كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:
سقط شهيدان لقوى الأمن الداخلي في الضاحية الجنوبية لبيروت في خلال أقل من أسبوع لحد الآن. التوقيفات لم تتوقف، والحراك الأمني في أوجه على مختلف الأراضي اللبنانية، لكن هل ستُستكمل الحملة الأمنية حتى النهاية لتنظيف الضاحية من جميع المطلوبين؟
قَتَلَ مطلوب دركياً في أثناء عملية دهم في منطقة الأوزاعي. شهيد قوى الأمن عفيف جفعر ليس الأول الذي يسقط، بل سبقه شهيدٌ آخر في خلال أقل من أسبوع. أما المشتبه فيه عيسى المقداد، الذي أطلق النار في أثناء محاولة توقيفه أمس، فهو من ذوي الأسبقيات الجرمية، وكان قد خرج من السجن منذ نحو شهر.
حادثة يمكن أن تتكرر في كل لحظة تنفّذ فيها القوى الأمنية عملية دهم أو تُقيم كميناً لتوقيف مطلوب خطير، رغم أنّ عناصر قوى الأمن نفسهم أوقفوا في خلال أقل من سنتين نحو ٣ آلاف مطلوب في نطاق جبل لبنان، من دون أن يسقط شهيد واحد، باستثناء وقوع إصابتين سجلتا في صفوف عناصرها في أثناء تبادل لإطلاق نار مع مطلوبين. غير أنّ ما يستوقف في حادثة الأوزاعي، أنّها جاءت بعد ٤٨ ساعة على سقوط شهيد للمديرية نفسها في أثناء عملية دهم لمطلوب، واقترانها مع انطلاق الحملة الأمنية في الضاحية الجنوبية منذ أيام.
ورغم أنّ كيل أهل الضاحية قد طفح منذ زمن، إلا أنّ السنوات الماضية لم تُسجّل قراراً جديّاً لدى أحد باستئصال المجرمين أو “تنظيف” المنطقة من الخارجين عن القانون. كانت الأزمة تُرحَّل في كل مرة، رغم أنّ آفة المخدرات طرقت باب كل حيّ في الضاحية الجنوبية. لكن، كان لسان حال المعنيين أنّه لم يحن أوان فتح هكذا مواجهة بعد. ساعد على ذلك، اندلاع الأحداث في سوريا وما أنتجته من إعلان الإرهاب حربه على بيئة حزب الله في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع. لذلك، كانت الأولوية مواجهة الإرهاب قبل أي شيء، باعتباره خطراً وجودياً، ولا سيما بعد سلسلة العمليات الانتحارية التي أزهقت أرواح عشرات المدنيين. غير أنّ الأحداث الأمنية في خلال الأيام الماضية توحي بأنّ قرار “تنظيف” الضاحية الجنوبية لبيروت من المطلوبين لم يكن يوماً أكثر جديّة مما هو عليه اليوم. يعزز هذا الاحتمال الحصيلة الأولية لهذه العملية من ناحية النوعية والكمية. فقد سجّلت القوى الأمنية في خلال فترة قياسية توقيف أسماء، ذاع صيتها في عالم الجريمة، بعدما كان يعتقد كثيرون أنّ مظلة سياسية أو حزبية تحميهم. ولا سيما أنّها ترافقت مع تحرّك من قبل قيادة حزب الله لتوفير الغطاء للأجهزة الأمنية حيناً، والمساعدة أحياناً في توقيف مطلوبين. ورغم أنّ مصادر أمنية تستبعد المضي في الخطة الأمنية حتى الإجهاز على آخر مطلوب في الضاحية الجنوبية خشية اندلاع اشتباكات داخلية بين عشائر من جهة وحزب الله والقوى الأمنية من جهة أخرى، إلا أنّ مصادر مواكبة لمسار الخطة الأمنية تكشف لـ”الأخبار” أن مجموعة عوامل تضافرت لنضج الخطة الأمنية. فالحراك الأمني للأجهزة تعزز بعد سلسلة التعيينات الأمنية. أما تسجيل كل من جهاز أمن الدولة وقوى الأمن الداخلي نشاطاً استثنائياً ملحوظاً على صعيد مكافحة الجريمة الفردية، فتردّه مصادر في قوى الأمن الداخلي إلى وقاحة المطلوبين التي تجاوزت كل حد في استفزاز أجهزة الدولة. وفي هذا السياق، يستعيد أحد الضباط واقعة ظهور أحد تجار حشيشة الكيف على قناة “بي بي سي” البريطانية مفاخراً ومتحدياً. تليها ظهورات متكررة لمطلوبين بجرائم مختلفة على القنوات التلفزيونية المحلية. كل ذلك شكّل استفزازاً لكل من حزب الله والأجهزة الأمنية ودافعاً لاتخاذ القرار بالتحرك. وما يسري على الضاحية، ينطبق أيضاً على البقاع الشمالي. لكن، رغم الجدية، واجهت الخطة الأمنية ثغرة أساسية: عشرات المطلوبين البارزين تواروا عن الأنظار. وبعضهم فعل ذلك قبل ساعات على دهم منزله. خفض هؤلاء رؤوسهم، كما كانوا يفعلون في كل مرة، فهل يبقون في أمان حتى انتهاء الحملة، أم أنها لن تُقفل إلا بتوقيفهم؟