كتب بسام أبو زيد
بعد كل الذي جرى ويجري على صعيد قانون الانتخابات لا بد من طرح السؤال الآتي: هل إن التسوية التي أتت برئيس للجمهورية وحكومة العهد الأولى، نصت على إجراء الانتخابات النيابية؟
سؤال أصبح مشروعا مع تسارع الوقت المؤدي الى الفراغ أو التمديد وكأن هناك بالفعل من لا يريد لهذه الانتخابات أن تحصل، وأن من يريدونها في المقابل عاجزون عن فرض خياراتهم وأنهم مجبرون على الاختيار بين شرّي الفراغ والتمديد تحت عنوان انتخاب المسيحيين لنوابهم، ما قد يؤدي وربما عن قصد الى شر ثالث ينسف اتفاق الطائف وتحديدا المناصفة فيه لصالح المثالثة.
إن هذا الجو موجود بالفعل، وغالبية الناس تسمع في المجالس الخاصة المختلطة بين الطوائف، وحتى على لسان بعض السياسيين والمسؤولين، انتقادا إسلاميا لكلام مسيحي يأتي بشكل خاص من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” حول حقوق المسيحيين في اختيار جميع أو غالبية نوابهم، فيأتي الرد ماذا لو طرح المسلمون المسألة العددية والتمثيل النيابي وفق نسبها ماذا سيبقى عندها للمسيحيين؟
في السياق الديمقراطي يعتبر هذا الطرح من الطروحات الجائزة، ولا يمكن لمن يعارضونه أن يتهموا أصحابه بالطائفية أو المذهبية أو التفريط بالوحدة الوطنية، لأن القاعدة في لبنان تقول إن الرد على أي طرح أو مطالبات طائفية سيكون بالمثل وأن من يتجاهل هذه الحقيقة سيدفع ثمنها.
إن على المسيحيين اليوم بذل كل ما في وسعهم أولا من أجل المحافظة على المناصفة العددية في مجلس النواب وإبعاد أي تهديد عنها، إذا كانوا قد اتعظوا من التجارب السابقة. فقبل اتفاق الطائف كان عدد النواب المسيحيين يتفوق على عدد النواب المسلمين، وقد خسر المسيحيون هذا التفوق لأن المسلمين أصبحوا أكثر من المسيحيين، وطبقوا بالفعل جزء من الديمقراطية العددية عندما قبلوا بالمناصفة.
اليوم يصارع المسيحيون، ولا سيما ثنائية “التيار” و”القوات” من أجل أن تكون لهم اليد الطولى في اختيار أكبر عدد من النواب المسيحيين، ولذلك يعمدون إلى تفصيل مشاريع انتخابية تجسد لهم هذا الحق، إلا أن أيا من هذه المشاريع لن يصبح حقيقة واقعة، لأن الشريك المسلم في الوطن لا يريد وبكل بساطة أن يتيح أي قانون انتخابي للمسيحيين التحكم مجددا بالسلطة في البلد، من خلال الإمساك بالفعل بمجلس النواب حيث ينتخب رئيس الجمهورية ويسمى رئيس الحكومة وتعطى الحكومات الثقة وتسن القوانين.
لقد حاول المسيحيون ولا سيما الثنائي القواتي- العوني الوصول إلى هذا الواقع من خلال المشاريع المختلطة بين النظامين النسبي والأكثري، فاحتفظوا بالأكثري حيث هم غالبية، وأقروا بالنسبي حيث يمكنهم التأثير غير مدركين أنهم أدخلوا في هذه اللعبة الانتخابية خطرا لا يريدونه، وهو خطر النظام النسبي الكامل الذي ترفضه “القوات اللبنانية” ويفترض أن يؤيدها في الرفض “التيار الوطني الحر”.
لقد استغل المعارضون العلنيون وفي الخفاء للثنائية المسيحية هذا الطرح لناحية الاستنتاج بأن من يقبل بنسبية جزئية لا بد وأن يقبل بنسبية كاملة، فإذا كان هناك من خطر سينجم عن هذا النظام فهو خطر موجود في النسبية الجزئية وفي النسبية الكاملة. وبالتالي تحول هذا الطرح إلى ما كان يشبه طرح تيار المستقبل الذي كان يرفض النسبية الكاملة لعلة وجود سلاح غير شرعي ولكنه يقبل في الوقت ذاته بنسبية جزئية مع السلاح وبأكثري جزئي مع السلاح أيضا.
أنه المأزق الذي لم تستطع تسوية الرئاسة والحكومة حله، فهل نحتاج إلى تسوية أكبر تخسر فيها المناصفة لصالح المثالثة؟