كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:
فيما النزاع الداخلي الأميركي يزداد ضراوة وانشغال الإعلام الأميركي في “حربه” المتصاعدة ضد الرئيس دونالد ترامب حيث كان لافتاً العنوان الذي زيّن الصفحة الأولى لصحيفة “نيويورك تايمز” “سفينة ترامب المثقوبة”، حظيت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن واللقاء الذي سيعقده اليوم مع ترامب باهتمام أميركي خاص وسط حفاوة.
زيارة الرئيس المصري لواشنطن تأتي ضمن سلسلة زيارات لممثلي دول عربية ما أعطى إنطباعاً بأنّ ملفات الشرق الأوسط تحظى بأولوية لدى إدارة ترامب التي “تفتش” عن انتصار خارجي لتوظيفه في النزاع الداخلي.
مصر مرشحة للعب دور كبير على مستوى الملف السوري وخصوصاً على مستوى ملف التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية الى جانب الأردن الذي سيزور ملكها واشنطن وكذلك سيزورها رئيس السلطة الفلسطينية.
في هذا الوقت، كان موفد ترامب جيسون غرينبلانت يفشل في تحقيق تقدّم مع إسرائيل. هو واكب أعمال القمة العربية والتي كان احد أبرز اهدافها إعادة تلميع شرعية الرئيس محمود عباس، وعقد لهذه الغاية سلسلة لقاءات مع زعماء عرب على هامش أعمال القمة. وعاد بعدها الى إسرائيل مستكملاً مفاوضات صامتة تتمحور حول وقف الاستيطان وهو ما رفضه صراحة بنيامين نتنياهو ملوِّحاً بدفع الوضع الإسرائيلي إلى انتخابات مبكرة تؤدي عملياً الى تجميد البحث في مشاريع التسويات واستهلاك الوقت والرهان عليه.
لكنّ إدارة ترامب التي ستبقي على المساعدات الاميركية السنوية لإسرائيل كما هي، ولن تجري عليها تخفيضاً كما سيحصل مع كل الدول الأُخرى المستفيدة بما فيها مصر والأردن، ستعمد وبنحو مفاجئ الى طرح خطة شاملة تتضمّن خريطة طريق سلام إسرائيلية – فلسطينية وستحمل عنوان: “إطار ترامب للسلام”، على ما تتوقع أوساط ديبلوماسية.
الاندفاع الأميركي ليس مبنيّاً فقط على الاستفادة من زخم وصول ترامب، ولا على الميزات التي يتمتع بها الرئيس الأميركي تجاه إسرائيل، ولا على الواقع العربي والإقليمي المساعد الذي يشكل فرصة تاريخية ممتازة لإسرائيل، بل ايضاً على تراجع منسوب التوتر والعداء بين إيران والسعودية، ما يرفع من احتمالات إحداث خرق سياسي في ملف التسوية حول سوريا قبل نهاية السنة الجارية. وكان لافتاً أنّ الحرب العنيفة الدائرة بين البلدين بالواسطة لم تنعكس على مقررات مؤتمر القمة العربية والتي جاءت وفق سقف سياسي مرن الى حدٍّ ما.
بالتأكيد هذا المناخ مختلف بنحو بعيد عن ذاك الذي كان سائداً العام الفائت. فمثلاً شكل إعدام السعودية للشيخ الشيعي نمر النمر مؤشراً واضحاً الى إرتفاع مستوى الاحتقان بين البلدين والرد عليه والذي دفع متظاهرين إيرانيّين الى تحطيم السفارة السعودية في طهران وإضرام النار فيها. وبعدها قطعت كل من الرياض والمنامة علاقتهما بطهران.
ولكن منذ تلك المرحلة التي شكلت ذروة التوتر في العلاقات بين البلدين، بدأت الامور تشهد خطوات مرنة مثل السماح للإيرانيين بأداء مناسك الحج هذه السنة بعدما مُنعوا من ذلك العام الفائت. وقبل ذلك زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الى كلّ من الكويت وسلطنة عمان والتي أتت في اطار استيعابي للتشنج الحاصل مع دول الخليج، لا كما فسّرها البعض يومها في إطار التحدي.
لذلك، يمكن إدراج انجاز التسوية الرئاسية في لبنان في هذا الاطار، وهو ما أدى إلى إزالة اعتراض “حزب الله” على عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، أما الآن فهناك همس في الكواليس الديبلوماسية عن لقاءات جانبية تُعقد بين مسؤولين إيرانيين وآخرين سعوديين في سلطنة عمان احياناً.
هذا المناخ الجدي الذي ظهرت بصماته على مقررات القمة العربية لا يزال من السابق لأوانه اعتباره بداية ثابتة لمرحلة جديدة. قد يكون بداية واعدة كما يصفها ديبلوماسي اوروبي. وسيشكل الملف السوري ساحة اختبار فعلية للسياسة الواقعية التي يمكن أن تذهب اليها العلاقات السعودية
– الإيرانية، اضافة الى الملف الفلسطيني والتصوّر الأميركي حياله.
وتعتقد الاوساط الديبلوماسية الأميركية أنّ إمساك الجيش السوري بكل حلب قد يكون شكّل نقطة التحوّل في السياسة السعودية ورؤيتها لمسار الامور مستقبلاً ولتصبح معها سياسة اكثر براغماتية وواقعية.
وحسب الاوساط نفسها، فإنّ نقص الاموال والازمات الاقتصادية الصعبة التي تكاد تخنق إيران والسعودية نتيجة التكاليف الباهظة للحروب التي تشعل ساحات المنطقة قد تكون سبباً اساسياً في التخلي عن سياسة التصعيد والذهاب الى مسارات اقل كلفة، ما يعني أنّ انخفاض اسعار النفط شكل سبباً اساسياً لخفض منسوب العدائية بين البلدين، وبالتالي فإنّ نقص الاموال وتفاقم الازمات الاقتصادية سيجبر الفريقين في وقت ليس ببعيد على الجلوس الى طاولة المفاوضات.
وتشكل الساحة السورية مكان اختبار متقدم للمنحى الجديد. وربما لذلك وجدت واشنطن أنّ الوقت حان للإعلان رسمياً عن عدم اعتراضها على بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا. وفي هذا الاطار ايضاً، يمكن تفسير عمليات نقل السكان بما يشبه “الترانسفير” الداخلي واعادة ترتيب الخريطة الديموغرافية في سوريا.
ومن هذه الزاوية ايضاً يمكن إدراج إعلان تركيا انتهاء عمليتها العسكرية في سوريا والتوقف عند الحدود التي وصلت اليها في مقابل تكريس دور الاكراد والتمهيد للفريق الذي سيرث دولة “داعش” في الرقة وعند المقلب العراقي.
ومن المفترض أن يشكل اليمن ساحة اختبار ثانية، وكذلك لبنان الذي يستعد للدخول في ازمة دستورية عنوانها الانتخابات النيابية والقانون الانتخابي الجديد الذي لا يحظى بفرص جدّية ليبصر النور.
ازمة قد تجد حلّها بتفاهم سعودي – إيراني مجدداً عنوانه انتاج مجلس نيابي جديد، ولكن وفق التوازنات الحالية، وهو ما يمنحه القانون المعمول به حالياً، او ربما بتمديد عمر المجلس النيابي الحالي سنةً إضافية وهو ما كان يطالب به تيار “المستقبل” في الكواليس السياسية ولا يزال.