كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
ماذا يحدث في لبنان الآن؟
… رئيس البرلمان نبيه بري، الذي دعا الى «سوق عكاظ» نيابي وعلى الهواء مباشرة يوميْ الخميس والجمعة المقبليْن، حذّر وبـ «الفم الملآن» من «حركة انقلابية تطيح بكل شيء في البلاد وتقودها الى الإنفجار».
… رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يبدو كمَن «ينأى بنفسه» عن المساجلات الداخلية، طار في جولة أوروبية وفي جعبته «قنبلة» النازحين السوريين التي رأى أنها تهدّد لبنان بالانهيار إذا أدار المجتمع الدولي ظهره للبنان.
… «حزب الله»، الذي يُمْسك بخيوط «الماريونات» على المسرح السياسي بعث بـ «رسالة مقنَّعة» لمَن يعنيهم الأمر عبر كتيبة من الملثّمين ظهرت في أحد أحياء الضاحية الجنوبية، نُسجت حولها رواياتٌ وأُعطيت تفسيرات لا حدّ لها.
… «التيار الوطني الحر» بلسان رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل تحدّث من أستراليا عن «أسبوع آلام» في الصراع الصاخب حول قانون انتخابٍ يعيد رسْم التوازنات في السلطة ويشهد تَدافُعاً لا مثيل له بين القوى السياسية.
كل ذلك يجري في لبنان مع العدّ التنازُلي لـ «لحظة الحقيقة» التي تحلّ منتصف هذا الشهر، وهو المفترق الحاسم بين اتجاهيْن متعاكسيْن، فإما الإتفاق، الذي يبدو مستحيلاً، على قانون انتخابٍ جديد في غضون أقلّ من أسبوعين، وإما تَجرُّع التمديد، وهو الثالث، للبرلمان الحالي تحت شعار «التقني والضروري والموقت».
وبدا واضحاً مع الدخول في مرحلة «الأسبوعيْن المفصلييْن»، أن شدّ الحبال يزداد على جبهتيْن متوازيتيْن: الأولى جوهر القانون الذي يتمسّك «حزب الله»، ولاعتباراتٍ تتّصل بلعبة التوازنات والأحجام وبعملية ترسيم النفوذ داخلياً التي تطلّ على الصراع الكبير في المنطقة، بأن يقوم على نظام الاقتراع النسبي «الصافي» مع مرونة حيال التراجع عن اعتماد لبنان دائرة واحدة والبحث في اعتماد دوائر متعددة. وهو الطرح الذي يصطدم بإصرار مسيحي يتصدّره «التيار الحر» (حليف الحزب) و«القوات اللبنانية» على رفْض النسبية الكاملة لمصلحة «المختلط» الذي يجمع بين الأكثري والنسبي والذي ارتكز عليه طرح باسيل الأخير الذي لقي تحفظات كثيرة من «حزب الله» وبري بعضها ذات صلة بالانتخاب الطائفي (ضمن الأكثري) او بتقسيم دوائر الأكثري والصوت التفضيلي ودوائر النسبي.
أما الجبهة الثانية فترتبط بالتمديد الذي بات واقعاً حكماً للبرلمان في ضوء سقوط أي إمكان لإجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية البرلمان في 20 حزيران المقبل، وسط كباش محتدم بين الساعين الى تمديد تقني يكون من ضمن قانون الانتخاب الجديد (موقف الثنائي المسيحي)، والراغبين في تمديد ولو «اضطراري» يشكّل «درعاً واقية» من اي فراغ في البرلمان فيما لو مرّ تاريخ 20 حزيران من دون التوصل الى قانون، وهو ما يدفع بري و«حزب الله» الى دعم مسار تمديد ينطلق منتصف ابريل.
وكان لافتاً في هذا السياق تلاقي «التيار الحر» والثنائي الشيعي على الضغط نحو رمي «كرة نار» قانون الانتخاب في مرمى الحكومة ولكن من منطلقات مختلفة. فـ «التيار» يريد من هذه «النقلة» الضغط لإمرار القانون الجديد ولو بالتصويت، في حين ترى دوائر سياسية ان إصرار بري على ان تأخذ الحكومة دورها في هذا الملف – وهو ما ستركّز عليه مداخلات نيابية في جلسة المناقشة العامة للحكومة يوميْ الخميس والجمعة – مردّه الى رغبته في ان يأتي طلب التمديد من الحكومة بعد ان تكون الأخيرة أمسكتْ بزمام المبادرة حيال القانون الجديد، وذلك بما يجنّب البرلمان «كأس» ظهوره بمظهر «طالِب التمديد لنفسه» ليقتصر دوره على بتّ فترة التمديد، وهو الأمر الذي من شأنه ان يرفع عنه «المسؤولية المعنوية» عن هذا الخيار «غير الشعبي».
وفي غمرة هذه الحسابات، لم يكن ممكناً قراءة عراضة «الكتيبة المقنّعة» في أحد معاقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت ليل الجمعة الماضي بمعزل عن «البازل» الانتخابي، علماً ان التحريات السياسية نشطت لليوم الثاني على التوالي لمعرفة الأبعاد الفعلية لهذا التطور الذي أُعطي تفسيرات عدة بينها:
* انه رسالة ذات طبيعة أمنية لتزامُنها مع اجتماع موسّع عقد في القصر الجمهوري وضمّ وزراء وقادة أمنيين خلص الى قرار باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في المطار والمرفأ وعلى المعابر الحدودية، وكأن «حزب الله» أراد القول «نحن هنا» في حركة الهدف منها إفهام الجميع بضرورة عدم التعرض لـ «الإمتيازات» التي يتمتع بها في تلك المرافق.
* رسالة ذات طبيعة سياسية تشبه حركة «القمصان السود» في العام 2011، التي نجحتْ حينها في قلب الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، فأطيح بسعد الحريري لمصلحة مجيء نجيب ميقاتي. أما الهدف الآن من فرقة «الملثمين» فالضغط في اتجاه تغليب خيار «حزب الله» في قانون انتخاب قائم على النسبية الكاملة.
* رسالة ذات طبيعة إجتماعية القصد منها إحداث صدمة في البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» بعدما انفلش الفلتان الإجتماعي كتعاطي المخدرات والإتجار بها وفرض الخوات والحروب بين «المافيات» التي تتنافس على احتكار خدمات كالكهرباء والمياه والساتيلايت، وهو الأمر الذي استدعى «النزول على الأرض».
وقالت أوساط مهتمّة بما يجري في الضاحية أنه سبق تشكيل لجان شعبية في أحياء الضاحية تضمّ عناصر من «حزب الله» من أبناء تلك الأحياء وآخرين من العائلات والعشائر هدفها حفظ أمن الناس وسط تراخي الدولة وأجهزتها، نافية أن يكون لما شهده برج البراجنة أي أبعاد سياسية داخلية أو خارجية، فالأمر يقتصر على إعلان المواجهة في وجه ظاهرة المخدرات وحفظ الأمن الاجتماعي للأهالي.