IMLebanon

زاسبيكين: سقوط الاسد خط احمر

 

كتب جورج عبيد في صحيفة “الديار”:

مشهد الطفولة المشلوحة بين أنياب الموت في خان شيخون في إدلب أبكى الحجر قبل البشر، ليس من عقل أو لسان يملك رؤية وكلمة إلاّ وأحس بعمق الفاجعة وبهتك الحقّ الإنسانيّ المحجوب عن ضمائر الدول بكلّ ما للكلمة من معنى.

تجيء تلك المجزرة في لحظة كاد العالم بقطبيه الأميركيّ والروسيّ أن يتوحد على تكوين تسوية لسوريا تعيد إليها وجهها بعد طول انحجاب. المفارقة الملموسة والفاقعة، الصادرة من جوفها، وكما رأتها أوساط دبلوماسية، أن تظهر توّاً وبعيد تصريح وزير الخارجيّة الأميركيّة ريكس تيلرسون في أنقرة حيث وجّه رسالة صارمة لرجب طيّب أردوغان أعلن فيها أنّ مصير الرئيس بشار الأسد يقرّره شعبه، وأعلن فيها وقف عملية سدّ الفرات، وأكّد بدوره دعمه لحرب الأسد على الإرهاب، وجاء كلامه متلازماً مع تصريح للمندوبة الأميركيّة في الأمم المتحدة نيكي هايلي التي بدورها كرّرت الموقف عينه.

تستخلص الأوساط الدبلوماسيّة وبناء على معطيات ومعلومات واردة، أنّ من ارتكب تلك المجزرة الخطرة في مدلولاتها إنّما شاء من خلالها تعويم نظام أردوغان في تركيا وفكّ عزلته، وإعادة السعوديّة وقطر إلى الملعب السوريّ، كما شاء في الوقت نفسه إرباك الإدارة الأميركيّة الجديدة بالمفهوم الجديد الذي أطلقته في الحرب على الإرهاب، وجذبها إلى صدام جديد مع روسيا بإثارتها عاطفيّاً ووجدانيّاً بمشهد الأطفال المقتولين ظلماً من أجل الاستهلاك العبثيّ وإطالة الأزمة في الحرب السورية.

شهود عيان لفتوا النظر بالصور المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعيّ، الى ان المكان المقصود بالغارة يفترض أن لا يتجمهر الأطفال حوله للعب، فكيف وجدوا وقتلوا هناك؟ إنه مصنع للغاز على ما ظهر، ماذا كان يفعل الأطفال هناك؟ هل أتوا بالصدفة أو أنّ «جبهة النصرة» عمدت الى المجيء بهم إلى خان شيخون؟ وقد ظهر على «التويتر» كلام صادر عن مراسل «الأوربت» فراس كرم وقبل أربع ساعات من المجزرة يقول فيها ما يأتي: «غدًا انطلاق حملة إعلاميّة لنقل كثافة الغارات الجويّة على ريف حماه واستخدام  الكلور السام ضد المدنيين»، كيف عرف المراسل المذكور بهذه المعلومة بحسب ما روى الشهود؟

وبالعودة إلى الأوساط الدبلوماسيّة فقد كشفت أنّ ثمّة مسعى بدأ ما بين القوى المتضررة من التلاقي الأميركيّ-الروسيّ لحلّ الأزمة وهي السعوديّة وقطر وتركيا ضمناً إسرائيل لإيجاد ثغرة واضحة قابلة لأن تكون مفتوحة على عناوين صدامية جديدة وجديّة تتموضع فيها تلك القوى على الأرض السوريّة لاستكمال حربها على سوريا، ولعلّ تركيا هي الأكثر ضرراً وعزلة، فكان لا بدّ من تماهي تلك الغارة مع الموقف الأميركيّ الصارم الذي أبداه تيلرسون للأتراك. وتشير تلك الأوساط الى أنّ الدول المترابطة في هذا الحدث انطلقت من معطى متبلور شديد الاضطراب داخل الإدارة الأميركيّة، المأزومة جدّاً بفعل الحرب عليها من الداخل الأميركيّ ومن الدول الأوروبية نتيجة عوامل عديدة، وارتكزت بإفراز مشهد وإظهاراه بصورة درامية وتراجيديّة  تهيمن على شخصيّة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الديماغوجيّة محدثة بمشهد الأطفال صدمة نفسية تنقله من جبهة إلى أخرى، من جبهة الحرب على الإرهاب إلى جبهة الحرب على النظام.

وفي حقيقة الأمر، فإنّ التدقيق بالمشهد يكشف انّه غير واقعيّ ويزوّر الحقيقة بطبيعتها وجوهرها، فقد قارن أحد الخبراء بين مجزرة غوطة دمشق سنة 2013 ومجزرة خان شيخون منذ يومين ليقول أنّ السيناريو المتبع هو عينه بلا تبديل ولا تغيير، فقد زعم العالم الأميركيّ مع باراك أوباما والأوروبيّ أنّ النظام استخدم في مجزرة دوما غاز السيرين، والضحايا هم أطفال اختنقوا بالغاز، وتوعّد أوباما الأسد بضربه وقصفه وبقي العالم ينتظر صواريخ «التوماهوك» تمرّ من المتوسط وفوق بيروت والجبل باتجاه قصر المهاجرين وقلب العاصمة ولم يحصل ذلك لأن الوثائق الدامغة التي كانت بحوزة روسيا وبحوزة الأمم المتحدة أثبتت براءة النظام من هذه المجزرة وأوقفت التهديد الأميركيّ بذكاء مفرط من الرئيس فلاديمير بوتين، واتضح ان المصنع الكيميائيّ كان بحوزة «جبهة النصرة» وهي من افتعلتها وألصقتها بالنظام. المشهد عينه كررته «جبهة النصرة» في إدلب، والإدارة الروسيّة وبحسب معلومات واردة من قلب موسكو بدأت تمتلك وثائق واشرطة تدلّ وبلا التباس على دور «جبهة النصرة» المباشر بتنفيذ المجزرة وجلب الأطفال وقتلهم بهذه الوسيلة الوحشيّة سواء كانت بغارة من الجوّ أو بطريقة اخرى لإحداث ثغرات في هذه المسألة. وتقول المعلومات، ليس عن عبث طالبت البعثة الروسيّة مجلس الأمم بتأجيل النقاش لإصدار القرار، فالروس يتعاطون مع ملف دقيق كهذا بحرص ودقّة بوجود خبراء ومحللين مختصين. وتضيف المعلومات أنّ وزير الخارجية الروسيّ سيرغي لافروف سيصطحب معه الأدلّة الدامغة التي تقول بعدم وجود أيّ تورّط للرئيس السوريّ بشّار الأسد في هذه المجزرة، ليصار إلى التباحث بشأنها، وإذا أصرّت الدول الثلاث أميركا وبريطانيا وفرنسا على صدور قرار فإنّه سيواجه بفيتو.

والغرابة كما تظهر المعلومات مقارنة مع أخرى، أنّ الغارات التي شنتها الطائرات الروسيّة والسوريّة ضدّ أهداف إرهابيّة عائدة لتنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» قضت على مقاتلين تابعين للتنظيمين المذكورين، وكانت صورهم تظهر تباعاً مع كل عمليّة أو هدف، وفجأة وفي خان شيخون ظهر الأطفال قتلى ولم يظهر مقاتل واحد من تلك التنظيمات المذكورة، ألا يدعو ذلك للعجب الباهر بحسب مصادر ديبلوماسية وأمنية مواكبة، ألا يدعو هذا الأمر للاستغراب والتفكير المليّ المشوب بشكوك شرعية ومحقّة؟!

لقد رأت مصادر السفير الروسيّ في بيروت ألكسندر زاسبيكين أنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في مأزق كبير، الرجل صادقاً كان في كلامه على الإرهاب وفي دعمه الرئيس السوريّ بشار الأسد في الحرب على الإرهاب، والإدارة الروسيّة متفقة معه على هذا الهدف وقد توصل الفريقان إلى اتفاق جذريّ على إنهاء الأزمة السوريّة والبلوغ نحو تسوية حقيقيّة وجذريّة لها، لكن ما يحصل وبحسب تلك المصادر أنّ ثمّة أفرقاء في أميركا مثل وكالة الاستخبارات الأميركيّة وسواها تحارب ترامب في مسعاه الصادق وترفض التعاون بينه وبين روسيا حول هذه المسألة مما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا على مستوى الحلّ. وتروي تلك المصادر وبناء على مقالة نشرت في بيروت كيف أن السفارة الأميركية في بيروت مع سفيرتها حاولت منع نائبة في الكونغرس الأميركيّ من أخذ مواعيد مستقلّة بين بيروت ودمشق وهي جاءت بالتوافق مع الرئيس، لتخلص إلى القول أنّ السفارات الأميركية أو بعضها لا تأتمر بالإدارة أو ربما بوزارة الخارجيّة بل بوكالة المخابرات الأميركية وجهات أخرى.

وتتوقّع مصادر زاسبيكين وبناء على مؤشرات عديدة اشتداد الأزمة في الداخل السوريّ وإطالتها وازدياد الضغوط على الرئيس بشار الأسد. الموقف الروسيّ الداعم للرئيس السوري لن يتغيّر البتّة، وستتم مواجهة تلك الخطّة اللعينة بمزيد من الثبات إلى أن يتمّ إحباطها، فسقوط بشار خطّ احمر، واللقاء بين وزيري خارجية البلدين في هذا الخصوص سيكون حاسماً في الوصول إمّا الى قناعة مشتركة يكتشف فيها ترامب انّ حكمه على النظام بشأن المجزرة كان خاطئاً فتعود الجهود لتتوحّد أو سنشهد لحظات جديدة حافلة بالتصعيد والتصعيد المضاد.

وخلاصة الأمر موقفان يقودان إلى عبرتين:

1- الموقف الأوّل للمثلّث الرحمات البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم أظهره في حديث له قبل وفاته بأسبوعين لكاتب زاره في مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت قال فيه: «هل تعرف جيّداً بشار الأسد؟ لا تصدّق ما يقال عنه من سفالات وسخافات، هذا رجل لا يعرف القتل، وأنا أعرفه جيّدًا منذ كان صغيراً، بشّار بعكس ما يتصوره بعضهم، تربى في لندن، وتزوج بسيدة راقية ومحترمة من أسرة عريقة وعنده أطفال صغار، هذا الإسقاطات اللفظية يا صديقي ما هي سوى ترهات وتتجلى في فلسفة خبيثة تهدف إلى تدمير سوريا ومحو حضارتها وتغيير ثقافتها وتفتيت مكوناتها، لا تصدّق بأن هدف الحرب إسقاط بشار، فبشار كان عاكفاً على التطوير وقد مارس ذلك بالفعل بتقديم جرعات من الليبرالية الاقتصادية الحديثة، وقد دخلت مصارف ومدارس لبنانيّة وجامعات أجنبيّة إلى مدن كحمص ودمشق وحماه… من منع بشار هم من انقلبوا عليه، وقد أشار إلى عبد الحليم خدام. هم من انقلبوا عليه، والهدف القضاء على سوريا، أفرغوا فلسطين من محتواها، ولم يستطيعوا القضاء على لبنان وقد كان متنفّسًا للعرب أجمعين بعد حرب طويلة انتهت بتسوية، فانتقلوا إلى سوريا لتنفيذ المخطّط فيها الآيل إلى تفتيت بناها، وبلوغها نحو التغيير الديموغرافيّ. المسألة أخطر من إسقاط بشار المسألة عنوانها سقوط سوريا، ومتى سقطت سهل تهجير المسيحيين وسلخهم من المنطقة، وسهل بالتالي القضاء على التنوّع في لبنان كآخر معلم للحريات وللوجود المسيحيّ، إنتبهوا لا تغالوا في الكلام المتطرّف والعدائيّ كثيراً».

2-الموقف الثاني لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون حين قال: «الجميع قتلى الجميع جرحى…» الحرب في سوريا أثبتت أنّها عدمية وهي أبعد من إسقاط النظام بل هي تهدف الى اسقاط سوريا للوصول إلى منطقة ممزقة وأرض محروقة… والعبرة لمن يعتبر.