كتب المحرّر السياسي في صحيفة “المستقبل”:
مع بداية “أسبوع الآلام”، غداً الإثنين، يبدأ العدّ العكسي لـ”قيامة” قانون الانتخاب، وسط مخاض يتوقّع أن يكون الأصعب منذ العام 2008 موعد ولادة القانون الساري المفعول حتى الآن، مدجّج بخارطة تناقضات أكثر تعقيداً من تلك التي نَخَرت كلاً من معسكري 14 و8 آذار إبان تسوية الانتخابات الرئاسية.
وإذا كانت هذه التناقضات كشفت عن وجهها “على الهواء” خلال جلسة مناقشة الحكومة يومي الخميس والجمعة الماضيين، التي كانت “بروفا” لجلسة مجلس الوزراء غداً الإثنين، فهي أعادت ترسيم لاءات أو سقوف أو خطوط حمر ثلاثية الأبعاد يُفترض أن تظلّل المخاض العتيد وهي: لا للفراغ، لا للتصويت، لا لقانون الستّين.
هذه السقوف تفترض الكتل النيابية التي تناوبت على تحديدها أنها ستمثّل الأرضية البديهية لرئيس الحكومة سعد الحريري ولكل القوى المعنيّة بولادة قانون انتخاب جديد، لإطلاق خارطة طريق نحو تسوية يُجمع المتابعون المباشرون لمقدّماتها بأنّها تحتاج الى “تنازلات من الجميع”، وأن الجميع أصبحوا قاب قوسين من الجهوزية المطلوبة لتقديمها.
فالرئيس الحريري الذي أبدى أول من أمس على هامش الجلسة “استعداده” للموافقة على “النسبية الكاملة”، تقاطع في المواقف التي أطلقها داخل الجلسة مع مواقف قوى وازنة مختلفة وإن كانت متناقضة في ما بينها، بما يمكّنه من التقاط مفاصل التسوية المطلوبة، مع رفضه “الفراغ” كما هو تماماً موقف الثنائي الشيعي، ورفضه أيضاً التصويت على القانون ودعوته الى “التوافق” انسجاماً مع موقف رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط، وتمسّكه بولادة قانون جديد بالتماهي مع موقف الثنائي المسيحي.
أما رئيس مجلس النواب نبيه برّي الأكثر “توجّساً” من العهد الجديد بفعل فقدان “الكيمياء السياسية” بينهما، والذي تعزّز مع تلويح الأخير بـ”الفراغ”، بدا كعادته أثناء مناقشة الحكومة “أستاذاً” في ضبط مسارها، مع اكتفائه بتوجيه ملاحظة “ودودة” لوزير الطاقة سيزار أبي خليل تتعلّق بكيفيّة مخاطبته للنواب.وفي ما بدا حرصاً منه على حماية التسوية الداخلية، رغم دفاعه عن النظام السوري وقلقه من “رهان” بعض الداخل على نتائج الضربة الأميركية ضدّه، ورغم انتقاده العالي النبرة لـ”الفراغ”، حرص “حزب الله” على طمأنة المسيحيين من جهة، وعلى إطلاق إشارات “ودودة” تجاه الرئيس الحريري (النائب علي عمّار) من جهة ثانية، مع دفاعه عن الطائف “وثيقة الوفاق الوطني”، مراراً وتكراراً، وصولاً الى إصراره على تسمية مطار بيروت مطار “الشهيد رفيق الحريري”، مروراً بالإشادة بمواقف رئيس الحكومة خلال مؤتمر بروكسيل.
وإذا كان الحزب “التقدّمي الاشتراكي” تمسّك بمربّعه الأوّل الضامن لموقعه ومكانته في أي تسوية، مع إصراره على “التوافق” بدلاً من التصويت في جلسة مجلس الوزراء العتيدة (النائب وائل أبو فاعور)، فإن الثنائي المسيحي جاهر بالتمسّك بمربّعه الجديد أحد أبرز مواليد “تفاهم معراب”، أي رفض قانون الستّين والتمسّك بإقرار قانون جديد، وإن استعان أحد ركني هذا الثنائي بورقة التلويح بـ”الفراغ” أو “التصويت بدل التوافق” لتعزيز أوراق التفاوض.
يبقى السؤال: هل يكفي التوفيق بين السقوف المشار إليها لإنجاب قانون للانتخاب؟
بالطبع لا، ذلك أنّه يحتاج الى مروحة تنازلات تقنية، لكن وفقاً للصيغة التي يمكن اعتمادها، فلكل صيغة حساباتها وتنازلاتها التي تتطلّبها أية تسوية. فهل تنجح اتصالات “الويك أند” لتنجب قانوناً في جلسة الغد، أم أنّ الجلسة العتيدة ستكون نقطة الانطلاق في مسيرة الألف ميل حتى الخامس عشر من نيسان الذي يفترض أن يكون الموعد الأخير للقانون؟