كتب ابراهيم ناصرالدين في صحيفة “الديار”:
يبحث الرؤساء السابقون في رسالتهم الى القمة العربية عن قضية تعيدهم الى الاضواء، وقد تم لهم ذلك على الرغم ان البيان الذي وقعوه لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به…لكن هذه “الحادثة” العابرة تسلط الضوء على نقطة محورية هي في صلب نقاش يدور منذ فترة وتصاعد في الساعات القليلة الماضية داخل تيار المستقبل، حول استمرار هذه الازدواجية الضارة بين رئيس الكتلة فؤاد السنيورة ورئيس الحكومة سعد الحريري اكثر المتضررين من تلك الوثيقة الموقعة من ثلاثة رؤوساء حكومة قرروا المزايدة على موقفه عشية القمة العربية، وسط دعوات داخل “التيار الازرق” للحريري للاقدام على اتخاذ خطوات حاسمة لم تعد قابلة التأجيل تجاه رئيس كتلته فيما لا يزال هو مترددا…
وللدلالة على ان مضمون الوثيقة ليس الا كلاماً “فارغاً” من اي مضمون، وان المشكلة الحقيقية هي داخل تيار المستقبل، تشرح اوساط بارزة في 8 آذار الامر بالتاكيد ان حزب الله تجاوز مرحلة الشعور “بالضيق” من المواقف المعادية له، “السجالات” العقيمة لم تعد مجدية بعد ان استقر الوضع الداخلي على تسوية رئاسية وحكومية افضت الى وصول حليفه الى بعبدا ورضوخ خصومه “لشروط اللعبة” وموازين القوى الداخلية والخارجية التي لا تسمح بمقاربة لا ملف السلاح ولا مسألة تدخله في الحرب السورية، ومناشدة القمة العربية لن تقدم او تؤخر في الامر شيئا، حتى عندما اطلق البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مواقفه الأخيرة حول سلاح “حزب الله” وتدخله في سوريا، تجاهل حزب الله كلامه، وتعمد سياسة اللامبالاة ازاء التصريح، لان الموقف المسيحي يمثله رئيس الجمهورية ميشال عون…. وموقف بكركي ليس مفاجئا وهو يأتي في سياق التعبير عن موقف معروف…
اوساط مقربة من تيار المستقبل، تتحدث عن “عاصفة” تختمر داخل التيار ولن يطول موعد “هبوبها”، لكن الامر منوط بتحقق بعض الشروط الموضوعية واخرى خارجية ينتظرها الرئيس الحريري بصبر نافد.. فالرئيس السنيورة يتقصد في المحطات المفصلية المزايدة على الرئيس الحريري واظهاره ضعيفا باعتبار ان مواقفه غير معبرة عن “القاعدة الشعبية”، وفريق السنيورة داخل التيار يسوق لمقولات عديدة منها ان الاموال تبددت، “والمشروع السياسي” يُحتضر، و”هالة”رئاسة الحكومة تضمحل يوما بعد يوم، في ظل “المحاباة” غير المفهومة من قبل الحريري للرئاسة الاولى، حيث يبدو الرئيس في موقع المبادر الى الاصلاح فيما يقف رئيس الحكومة متفرجا دون اتخاذ اي مبادرة، وتحول دوره الى “البصم” على ما يرده من بعبدا… ويقولون ان الرئيس الحريري ظهر في القمة العربية كـ”ظل” لرئيس الجمهورية، فيما يذكر الجميع كيف ثبت الرئيس السنيورة في قمة الخرطوم قدرته على ابراز فعالية موقع الرئاسة الثالثة من خلال مواجهته المفتوحة مع الرئيس اميل لحود..
ويواصل انصار السنيورة “حالة الانكار” بالحديث عن وجود مساحة “للحرية والديموقراطية” في تيار المستقبل غير موجودة لدى الاحزاب الاخرى، وتتحدث تلك الاوساط في مجالسها عن ان تيار الرئيس رفيق الحريري لا يمكن ان يصبح نسخة “طبق الاصل” عن حزب الله او عن التيار الوطني الحر بنسخته “الباسيلية” حيث يعمم الوزير باسيل “أمر اليوم” على النواب والوزراء من خلال استخدام “الواتس آب”، واذا كان خارج البلاد يمنعهم عبر “رسائل نصية”من الكلام ريثما يعود…هذا النموذج لا يمكن ان يحصل في تيار المستقبل خصوصا مع رئيس الكتلة الذي يعترف الجميع بحيثيته الخاصة في الداخل والخارج…
ويشعر الرئيس السنيورة ان ثمة من يسعى الى تهميشه في تيار المستقبل، او بمعنى آخر يعمل على “احراجه لاخراجه”، الاختبار الاكثر قسوة كان في ابرام الرئيس الحريري للتسوية الرئاسية دون التوقف عند رأيه، وهو يشعر “بالضيق” لتنامي نفوذ الوزير غطاس خوري ونادر الحريري، ووزير الداخلية نهاد المشنوق، هذه “الترويكا” التي اثبتت قدرتها على التاثير في قرارات مصيرية لتيار سياسي يرى فيه الرئيس السنيورة اكبر من حزب، بل طائفة لها وزنها وحضورها، ولا يمكن ان تحصل الصفقات السياسية على حساب دور ومكانة، دفع ثمنها الرئيس رفيق الحريري حياته ثمناً لها… واذا كان التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية يخوضان معركة استعادة حقوق المسيحيين فان ما هو غير مقبول ان يكون ذلك على حساب خسارة السنة لمكتسبات لا يبذل الرئيس الحريري وفريق عمله اي جهد للحفاظ عليها…
لكن في المقابل، تتساءل شخصية محسوبة على رئيس الحكومة عن مساحة هذه الحرية في زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعن حيثية السنيورة يوم ذاك، وهل كان ليجرؤ على الخروج من “الصف” او الهمس بمعارضة قرارات الحريري الاب، المشكلة في شخص الحريري الابن، وفي تردده في اتخاذ القرارات الحاسمة ازاء “الطعنات” المتكررة من “داخل البيت”، وزير الداخلية نهاد المشنوق يقدم نفسه باعتباره الاقدرعلى ملء الفراغ الذي يمكن ان يتركه الرئيس السنيورة، لكن الحريري ما يزال مترددا في اتخاذ المبادرة، لثلاثة اسباب رئيسية، الاول يرتبط باستمرار مساحة “الحذر” مع وزير الداخلية على خلفية علاقاته المتينة داخل السعودية…وهذا ينقل البحث الى السبب الثاني المرتبط بسعي رئيس الحكومة الى استعادة مكانته داخل المملكة قبل الاقدام على اي خطوة، وهو يأمل في ذلك بعد عودته من الرياض بعد ان رافق الملك سلمان على متن الطائرة الملكية في رحلة العودة من قمة عمان امس..اما السبب الثالث فيرتبط بتوقيت هذه الخطوة، حيث يجري الحريري حسابات دقيقة لوضع تيار المستقبل ويخشى الاقدام على اي “دعسة ناقصة” تزيد الشرخ بين المركز والمناطق، وهو اذ يقدر للسنيورة عدم “الانشقاق” كما فعل وزير العدل السابق اشرف ريفي، الا انه يتمنى ان يقدم بنفسه على “الخروج” كي لا يتحمل هو التداعيات المباشرة لهذه الخطوة…
في الخلاصة، الرئيس الحريري امام وضع شديد التعقيد داخل تيار المستقبل، الانتخابات الاخيرة لم تمنح “التيار” الدفع المطلوب لانقاذ ما يمكن انقاذه، بعد سقوط الرهانات الخارجية، والتسليم “بقضاء وقدر” حزب الله داخليا… الامر المتيقن ان حالة الرئيس السنيورة “المرضية” تتطور “وشغبه” تحول الى “صداع” مزمن… “التأخير” في علاجه سيحوله الى مرض “عضال”، “الدائرة الضيقة” المحيطة برئيس المستقبل تنصحه بالمبادرة الى انهاء هذه الظاهرة، لأنها تأكل من رصيده…قبل ذهابه الى القمة العربية كان الحريري لا يزال مترددا ومتخوفاً من التداعيات على تيار المستقبل، لا يريد اي “خضة” قبل الانتخابات النيابية، يدرك ان التعايش صعب مع السنيورة لكن رهانه يبقى على امكانية “ترويضه” اذا ما عادت العلاقات الى مجاريها مع السعودية القادرة وحدها على لجم طموحات نائب صيدا والحد من مخاطره…