كتب شادي علاء الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:
أبدى الرئيس اللبناني ميشال عون في كلمته أمام القمة العربية حرصا واضحا على تجنب السياسة. اتخذ من العواطف والوجدانيات منطلقا لمخاطبة الملوك والرؤساء العرب في لحظة احتدام الصراع العربي الإيراني، محاولا تجنب إطلاق المواقف.
يكشف موقف الرئيس عون عن سيكولوجيا لبنانية لا زالت تعتقد أنه يمكن كسب التعاطف والدعم من خلال العواطف، وتقول بوضوح إن لا وجود لخطة لبنانية للتعامل مع المستجدات العربية والتطورات الإقليمية والدولية.
شددت معظم الكلمات العربية على الخطر الإيراني الذي بات يشكل تهديدا وجوديا للعرب، ولكن الرئيس عون عمد إلى الدعوة إلى الحوار مبديا استعداده لمساعدتهم على إنجازه.
ولم يشر إلى أطراف هذا الحوار، وهل كان يقصد حوارا عربيا عربيا أو حوارا بين العرب وإيران؟إذا كانت الإشارة الرئاسية اللبنانية دعوة إلى حوار عربي عربي، فإن ذلك ينم عن عدم قدرة على قراءة المستجدات، إذ أن القمة العربية التي يشارك فيها هي تتويج لحوارات تمت وأنجزت وانتقلت إلى الطور الإجرائي التنفيذي.
إذا كان المقصود هو حوار بين العرب وإيران، فإن نظرة سريعة على واقع العلاقات العربية الإيرانية يكشف أن استحالة الحوار أنتجت السياقات الحربية العربية الإيرانية التي ما كان لها أن توجد لو كان الحوار ممكنا.
كما لا يجهل الرئيس أن الحد الأدنى المقبول لنشوء مثل هذا الحوار يتطلب إنجاز سلسلة من الظروف التمهيدية من قبل إيران، وهو ما يناقضه السلوك الإيراني بشكل مستمر، فأخبار اكتشاف الخلايا الإرهابية التابعة لها في أكثر من بلد عربي صارت خبرا يوميا متكررا.
الدعوة إلى الحوار يفترض أن تصدر عن بلد له تجربة ناجحة في هذا الصدد على المستوى الداخلي في حين أن تاريخ التجربة اللبنانية مع الحوار يقول بوضوح إنه صيغة قبول بالتغلب أو تركيب حلف مؤقت في مواجهة فئة أخرى في ظل اختلال موازين القوى بين الأطراف.
هذا التعريف يصف بدقة أحوال الحوارات اللبنانية التي تقوم بها القوى السياسية حاليا مع بعضها أو مع حزب الله، حيث لم تنجح إطلاقا في إنتاج صيغة توافقية بل كانت دائما تأكيدا لسياق حربي أو خضوعا لإملاءات يفرضها طرف متغلب.
تبرز دعوة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى عودة آمنة للسوريين إلى ديارهم بعد اعترافه بخروجهم القسري من بلادهم وكأنها خارج الزمن.
لا يخفى أثر اللجوء السوري على لبنان وواقع الأعباء الكبيرة التي يفرضها على البلد، ولكن عودة السوريين الآمنة إلى ديارهم تتطلب وجود جهات قادرة على تحقيق هذا الأمن وحمايته وفرضه بالقوة.
لم يقترح الرئيس، مباشرة أو تلميحا، ما يشير إلى الجهات التي يعتبرها قادرة على إنجاز هذه المهمة بنجاح.
وحفل كلام الرئيس عون بإشارات عديدة إلى بروز مشهد القتل والدماء الذي طغى على أي موضوع آخر وفق تعبيره، ولكنه تناسى المسؤولية اللبنانية عن المشاركة في صناعة هذا المشهد عبر مشاركة حزب الله في الحرب السورية.
ربما قد لا يكون انتبه إلى أن إدانة هذا المشهد لا يمكن أن تتخذ بعدا واقعيا إلا إذا كان المقصود منها إدانة حزب الله. لن يدين الرئيس اللبناني حزب الله ولكنه يدين مشاهد القتل والدماء، وكأنها أنتجت بقدرات ذاتية ولا مسؤولية لأي طرف على صناعتها.
ويأتي تحذير الرئيس عون من أن يدفع الجميع أثمانا باهظة للحلول التي ستفرض والتي باتت قريبة جدا وفق وجهة نظره، ليعمق الالتباس حيث أن مسارات الحلول التي يرجّح أن تفرضها القوى الكبرى المؤثرة وفي طليعتها الولايات المتحدة وروسيا تتطلب إقصاء إيران من المشهد السوري وعودة حزب الله إلى لبنان. يفرض هذا الواقع أن تشدد إيران من إمساكها بمفاصل القرار اللبناني كتعويض عن فقدها التأثير في الميدان السوري.
الإمساك الإيراني بالقرار اللبناني يعني تمكين حضور الرئيس عون وسلطاته كونه لا يستطيع الادعاء أنه لا ينتمي إلى هذا المحور في حين أن كلامه في القمة يشي بمعارضته للحلول القادمة وما ستفرضه، فهل يقول الجنرال إنه يرفض حلولا تعني عمليا تمكين محوره من الإمساك بالقرار اللبناني ككل؟
ربما يكون في السياق الختامي لكلام الرئيس اللبناني والذي يحرص فيه على اتخاذ دور النذير والرائي قائلا “إني بلغت” بعدا استشرافيا يلتقط إشارات الكارثة القادمة ويحذر منها.
تكمن المفارقة الدرامية هنا في أن المقاربة التي يروج لها للتعامل مع الكارثة تكون عبر محاولة تزيينها وتلوينها ومحاولة بيعها للعرب والعالم بوصفها الصيغة اللبنانية الفريدة. لم يعد أحد مستعدا لشراء الكوارث وإن كانت ملونة.
التخلي اللبناني عن السياسة في لحظة العودة العربية إليها يقول إن لبنان قرر ليس الخروج على الإجماع العربي فحسب ولكن على الشروط الأوّلية لممارسة الحد الأدنى من الدور، أي الانطلاق من الوقائع والبناء عليها.