كتب وسام ابو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
لم يَحْرف “كيماوي الأسد” في خان شيخون الأنظار عن “صراع الفيلة” في بيروت، والموت السريع بـ “السارين” في سورية يوازيه انهيارٌ مريع في لبنان. فعلى الساحتين صراعٌ على السلطة، في الأولى بـ “صناديق الرصاص”، وفي الثانية بـ “صناديق الاقتراع”.
فبيروت المهجوسة بلعبة “القبور المفتوحة” على مرمى العين في سورية، بدتْ هي الأخرى على شفيِ “فوضى غير خلّاقة”، تحبس أنفاسها مع بلوغ لعبة “عضّ الأصابع” لحظة صراخٍ مجنون يهدّد البلاد باضطرابٍ مؤسساتي وسياسي ومال، وربما ما هو أدهى ايضاً.
ثمة “حروب صغيرة” تنفجر اليوم وغداً تحت قبة البرلمان وعلى وهجِ “حربٍ كبيرة” عنوانها قانون الانتخاب واسمه الحرَكي “الصراع على السلطة”… وسط “أكياس رملٍ” سياسية ومتاريس تشي بأن لبنان على موعد مع سيناريوات غامضة، الواضح فيها ان البلاد على مفترق صعب.
فمن الآن وحتى منتصف ابريل الحالي تتحدد اتجاهات الريح في لبنان، الذي يصاب بالتشاؤم كلما لاح 13 نيسان في الأفق، وهو الذي يتذكر مع كل سنة الصراع الذي تحوّل حرباً في الـ 1975 استمرّت نحو عقد ونصف عقد من الزمن الذي يعيد نفسه بأشكال وألوان.
على تخوم ذكرى الحرب، يتضح في 15 نيسان الخيط الأبيض من الأسود في مصير السلطة التشريعية، وسط ثلاثة خيارات لا رابع لها، إما “معجزة” الاتفاق على قانون جديد للانتخاب يملي تمديداً محدوداً للبرلمان الحالي الى حين إجراء الانتخابات، وإما شراء المزيد من الوقت للاتفاق على قانونٍ جديد عبر التمديد للبرلمان لنحو سنة، وإما لا هذا ولا ذاك، وتالياً الانزلاق الى الفراغ الذي يفتح البلاد على فوضى سياسية – دستورية في لحظةِ انعدام الجاذبية.
وفي الطريق الى هذا المنعطف الحاسم، رمى رئيس البرلمان نبيه بري، اللاعب الماهر، “قنبلتيْن” في مرمى الحكومة، واحدة “مسيلة للدموع” عبر جلسة المناقشة العامة اليوم وغداً، وثانية “دخانية” عبر رمي كرة قانون الانتخاب في أحضانها قبل حلول “لحظةِ الحقيقة” منتصف هذا الشهر.
ومن المرجح ان تتحوّل حكومة العهد الاولى برئاسة سعد الحريري “كيس ملاكمة” على مدى يومين من “سوق عكاظ” تُستخدم فيه البلاغة الكلامية و”الأسلحة المحرّمة” على الهواء مباشرة، وسط حماوةٍ سياسية منقطعة النظير تتمحور على الجبهات الآتية:
- قانون الانتخاب، كون البيان الوزاري للحكومة اقتصر على عنوانيْن أساسييْن، الموازنة والانتخابات، وتالياً سيصار الى تحميل الحكومة المسؤولية في الحاجة الى الإسراع في التفاهم على قانون انتخاب جديد، او “وزر” الإعداد لسيناريو التمديد للبرلمان.
- خروج “الأجواء المكهْربة” بين “التيار الوطني الحر” (حزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) وحركة “أمل” بزعامة بري الى العلن عبر اتجاهِ “أمل” لإثارة شُبهة وجود “صفقات مشبوهة” في ملف الكهرباء في ضوء الملابسات التي أحاطت بالاقرار “المبدئي” لخطة الإنقاذ الكهربائية في الحكومة.
- تَحوُّل جلسة المناقشة ميداناً لـ “تصفية الحساب” بين حركة “أمل” و”تيار المستقبل”، بزعامة الحريري، بعدما عمد وزير المال (من أمل) علي حسن خليل الى حجب المخصصات السرية لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وأجرى تشكيلات في وزارته أبعدت محسوبين على “المستقبل”، وذلك في ردٍّ على تعيينات “مهنية” أجراها المدير العام الجديد لقوى الامن اللواء عماد عثمان ولم يأخذ فيها في الحسبان برغبات “امل” و”حزب الله”.
- بلوغ “الشعبوية” أعلى مستوياتها في مناقشة ملفات حيوية كسلسلة الرتب والرواتب والموازنة والضرائب وما شابه من قضايا تفتح شهية النواب على عراضات كلامية للتجييش في زمنٍ انتخابي.
ومهما بلغتْ هذه “الحروب الصغيرة” من مستوياتٍ حامية، فهي لا تعدو كونها معارك “مقنّعة” في حربٍ أعمّ تدور رحاها حول قانون الانتخاب الذي شهدتْ المواقف حياله أخيراً مزيداً من “التخنْدق” السياسي والطائفي ما ينذر ببلوغ عملية “ليّ الأذرع” أوجها.
ولعل أبرز مظاهر هذا “التخنْدق” وعوارضه يمكن رصدها على النحو الاتي:
- رسْم الثنائي المسيحي المتمثّل بـ “التيار الحر” وحزب “القوات اللبنانية” خطاً أحمر حيال مسألتين: الرفْض الحاسم لاعتماد قانون انتخاب يقوم على نظام الاقتراع النسبي الكامل (مطلب الثنائي الشيعي) والتمسك بصيغة المختلط (الأكثري والنسبي) التي قدّمها وزير الخارجية جبران باسيل، والرفض القاطع لأي تمديدٍ من خارج قانون جديد.
- رسْم الثنائي الشيعي، اي حركة “امل” و”حزب الله” خطاً أحمر حيال مسألتين ايضاً: رفْض حاسم لصيغة باسيل والتمسك بالنسبية الكاملة في اطار دوائر موسعة، ورفض اي فراغ في السلطة التشريعية “لان من شأن ذلك تطيير البلد” بحسب تعبير الرئيس بري.
وفي الوقت الذي ما زال يكتنف الغموض الخيار النهائي لـ “تيار المستقبل” من المنازلة المسيحية – الشيعية بـ “الصيغ” والتي تعبّر عن “استحالتين لا تصنعان تسوية”، فإن الحريري سيكون أمام اختبارٍ صعب مع الاتجاه الى رمي “كرة النار” في ملعب حكومته التي يطالبها بري باتخاذ زمام المبادرة في الاتفاق على قانون انتخاب “توافقي” وبمعزل عن التصويت.
والسؤال الذي لن يجد جواباً عليه “قبل وقته”، هو كيف يمكن الحكومة، التي يفترض ان تعقد جلسة مخصصة لقانون الانتخاب يوم الاثنين المقبل، ان تنجح في ما عجزتْ عنه القوى السياسية على مدى ثمانية أعوام؟ وما الخطوة التالية لتفادي الفراغ في حال الفشل في التوصل الى قانون جديد؟
ثمة مَن يتحدث في هذا السياق عن ان “توازن الرعب” الذي قد يطيح بمهلة 15 نيسان من دون قانون ولا تمديد سيضع البلاد فوق “فوهة” خطر انفجار حقيقي مداه الزمني 20 حزيران، اليوم الأخير في عمر البرلمان الحالي.