كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
صعد في الآلية العسكرية، وتوجّه مع رفاقه الى الرويسات. كان يعلم أنّ وكراً من المجرمين ينتظره، وأنّ أشخاصاً ليس لديهم ما يخسرونه سيواجهونه، لكنه مؤمنٌ بالقضية وبأنّ الحياة تليق بالشجعان…فرّغ الرقيب أول شادي الحاج رأسه من كل الأفكار، تنفّس الصعداء، وشيئاً فشيئاً اقترب من الهدف، وما لبث أن نزل ورفاقه من الآلية، حتى فوجئوا بوابل من الرصاص ينطلق ناحيتهم ما إن طلب عناصر الدورية من المطلوبَين تسليم نفسيهما، توجّه بسرعة للإحتماء بالآلية… وإذ بالرصاصة تغدره… وفي هذا الإطار، تنشر «الجمهورية» معطيات جديدة عن عملية ليل الإثنين قد تكشف خيطاً مهماً في ما حصل.
لم ينزل خبر استشهاد الرقيب أول شادي الحاج خلال مواجهة مع إحدى العصابات التي «امتهنت» من بين ممارساتها سرقة السيارات في الرويسات كخبرٍ عاديٍّ على اللبنانيين، ففضلاً عن أنهم سئموا من هذه العصابات التي لم تستثنِ من شرّها أحداً، ليس عادياً أن يستشهد شبان في وجه أشخاص ليس لديهم ما يخسرونه، حيث إنّ مستقبلهم بأحسن حالاته سيكون في السجن.
ليس عادياً أن يخسر لبنان شباناً تطوّعوا لخدمته في معارك لا كفاية فيها بين الطرفين. فاللبنانيون سئموا من ذهاب عناصر قوى الأمن والجيش في معارك رخيصة بهذا القدر.
كما بات معروفاً فإنه بعدما توافرت معلومات الى مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية في وحدة الشرطة القضائية، عن وجود عصابة سرقة للسيارات ذات الدفع الرباعي، تستخدم سيارة جيب غراند شيروكي، وتتّخذ من محلة الرويسات في الجديدة مقراً لها لتنفيذ عمليات سرقات السيارات تمهيداً لنقلها إلى منطقة البقاع، رصدت قوة من المكتب هذه العصابة في محلة نزلة الرويسات الجديدة- نهر الموت، وأثناء مرور مطلوبَين من العصابة ليل الإثنين أنذرهما العناصر بالتوقف، فأطلق مَن بداخلها النار في اتجاههم، وصدم سائقُها آليتين عسكريتين لقوى الأمن وأخرى مدنية وحاولا الفرار، فردّ العناصر بالمثل ما أدّى الى إصابة مَن بداخلها وهما اللبنانيان س. دندش (1982)، ون. دندش (1989) اللذان نُقلا الى المستشفى للمعالجة حيث فارق الأول الحياة، فيما أوقِف الثاني.
وقد أصيب الرقيب أول شادي الحاج بطلق ناري في صدره وما لبث أن فارق الحياة في المستشفى، كما أصيب رقيب أول آخر بطلق ناري في قدمه.
حصد شادي خلال العملية ما زرعته مافيات السياسة منذ سنين من خلال بسط غطائها السياسي على مختلف العصابات، التي باتت اليوم أكبر من الدولة. أما عن السلاح المتفلّت فحدِّث ولا حرج… وما المعلومات الجديدة التي حصلت عليها «الجمهورية» عن العملية إلّا دليل إضافي على إستفحال انتشار الأسلحة في أزقّة العصابات ومنازلها.
مصادر مطّلعة كشفت لـ«الجمهورية» معطياتٍ جديدة تتحدّث عن فقدان القوّة المداهمة عنصرَ المفاجأة، ما طرح سلسلة تساؤلات، «فعدد المسلحين في الرويسات وطريقة إنتشارهم وإطلاقهم النار تدل على أنّ «كميناً ما» نُصب للقوة المداهمة»، وتضيف: «ما أن وصل عناصر الدورية حتى بادر المسلحون بإطلاق النار من كل حدبٍ وصوب، حيث إنّ كل المباني والشوارع شاركت في العملية لا المطلوبين فقط، وبدلاً من مفاجأة عناصر قوى الأمن للمسلحين حدث العكس، خصوصاً أنّ المنطقة مليئة بالمطلوبين بجرائم مختلفة ما بين سرقة سيارات ومخدرات وفرض خوّات، وقد ساهمت طبيعة شوارعها الضيقة واحتراف العصابة للإجرام بزيادة الخسائر في صفوف قوى الأمن، حيث إنّ كل سيارات القوة من مدنية وعسكرية استُهدِفت، وهو ما أدّى الى استشهاد عنصر وجرح آخر»، مشيرةً الى أنّ «التحقيقات بوشرت لمعرفة كامل تفاصيل ما حدث وتحديد المسؤوليات، تلافياً لتكرار حوادث مماثلة».
تحذيرٌ للسكان
«شباب ما حدا يمرق من الرويسات شكلو في كتير قواص»، بهذه العبارة حذّر أهالي الجديدة ومحيطها معارفهم من سلك طريق الرويسات بعدما وصلت أصوات الرصاص الى أبعد المسافات، ويقول أحد سكان المنطقة لـ«الجمهورية»، إنّ «منزلنا ليس قريباً من الرويسات لكننا فوجئنا مساءً بأصوات كمية من الرصاص وكأنّ البلاد في أشد حروبها، وقد استنتجنا أنّ معركةً كانت تحصل لا رداً عادياً يحصل في توقيفات مماثلة»، مضيفاً: «غالباً ما نسمع عن توقيفات في مناطق قريبة، لكن ما حدث تلك الليلة كان فعلاً مرعباً».
إذاً استُشهد شادي تاركاً خلفه وطناً لطالما آمن فيه، استُشهد غدراً من عصابات اعتقد، خاطئاً، أنها قد تحترم البزّة التي كان يرتديها. استُشهد تاركاً وراءه عائلة شجعته على دخول السلك العسكري إيماناً منها بالقضية، وتاركاً زملاء له باتوا لا يعرفون على مَن قد تقع القرعة غداً.
استُشهد شادي، وباستشهاده زادت قوى الأمن الداخلي تصميماً وقوة وقناعةً بأنّ المكان الوحيد لهؤلاء المجرمين هو فقط السجن، وزاد زملاؤه إصراراً على أخذ الثأر له ولكل مَن سبقوه لو بعد 100 عام.