Site icon IMLebanon

الكوتا النسائية… ضرورة استراتيجية للإنتخابات النيابية القادمة (بقلم مارون كيروز)

 

كتب مارون كيروز:

ما زالت معظم الجهات السياسية تدور في حلقة مفرغة في بحثها عن صيغة جديدة لإجراء الإنتخابات النيابية بمسافة زمنية مقبولة من موعدها، بعد تعهّد النواب بذلك على أثر تمديدين لولايتهم، وبعد ورود ذلك في خطاب قسم الرئيس ميشال عون. وفيما تجري التداولات بناءً على المصالح الضيّقة لكل فريق، وخارج اطار ايجاد معايير من شأنها اعلاء قضية الديمقراطية في البلاد وصحة التمثيل الحقيقية، لا ريب أن تكون المباحثات تخطت مسألة قد تكون أهم من معظم القضايا قيد النقاش حاليًا، وهي الكوتا النسائية. والكوتا النسائية، في شرقنا البائس، ليست قضية تتعلق بحقوق الإنسان فحسب، أو نشاط نسوي فقط لا غير، بل يمكن القول أنها أصبحت في السياق  الحالي ضرورة إستراتيجية، قد تفوق في أهميتها معظم الإعتبارات الأخرى.

في وسط صعود الأصوليات والتعصّب والكراهية، واستعار استخدام العنف كوسيلة لحل النزاعات، والزيادة من الفساد والتفلت من الرقابة المالية في الإنفاق العام، يمكن أن تكون المرأة المشاركة بشكل فعّال في الحياة السياسية، الحليف الأكبر للاعتدال والحوار والالتقاء بين الأطراف المختلفة. وبما أن المرأة هي التي تتكبد أبهظ الأثمان عند اندلاع الحروب أو الجولات العنفية، فان مشاركها في السلطة ممكن أن تضفي بشيء من المناعة ضد تلك المظاهر المقيتة التي أصبحت تحيط بواقعنا اليومي من كل الجهات. كما أن العديد من الدراسات تشير أن المرأة بشكل عام هي أقل عرضةً للفساد والرشوة من الرجل.

وفيما تتخبط قوى الاعتدال في ايجاد ردًا مناسبًا  للحركات الأصولية والمتشددة دينيًا، بحيث أن الحرب الإعلامية- إن كان على الفكر الداعشي من جهة، أو على حزب الله من الجهة الثانية- باتت مفاعيلها تناهز الصفر، أصبح هناك حاجة لوضع إستراتيجية على المدى المتوسط لمواجهة ثقافية-مجتمعية مع هذه الأطراف، يمكن أن نكون الكوتا النسائية والعدالة الجندرية من مداميكها الرئيسية. والبديل عن ذلك، في غياب تطورات دولية-إقليمية من المرجح أن يطول إنتظارها، هو تسليم تدريجي لبسط متزايد لنفوذ حزب الله على جميع مفاصل الحياة في لبنان، بدأت بعض تجلياته بالظهور من خلال منع بيع المشروبات الروحية من قبل إحدى بلديات الجنوب، أو الدفاع عن الزواج المبكر.

من ناحية ثانية، تشكل المرأة حوالي 70% من ضحايا الكوارث الطبيعية، حوالي 90% من ضحايا العنف المنزلي في العالم، كما أنها تقدّم حصة جسيمة من العمل غير المأجور (المنزلي والمتصل بالعناية). وتشير آخر إحصائيات الأمم المتحدة حول الفقر في العالم الى أن ثلثي فقراء العالم هم من النساء. ويضاف الى ذلك في السياق اللبناني، أن قوانين الأحوال الشخصية المُخصخصة من قبل الدولة لصالح الطوائف، تعطي في معظم الأحيان إمتيازات تصب في مصلحة الرجل. ويؤكد العالمون أن هذا الخلل في الحقوق ينجم عن تمركز السلطة في يد الرجال، مما يؤدي الى تجاهل الحاجات والمشكلات التي تعاني منها النساء.

أما فيما يخص فعالية الكوتا،  فبالامكان الركون الى تجربة مثيرة للاهتمام في الهند. في عام 1993، أقر البرلمان الهندي تعديلين دستوريين (الثالث والسبعون والرابع والسبعون)، ينصان على نظام “الحجوزات” (reservations)  الذي يفرض أن يكون ثلث الممثلين المنتخبين الى مجالس الهيئات البلدية (Panchayat) من النساء. وبما أن النظام الانتخابي المعمول به في الهند هو أكثري، تُعتمد المداورة عند كل إستحقاق انتخابي بين مقاعد الدوائر “المحجوزة” للنساء. والملفت للنظر، أنه بعد أن كانت نسبة النساء المنُتخبات لم تتعد 10% قبل التعديلين، إرتفعت النسبة الى 17%  ضمن المقاعد غير المحجوزة للنساء. وتشير دراسة حول هذه الظاهرة  أن الكوتا أدت الى تغيّر تدريجي في النظرة النمطية للناخب الى المرأة في الشأن العام والى تقبل أكبر للعبها دورًا فاعلا في هذا المجال.

رغم ما تقدّم، يبقى من يجيب على مطلب الكوتا الجندري، بدعوة المرأة الى تكثيف مشاركتها السياسية بجهدها و”شطارتها” عوضًا عن الاتكال على حصة مخصصة لها قانونًا، دون الأخذ في عين الاعتبار انعدام التوازن في الأعباء المجتمعية الملقاة على كاهل كل من الجندرين. وفي السياق اللبناني، يتسم هذا المنطق بمنسوب مضاف من الصفاقة، في ظل نظام سياسي مبني كليًا على الكوتا، ولكن كوتا ذات طابع طائفي. ويجوز هنا التساؤل: لماذا لا يمكن للموارنة والروم والشيعة والسنة والدروز أن يتمثلوا في البرلمان بجهدهم وشطارتهم، مع العلم أنهم يشكلون مجموعات منظمة لها إمكانياتها وداعميها في المجتمع؟ وأليس تناقضًا فادحًا أن يرفض المناصفة بين الجنسين، من يطالب بها بين الطوائف؟