دعا وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف، الى قيادة مبادرة انشاء نواة صلبة بين الاجهزة الامنية من مختلف الدول العربية لوضع آلية دائمة للتواصل والتنسيق وتبادل المعلومات من اجل مواجهة التحديات والاخطار التي تعصف بدول المنطقة، معتبرا ان “لا نجاة لدولة دون اخرى ولا نجاة فردية في مواجهة انهيار الدول”.
جاء ذلك في كلمة المشنوق التي القاها خلال انعقاد مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس وهذا نصها:” للمرة الثانية نلتقي هنا، في هذه البلاد الجميلة، بأهلها وناسها، والواعدة بإعتدال قواها السياسية، الرائدة في تجربة استيعاب الاحزاب السياسية العقائدية ضمن منظومة الدولة والمؤسسات وحكم القانون رغم التعقيدات والصعوبات والإخفاقات.
هي المرة الرابعة التي أتشرف فيها باللقاء مع الأخوة الزملاء وزراء الداخلية العرب، مستذكرا كل مرة وبالعبارات نفسها تقريبا ولي العهھدالسعودي الراحل الامير نايف بن عبد العزيز، امير الحكمة والعزيمة والبصيرة، الذي كانت جھوده في الاصل لاجتماع وزراء الداخلية العرب، ومؤسسة للتعاون العربي في المسائل الامنية والتنطيمية والقضائية صونا للاستقرار ومكافحة الجريمة.
هي تجربة رائدة، يتابع مسؤوليتها بأمانة ومثابرة صاحب السمو، الأمير محمد بن نايف، حارسا ووليا لعهد العروبة المسؤولة، الرحبة المتطلعة الى مستقبل آمن لهذه الهوية التي لا هوية لنا غيرها.
مثلكم، وأنا أتحضر لهذا الإجتماع عدت الى ملاحظاتي التي دونتها خلال لقاءاتنا السابقة، والى الكلمات التي قلتها هنا في تونس كما في مراكش والجزائر. الملاحظة المزعجة التي خرجت بها، أن ما يمكن اضافته اليوم في كلمتي هو الاشارة الى المزيد من التحديات التي تواجهنا، والمزيد من الأخطار التي تتهددنا. هل نجحنا في معالجة ما تداولنا بمعالجته في المرات الثلاث الماضية؟ هل نجحنا في نقل الحلول واليات العمل من مستوى التصور العام الى مستوي السياسات العملية؟
من الظلم أن نقول أننا فشلنا بالطبع. تبرؤنا من تهمة الفشل، إنجازات جدية، يعرفها كل وزير منكم في دولته وأعرفها أنا في لبنان، حيث نجحنا في توجيه ضربات استباقية للارهاب أنقذت لبنان من حمامات دم حقيقية، لكن الاستنتاج الغريب أنه بموازاة هذه النجاحات كبرت التحديات. وكبرت التهديدات، كأن هذا الارهاب وحش اسطوري، تقطع له رأس فينبت مكان الرأس رؤوس عدة.
الجديد هذا العام هو أننا أمام التحديات التي اشرنا اليها في المؤتمرات السابقة مضافا اليها تحديات اضافية، تكبر وتنمو لا بفعل الفشل الأمني، بل بفعل ديناميات ثلاث مستمرة ونشطة ومتحفزة ومترابطة.
أولا، إنهيار فكرة الدولة الوطنية الجامعة في المساحة الأكبر من العالم العربي. ولا داعي هنا لتعداد الأمثلة من سوريا الى ليبيا واليمن، وجزئيا العراق، الذي لا يزال يصارع لإستعادة بعضا من نصابه الوطني المفقود، ونتمنى أن يوفق، في المساعي المرعية عربيا لأن يجري المصالحات الوطنية المطلوبة ليسترد عافية العراق ومكانة العراق وعروبة العراق.
ثانيا، هي دينامية ندور حولها ونقول انها تدخل اقليمي لكنها بصراحة سياسة ايرانية معتمدة في المنطقة منذ سنوات طويلة ضمن تمدد يأخذ بعض الاحيان الشكل المذهبي المعسكر تشهد له الرعاية العقائدية والسياسية والأمنية والمالية لمئات الجهات في الدول المنهارة وفي الدول المرشحة للانهيار وحتى في الدول القوية الثابتة.
ثالثا، هي دينامية الغلو والتطرف، تارة بإدعاء الظلم من قبل الدولة وتارة بإدعاء مواجهة التطرف المذهبي المقابل، من دون ان تتوفر حتى الآن أطر جادة وفاعلة وعملية لما سميته في كلمات سابقة “استراتيجية الشجاعة الفقهية”. وهنا لا بد من ان اشكر مؤتمر وزراء الاعلام العرب الذي عقد في الشهر الخامس من السنة الماضية متبنيا اقتراحا تحدثت عنه سابقا في جلسة مماثلة بأن يكون هناك اطار فكري برعاية الازهر الشريف يتابع كل مسألة لمواجهة الفكر المتطرف في الاعلام والتلفزيونات وفي كل الوسائل المتاحة وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي لها دور اساسي، حتى لو اخذ هذا الكلام طابع المبادرة المصرية فأنا موافق سلفا.
هنا لا بد من التنويه بالتجرية الرائدة التي ترعاها دولة الامارات العربية المتحدة لجهة تحويل فكرة التسامح والاعتدال الي مؤسسات وديناميات في قلب المجتمع والدولة والمؤسسات. وأدعو الي إستلهام هذه التجربة وتعميمها وإعتمادها كخطة استراتيجية عربية بالتعاون مع مؤسسة الأزهر ومنظمة المؤتمر الاسلامي بالتحالف مع مبادرات رائدة في هذا المجال يحضرني منها الآن مركز المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ومبادرته للحوار بين المذاهب الإسلامية.
إن هذه الديناميات الثلاث، إنهيار الدول الوطنية، والتدخلات الإيرانية، وإزدهار الغلو والتطرف، تتحالف معا على أمن وإستقرار مجتمعاتنا وتهدد مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وبناتنا ومقدراتنا وهوياتنا الوطنية على نحو غير مسبوق في تاريخ هذه المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى وإنهيار السلطنة العثمانية.
ما تغير منذ التقينا هنا قبل عام، هو ولادة مشهد دولي جديد، أساسه وصول دونالد ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وهو رئيس يختلف جذريا عن سلفه، لا سيما في ما يتعلق بأولوياته وتوجهاته حيال منطقتنا وملفاتها.
والجديد ايضا أن الدخول الروسي العسكري الى سوريا قد أفرز معطيات ميدانية وسياسية جديدة في المشرق العربي، سبق ذلك عاصفة الحزم، وبعد مرور سنتين على إنطلاقها في اليمن العزيز قد أرست توازنا استراتيجيا مهما في مواجهة إيران من دون حسم الصراع لصالح الشرعية في هذا البلد حتى الآن.
نحن نتحرك أمنيا ضمن هذا الفضاء السياسي الاقليمي والدولي الذي يمكن إيجاز تحدياته بأنه يرشح منطقتنا الى مرحلة انتقالية قد تطول ولو لسنوات. إن خطورة المراحل الإنتقالية أنها تعطي متنفسا للديناميات الثلاث التي ذكرت. المشكلة الآن التي تحدث عنها بعض الاخوان انتهاء معركتي الموصل والرقة، وبدء الهجرة المعاكسة. وفي الحالتين فإن المخاطر الارهابية ستكبر بعد الموصل والرقة ولن تصغر.إزاء هذه الواقع، تتجدد الحاجة وتزداد الحاحا لإطار عربي صحي لمواجهة هذه التحديات.
لقد جاء في كلام سمو الامير محمد بن نايف على انه يتعذر الى حد كبير على اي دولة بمفردها ودون تعاون بقية الدول العربية معها ان تدفع رفع المخاطر عنها وان تصون وحدتها وان تحافظ على سيادتها وسلامها واستقرار شعبها. ان هذه الاهداف الاساسية لامن وامان المواطنين واستقرار الدول هو ما يجب ان يخدم تعاوننا جميعا.
لن اكرر الكلام عن التجارب السابقة عن مسألة التعاون الثنائي او التعاون الثلاثي اود ان اقترح بمناسبة هذا الاجتماع ان يقود صاحب السمو الملكي الامير محمد بن نايف مبادرة انشاء نواة صلبة بين الاجهزة الامنية من مختلف الدول الحاضرة، لن اسمي اي دولة سأترك لصاحب المبادرة،ان وافق عليها، ان يختار الدول التي يمكن ان تبدأ معها عملية تبادل معلومات جدية، بمعنى ان تشكل آلية دائمة للتواصل والتنسيق والتعامل مع الوقائع الجديدة، يمكن مناقشة طبيعة عملها والمناطق التي تمثلها. اتمنى ان يسجل الاقتراح في المحضر.
إن واحدة من دروس الحريق الكبير في الشرق الاوسط هي أن لا نجاة لدولة دون اخرى ولا نجاة فردية في مواجهة إنهيار الدول. ولا نجاة فردية في مواجهة التغول الايراني. ولا نجاة فردية في مواجهة فكر متطرف عابر للحدود وللهويات”.