كتب عيسى يحيى في صحيفة “الجمهورية”:
يبدو أنّ عدوى التمديد للمجلس النيابي قد انسحبت على معظم المؤسسات في لبنان لا سيما منها الدينية كدار الفتوى، حيث لا تزال أزمة مفتي المناطق وانتخابهم على حالها، وإن كان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان قد أعلن الخطوات الأساسية التي سيعمل عليها، حيث أنجز اثنتين ولا تزال الثالثة عالقة، وهي مفتي المناطق.
أكثر من سنتين وثمانية أشهر مرّت على انتخاب المفتي دريان، والإصلاحات في دار الفتوى على أوجها، وهو أمر يُثني عليه الجميع وكان متوقعاً من المفتي الجديد، على أمل أن تشمل الورشة الإصلاحية كلّ الدوائر والمؤسسات في الدار.
غير أنّ أزمة مفتي المناطق في لبنان لا تزال على حالها بين أخذ ورد، منذ أن أعاد دريان بعض المُفتين الذين كلّفهم المفتي السابق محمد رشيد قباني قبل خلافه مع تيار “المستقبل”. ويتوقف البعض عند تأخير انتخابات مفتي المناطق، خصوصاً أنها خطوة وركيزة أساسية في بناء المؤسسات الدينية وربط المناطق بالدار الأم لتكون جامعة للكل.
ومع إعلان لوائح الشطب الخاصة بانتخاب مفتي المناطق إستبشر البعض خيراً بالخطوة كونها دليل عافية على إجراء الانتخابات في القريب العاجل، غير أنّ مصادر متابعة أوضحت لـ”الجمهورية” أنّ المعلومات المتداولة تشير إلى تأجيل هذه الانتخابات لسببين: الأول إلى ما بعد إجراء الإنتخابات النيابية التي أصبحت في حكم المؤجلة، والثاني هو حلّ قضية المفتين الثلاثة الكبار، وهم: مفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو، مفتي صيدا سليم سوسان، ومفتي زحلة والبقاع خليل الميس الذين تجاوزوا السن القانونية لتقاعد المفتي، وهي السبعين عاماً، لكنهم لا يزالون يمارسون مهماتهم.
وتشير المصادر الى أنّ معضلة بعلبك ـ الهرمل لجهة المفتي أمر حساس ودقيق جداً، نظراً الى أنّ التعيينات السابقة التي حصلت في عهد قباني، والطعن المقدّم في مجلس شورى الدولة والذي أعاد المفتين السابقين إلى مناصبهم، أي التكليفات الأولى لقباني، عرّضت المنصب لاهتزازات ونزاعات.
من هنا يؤكد المصدر ضرورة التسوية التي من شأنها أن تعيد إلى المنصب أهميته، إمّا من خلال الاتفاق على مرشح تسوية أو عبر الانتخابات بحيث تمثّل تيار “المستقبل” أخيراً في الهيئة الناخبة، فيما الآخرون يتوزعون بين مستقلين ومحسوبين على أطراف وجهات سياسية.
وهنا، يرى المصدر أنّ التسوية والتوافق ما قبل الانتخابات على شخص المفتي أمر ضروري لجَمع شمل الطائفة والعائلات السنية في المنطقة.
25 ناخباً لمفتي بعلبك الهرمل موزعون بين الهيئة التشريعة والتنفيذية، أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، رئيس دائرة أوقاف بعلبك ـ الهرمل، المجلس الإداري لأوقاف بعلبك ـ الهرمل، الأئمّة المنفردون المثبّتون والمتعاقدون والمكلفون، رئيس وأعضاء المجلس البلدي من المسلمين السنة في المحافظة، يستعدون لانتخاب مُفتٍ جديد للمنطقة وإن كانت الترشيحات لا تزال غامضة.
ويقول مفتي بعلبك الحالي الشيخ خالد صُلَح لـ”الجمهورية” إنّ لوائح الشطب وبحسب النظام تصدر سنوياً لتعديل الأسماء وتصحيح الأخطاء، وانتخابات المفتين يمكن أن تحصل في أيّ لحظة حسب الأجواء إذا كانت مهيّأة، وكذلك وضع البلد، ويمكن أن تؤجّل بعض الشيء بحسب النظام المعمول به في دار الفتوى.
ويشدد على أنّ باب الترشح لمنصب مفتي بعلبك ـ الهرمل مفتوح لمن يحمل الشهادة الشرعية المعترف بها رسمياً لدى المجلس الشرعي ودار الفتوى، وكل شخص له الحق في أن يكون في هذا المنصب إذا كان يرى في نفسه الأهلية ولا حظر على أحد.
ويشير صُلَح الى وجود عمل لتعديل المرسوم 18 في المجلس الشرعي المتعلق ببعض المواد ومن ضمنها يمكن أن يكون قانون انتخابات مفتي المناطق خاضعاً للتعديل، لافتاً إلى أنّ الانتخابات ستبدأ في عكار لأنّ منصب المفتي شاغر هناك.
وعن ترشّحه للمنصب مجدداً، يقول صلح: “لقد أدّيتُ قسطي الى العلى على مدى عشر سنوات، وترشّحي مجدداً سيكون بحسب الظروف والهيئة الناخبة”.
بدوره، يشرح المفتي السابق بكر الرفاعي أنّ مواقع الإفتاء في لبنان 9، وباستثناء مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار الذي أتى بالانتخاب، كل المواقع المتبقية شاغرة لسبب أنّ التعيين أو التكليف لا يتجاوز السنة، كما أنّ المفتين الذين تقاعدوا ويقبضون رواتبهم التقاعدية ما زالوا يمارسون دورهم في مواقعهم، فالفراغ بحسب الرفاعي يشمل كل مقاعد المفتين في لبنان باستثناء الشمال.
وذكر الرفاعي أنّ المفتي دريان في خطاب التعيين أكّد ثلاث خطوات: المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى وإعادة انتخابه، المجالس الإدارية الوقفية وإعادة انتخابها، والمفتين المحليّين.
وقد أنجزت الخطوتان الأولى والثانية ولا تزال الثالثة التي استبشر خيراً بإنجازها بعد صدور لوائح شطب المفتين في كل لبنان في أوّل شباط الفائت، مشيراً الى أنّ القوانين تحتاج الى تعديل بين الفترة والأخرى كالهيئة الناخبة لمفتي المناطق بحيث تتوسّع ليشارك فيها العلماء.
ويلفت الرفاعي الى أنّ بعلبك ـ الهرمل تعاني مشكلة في هذا الأمر لجهة التكليف وإعادة التكليف بينه وبين صُلَح، و”عند وصول المفتي الجديد لم نحدث إرباكا إفساحاً في المجال أمام التسويات، ونحن ننتظر الانتخابات لتكون الحَكَم من باب الحرص على عدم الإنقسام وإشاعة الأجواء الإيجابية التي أرسَيناها خلال المرحلة الماضية ولا نزال”. ودعا إلى “تفاهمات في الموضوع الديني ليبقى المركز جامعاً وحاضناً للجميع”.