كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
لا يكاد يمرّ أسبوع إلّا وتُذكر معلومات عن زيارات وفود دوليّة الى لبنان للإطلاع على أوضاعه ميدانياً، فلمَاذا كلّ هذا الإهتمام الدولي بلبنان، وما أسبابُ الحركة الديبلوماسية حوله وفي اتجاهه على نحو لافت؟ مصدر مشارك في الإتصالات الجارية يكشف لـ”الجمهورية” كواليس ما يحدث.
لا يختلف اثنان على أنّ للدول الكبرى مصالحَ حيوية ذات أبعاد استراتيجية في لبنان، لكنّ هذا البلد ذات القدرات المتواضعة استطاع إبهارَ الدول الأكثر تطوراً، خصوصاً لجهة محاربته الإرهاب، فما هي العوامل التي فتّحت العيون الدولية عليه؟
قيادات دولية في لبنان
كان لافتاً منذ فترة، الزيارات المتكرّرة لمسؤولين في أجهزة استخبارات غربية، خصوصاً الأميركية والأوروبية، إلى لبنان دورياً.
وفي هذا الإطار، زار قائد العمليات الخاصة الأميركية ريموند توماس لبنان يوم الجمعة، حيث أجرى مباحثات مع المسؤولين في قيادة الجيش ووزارة الدفاع، كما كانت له جولة على القوة الضاربة في مديرية المخابرات، والتي تنفّذ بعض العمليات الخاصة، للإطلاع عن كثب على حاجاتها ومستوى تدريبها، حيث إستمع إلى شرح عن إحدى أهم العمليات التي نفّذتها أخيراً.
وفي المجال نفسه، يشارك لبنان من خلال وفد عسكري في مؤتمر منعقد في إيطاليا يبدأ اليوم ويستمر حتى الأربعاء، حيث سيقدّم الوفد اللبناني شرحاً موجزاً عن العمليات الخاصة التي ينفّذها الجيش في مجال القبض على الشبكات الإرهابية، وعن الوضع على الحدود الشرقية.
وفي الفترة الأخيرة توجّه رئيس لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي الى لبنان، وسبقه قبلها مساعد مدير الـ”سي أي ايه”، وذلك بعد زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الذي توجّه الى عرسال للإطلاع على الوضع ميدانياً، فضلاً عن الزيارات الدورية شبه الأسبوعية لوفود عسكرية أميركية تحمل طابعاً أمنياً استخبارياً، وهو ما طرح أسئلة حول مغزاها وتوقيتها.
مصالح في خطر
أحد أهم الأسباب التي تقف وراء اهتمام الغرب بالوضع المحلي، هو حرص أميركا على التأكد من أنّ مصالحها في لبنان بعيدة من الخطر، خصوصاً بعد الحديث عن الضغوط التي ستمارسها على إيران، وخوفها من أن يصبح لبنان ساحة حرب عن طريق “حزب الله”، ما يُعرّض مصالحها الديبلوماسية والاقتصادية والاستثمارات الأمنية والعسكرية التي وضعتها، من السلاح الذي قدمته الى برامج التدريب أكان للجيش أو للقوى الأمنية المختلفة للخطر.
وفي السياق، عزّزت واشنطن الطاقم الأمني والإستخباري في سفارتها في عوكر، تماماً كما فعلت في الأردن، وجهّزتها بإختصاصيين في مجال مكافحة الإرهاب والمتميّزين باطّلاعهم الواسع على الأوضاع اللبنانية، فالأميركيون لا ينسون ما حصل معهم عام 1983 يوم انتفاضة 6 شباط المشهورة، التي خُطف فيها رهائن أميركيون، فضلاً عن العمليات التي استهدفت السفارة الأميركية وبعدها “المارينز”، خصوصاً أنّ هذين الملفّين ما زالا مفتوحَين حتى اليوم في أميركا وهناك دعاوى أمام القضاء، وتبرز مخاوف لديهم من تكرارها خصوصاً في المرحلة المقبلة، فأميركا تقاتل على جبهة “داعش”، وعلى جبهة “حزب الله” في المقلب الآخر.
محاربة الإرهاب
أما السبب الثاني، فمتعلّق بمحاربة الإرهاب خصوصاً أنّ لبنان حضر اجتماعين للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، كان آخرهما الاجتماع الذي عُقد الأسبوع الماضي في وزارة الخارجية، وتركيز أميركا على تشكيل لبنان محطة يُحتمل أن يهرب المسلّحون من سوريا إليها بحسب التحليلات، وهو ما عبّر عنه مسؤول إستخباري أميركي كبير عندما قال إنّ أمير “داعش” أبو بكر البغدادي طلب من عناصره الهاربين من الرقة والموصل، الانتقال الى لبنان واحتلاله ليفتحوا منفذاً على البحر.
لكنّ كلّ ذلك يبقى في إطار التحليل، إذ إنّ الوصول الى لبنان ليس سهلاً خصوصاً أنّ المناطق الفاصلة بينه وبين “داعش” ينتشر فيها جيش سوري، إضافة الى المساحة الكبيرة التي تفرض على الهاربين سلكها، فضلاً عن أنّ الإمكانات الإستخبارية اللبنانية والجهوزية العسكرية اللبنانية باتت على درجة عالية وهي النقطة الثالثة التي يهتم بها الأميركيون، حيث إنه يهمهم أن يشهدوا على كيفية استخدام الأسلحة التي يقدمونها الى لبنان، ومن هنا كانت زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس روبرت كوركر الى عرسال، وهو ما يحصل للمرة الأولى حيث يكون
مسؤول أميركي كبير على الجبهة مع “داعش”.
تبادل استخباري
في كل مرة تنفّذ فيها مديرية المخابرات عملية أمنية، تتابعها الوفود العسكرية وتطلع على تفاصيلها، كما تبحث في التعاون والتبادل الإستخباري بين لبنان والخارج، لأنّ الشبكات مرتبطة بعضها ببعض، خصوصاً أنّ تلك التي تهرب الى الخارج عبر الإندساس بين المهاجرين، تستعمل تركيا ولبنان كمعبرَين لمغادرة مسؤوليها باتجاه الخارج وإدارتهم النشاطات من خلال هذين البلدين النافذَين على البحر، وهنا يبرز تركيزٌ أوروبيٌ أكثر من الأميركي، حيث إنّ آلاف المقاتلين من دول أوروبا وأميركا الشمالية يقاتلون الى جانب “داعش” وعند اتخاذ القرار بمغادرتهم سوريا، تقول التحليلات إنّ طريقهم يمرّ بلبنان باتجاه أوروبا، ومن هنا التركيز على الأمن في المطارات والمرافئ.
المخيمات الفلسطينية
وما يزيد اهتمام الأوروبيين خصوصاً، بالوضع في لبنان، هو المخيمات الفلسطينية وتحديداً “عين الحلوة” كونه في منطقة تشكّل المنفذ اللوجستي لقوات الطوارئ الدولية المنتشرة في جنوب الليطاني، والتي تستخدم مطار بيروت لتبديل وحداتها، حيث تعتبر طريق صيدا المحاذية للمخيم حيوية لها، لكنها تعرضها للخطر.
إهتمام بالشرق الأوسط
يستعين الجيش دوماً بمعلومات خارجية مأخوذة عن الأقمار الإصطناعية، خصوصاً أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى كلّ الإمكانات اللازمة لمجلس الأمن القومي الذي يتضمّن الجهاز المعني بقضية الشرق الأوسط والذي يعمل الى جانب مركز القوة الأساسي في البنتاغون.
التحقيقات
أما الموضوع الآخر الذي يفتّح عيون الغرب على لبنان فهو التحقيقات مع الإرهابيين الذين يقعون في أيدي الأجهزة الأمنية اللبنانية، حيث يرى الغرب فيهم خيطاً لاكتشاف عمليات أخرى تُحضَّر، كما يهتمون لتوقيف أفراد نفّذوا عمليات ضد أجهزة أوروبية أو أميركية، وهنا يكمن سبب تركيزهم الدائم على معرفة هويات الموقوفين.
إذاً بقدراتٍ أقل من اللازم، استطاع لبنان من خلال جيشه الوقوف في وجه الإرهاب، من خلال رصده ومتابعته المستمرة لتحركاته، وتخطيطه الدقيق لصد هجماته، حيث نجح في أكثر من عملية في الحصول على تنويه أهم البلدان التي أرسلت وفوداً للإطلاع على كيفية إحباط الجيش للمخططات الإرهابية، لا سيما هجوم القاع في حزيران الماضي وعملية “الكوستا” منذ نحو شهرين.