لفت مصدر نيابي في حديث لصحيفة “الحياة” إلى أن جلسة المناقشة العامة للحكومة المتلفزة يوم الخميس المقبل في 6 نيسان تشهد عادة استعراضات كلامية وسياسية يحسب كثير من النواب تأثيرها على شعبيتهم، فكيف والأمر يسبق انتخابات مقبلة وسط استمرار الخلاف على قانون الانتخاب الذي يعد الجميع بالتوصل إليه في ظل شعارات “تجديد التمثيل النيابي” و “تصحيحه”، وغيره من الشعارات، من دون أن تلوح في الأفق بوادر توافق على إنجازه، فيما يدخل لبنان المهل القاتلة حيث يوجب الدستور إجراء الانتخابات خلال شهرين قبل نهاية ولاية البرلمان في 20 حزيران المقبل، ولم تتم دعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع (قبل 3 أشهر من تاريخه)، الأمر الذي يسلّم الجميع بأنه بات يوجب التمديد “التقني” للبرلمان لتصحيح المهل. كما أن المهلة الأخرى المتصلة بقرار التمديد باتت هي الأخرى داهمة، لضرورة إتمامه بقانون يصوت عليه أكثرية النواب قبل شهر ونصف الشهر (15 نيسان كما قال الرئيس نبيه بري) من انتهاء ولاية النواب لئلا تنزلق السلطة الاشتراعية في الفراغ فلا يعود ممكنا الاتفاق على قانون انتخابات أو إجرائها.
وتساءل غير نائب عن مغزى دعوة بري إلى المناقشة العامة في وقت كان يمكن تأجيل الأمر إلى ما بعد إقرار الموازنة بعدما أنجزت الحكومة إقرارها، والبت بسلسلة الرتب ولرواتب لموظفي القطاع العام والعسكريين والأساتذة التي وُعد بها هؤلاء بعدما تأخرت 4 سنوات، أو الانتظار أسبوعين ريثما تتضح الوعود التي يطلقها فرقاء ما سمي اللجنة الرباعية المنغمسة في بحث مشاريع القوانين الانتخابية التي يقدمها رئيس “التيار الوطني الحر” ورئيس الحكومة سعد الحريري بقرب التوصل إلى قانون جديد قريباً. وقال أحد أعضاء مكتب المجلس لـ “الحياة” إن الرئيس بري استند في الدعوة إلى مبدأ أقر منذ سنوات بالدعوة إلى مناقشة نيابية لسياسة الحكومة بعد كل 3 جلسات تشريعية، وهذا ما حصل.
وإذا كانت الأصول بررت الدعوة على هذا الشكل، فإن العارفين بموقف بري يحيلون السائلين إلى بيانه المؤرخ في 18- 3- 2017 الذي رد فيه على إخفاق المجلس في التوافق على واردات الخزينة التي يجب إقرارها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، واعتبر فيه أن الهدف كان “تطيير قانون الانتخاب والانتخابات”.
وحدد بري في ذلك البيان ترتيباً جديداً للأولويات كالآتي: 1- أولوية قانون الانتخابات. 2- تعيين لجنة تحقيق برلمانية لكشف الفساد والمفسدين ومحاكمتهم .3- إقرار السلسلة لكل ذوي الحقوق .4- إقرار الموازنة. وأنهى بري بيانه في حينها بالقول: “وسنعمل بمقتضى ما ورد”.
ويقول مصدر نيابي إن بري تصرف وفق ما أعلن. وهذا يعني أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب تأجل على الأقل إلى جلسة تعقد الأسبوع الذي يلي، وأن مناقشة الموازنة التي أحالتها الحكومة مرتبطة ببت السلسلة، لأن أمر تأمين وارداتها متروك للبرلمان كي يتم ضمهما إلى بنودها، ما يعني أن الموازنة تأخرت أيضاً.
ويتفق أكثر من نائب على التأكيد أن مداخلات النواب الخميس المقبل، بعد إدلاء رئيس الحكومة ببيان عن إنجازاتها منذ تأليفها، ستفتح سيلاً من القضايا والعناوين المتصلة بالأولويات الأربع التي تضمنها بيان بري، وغيرها من القضايا. وتوقعت المصادر النيابية أن يثير أكثر من نائب تأخر الحكومة في إحالة مشروع قانون الانتخاب الموعود طالما أكثرية الفرقاء ترذل قانون “الستين- الدوحة الحالي القائم على النظام الأكثري، وطالما البيان الوزاري للحكومة التزم إنجازه، من دون أن تسحب المشروع الذي كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إحالته عام 2014. وترجح المصادر إياها أن يحمّل عدد من النواب الحكومة مسؤولية هذا التأخير باعتباره من صلاحياتها، وصولاً إلى التحذير من الوقوع في الفراغ القاتل جراء عدم دعوة الهيئات الناخبة للاقتراع بسبب رفض رئيس الجمهورية التوقيع عليه بعد أن توقيع وزير الداخلية نهاد المشنوق والحريري.
ومن دون أن تجزم هذه المصادر النيابية المتعددة إذا كان هناك سيناريو معد لمسار الجلسة، فإنها لا تستبعد أن يُطرح موضوع التمديد للبرلمان من البعض تفادياً للفراغ من الناحية السياسية فقط، لأن التصويت على اقتراح أي من النواب على قانون التمديد يفترض أن يتم في جلسة تشريعية قد تعقد الأسبوع الذي يلي، إلا إذا حصلت معجزة اتفاق على قانون الانتخاب الجديد في غضون الأيام المتبقية قبل 15 نيسان.
ويختصر أحد النواب جلسة المناقشة العامة المقبلة بالقول إنها جلسة التمهيد للتمديد الذي يعارضه حتى الآن الرئيس ميشال عون وكتلته النيابية ونواب الكتائب. وهذا يعني إمساك الرئيس بري بالمبادرة مجدداً بعد أن ترك للقوى السياسية، ولا سيما لأطر التعاون الجديد بين عون والحريري، مهمة التوصل إلى قانون الانتخاب، من دون أن يتوصلا إلى نتيجة.
تفيد معطيات مصدر نيابي بارز بأن المداولات المستمرة في شأن القانون بعيداً من الأضواء، استناداً إلى المشروع الأخير لباسيل (انتخاب نصف النواب على النظام الأكثري في الأقضية على أن يقترع المسلمون للمرشحين المسلمين والمسيحيون للمرشحين المسيحيين، وانتخاب النصف الآخر على النظام النسبي في 14 دائرة متوسطة الحجم مع صوت تفضيلي)، أدت إلى تقارب بين باسيل وبين “تيار المستقبل” حول تقسيمات بعض الدوائر فيه وتوزيع النواب على الأكثري والنسبي، من دون أن يلغي ذلك اعتراضات “حزب الله” العديدة عليه، منها دمجه دائرة زغرتا مع أقضية شمالية لأنه يستهدف إضعاف حليفه رئيس تيار “المردة سليمان فرنجية، ورفض الحزب صيغة الصوت التفضيلي (في القضاء) حيث يعتمد النظام النسبي، إضافة إلى اعتراضات الكتائب والمردة وبري والحزب التقدمي الاشتراكي الذي غرد رئيسه وليد جنبلاط مساء أول من أمس قائلا: “لا يمكن القبول بمشروع انتخابي يقسم اللبنانيين ويلغي الشراكة والتنوع”. وهو قصد بذلك مشروع باسيل بعدما تبلغ بتوافق الأخير مع “المستقبل” على جانب منه.
ويحتم انشغال الحريري بجولته الأوروبية بدءاً من الغد، ووجود باسيل في أستراليا تأخير “معجزة” قانون الانتخاب، قبل جلسة البرلمان بحيث يبقى الفشل في إنجازه نجم المداخلات النيابية ومعه التحذير من الفراغ وبالتالي وجوب طرح التمديد.
ويقول مصدر نيابي آخر أن الجلسة قد تشهد تأكيداً على إيجابيات الاتفاق الحاصل بين عون والحريري على إدارة المرحلة (من جانب الحكومة و “التيار الحر”)، لكنها ستظهّر استمرار التباعد في القانون. وربما شهدت أيضاً مداخلات تعكس تبرم أطراف في الحكومة من انعكاسات هذا الاتفاق على عدد من القرارات الحكومية. وهو ما كشفه وزير التربية مروان حمادة أمس عن أنه كان على وشك الاستقالة لولا تدخل جنبلاط. والعارفون بموقف حمادة يشيرون إلى أن توافق الرئيسين يؤدي إلى تمرير أمور في مجلس الوزراء لمراعاة ما يرغب به “التيار الحر” على حساب الأصول وخلافاً لملاحظات فرقاء آخرين.