختلط (اكثري ونسبي مع تأهيلي) وتبعها في ذلك حوالي خمسين بلداً في العالم.
في لبنان وبعد أشهر من النقاشات والدراسات والابحاث، اقترحت الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية أو ما يُعرف بلجنة فؤاد بطرس والتي ضمّت اصحاب خبرة واختصاص وأكاديميين وعلماء سياسة، اقترحت النظام المختلط لتأمين حسن التمثيل لكافة اللبنانيين.
منذ العام ٢٠٠٥ دأب المكوّن المسيحي بكل تلاوينه على المطالبة بقانون انتخاب عادل يؤمّن “صحة التمثيل” للجميع، اذ انه منذ العام ١٩٩٢ اعتُمدت قوانين انتخاب مجحفة بحق المسيحيين فإستولدت نوابهم في كنف الزعامات الاسلامية وبإدارة المخابرات السورية حينذاك. في انتخابات العام ٢٠٠٩ شكّلت العودة الى اعتماد قانون الستين المعدّل محاولة لإعادة “الحق لأصحابه” سرعان ما أظهرت مكامن الخلل في التمثيل نتيجة عوامل عديدة منها التغيرات الديموغرافية في المناطق وزيادة عدد النواب وتوزيع غالبية المسيحيين منهم على مناطق ذات اكثرية إسلامية واضحة.
بعيداً عن الدخول في تفاصيل التقسيمات وتوزيع المقاعد، اننا ومن حيث المبدأ، نرى الحل بقانون مختلط:
١- فالشق الأكثري منه يؤمن صحة التمثيل للمسيحيين والمسلمين بشكل عادل. اما النسبية المطروحة فيه مع صوت تفضيلي في دوائر صغيرة كالقضاء فهي تُحرّر أصوات الأقليات من طغيان الأكثريات وتُؤمّن وصول ممثليها بأصواتها.
٢- النسبية الكاملة تعطي حزب الله (ومعه حركة أمل) أي الثنائي الشيعي، حصة شيعية شبه كاملة بالاضافة الى نواب من كل الطوائف الاخرى، مسيحية وسنية ودرزية. لا يعطي الحزب شيئاً من صحنه بل يأكل من صحون الآخرين فتتأمن له غالبية راجحة على مستوى كل لبنان. إذاك تتحوَّل النسبية من نموذج عصري الى اداة شريرة، وتنقلب الديمقراطية التوافقية الى ديمقراطية عددية بالكاد تؤمّن وصول ٤٠ نائب من أصل ١٢٨ باصوات المسيحيين.
٣- لا يصحّ تطبيق النسبية الكاملة في مجتمع سياسي طائفي تنهشه الهواجس المذهبية، وحيث تبحث الطوائف عن حقوقها وحصصها ومكاسبها. فالصوت المسيحي سيكون تحت رحمة (أو ذمّة) الكتل الاسلامية الكبرى سواء اختلفت أو تحالفت مع بعضها، وسواء اعتُمد لبنان دائرة واحدة أو أكثر خاصة أن الثقل المسيحي الحاسم في الدوائر الكبيرة هو في جبل لبنان وبعض أقضية الشمال. إنها ببساطة غلبة طائفة أو اثنتين على طوائف أخرى.
٤- تصحّ النسبية الشاملة في مجتمع علماني متجانس وعلى قاعدة احزاب غير طائفية. اما في حالنا فلا يمكن الكلام عن إلغاء الطائفية السياسية وهي متجذرة في النفوس والعقول وفِي ظل قوانين احوال شخصية خاصة بالطوائف وبيئات مذهبية مقفلة على التطور والحداثة. الحلول الفعلية لمشاكل لبنان تبدأ حين نتصارح ونتفهم بَعضنا البعض. نحن مختلفون ليس فقط على السلاح والتدخل في الدول المجاورة بل يشمل التمايز نظرة كلّ منا الى الوطن والأمة والمجتمع والإنسان وغائية التاريخ والوجود. بيد أننا محكومون ومقتنعون بالعيش معاً بظل دولة واحدة ونظام سياسي واحد.
ميزة المسيحيين وأزمتهم في آن، مُذ اسسوا هذا الكيان اللبناني الفريد، أنهم لا يتعاطون بمنطق أقلوي بل بشراكة متكافئة بعض النظر عن عدد ناخبيهم على لوائح الشطب. وأي تعاطٍ معهم وفق منطق الغلبة العددية يعني حكماً اعادة النظر بكل ادبيات الدستور والميثاق والعيش المشترك.