نفَّذ الطيران السوري غارات بالغاز الكيميائي على بلدة خان شيخون قرب إدلب يوم الثلاثاء الماضي، ليتسبب بمجزرة جديدة هزت وجدان العالم، فيما استيقظ العالم فجر الجمعة على رد أميركي عسكري هو التحرك الأول من نوعه منذ بدأت الثورة السورية قبل ستة سنوات.
وثارت الكثير من التساؤلات بشأن ما حدث خلال الساعات المعدودة التي فصلت بين المجزرة وبين الرد الأميركي، وما الذي دفع الرئيس دونالد ترامب الى اتخاذ قرار بتنفيذ أول عملية قصف ضد مواقع عسكرية تابعة لقوات الأسد.
وتمكنت جريدة “نيويورك تايمز” الأميركية من كشف أسرار الساعات الـ63 التي أمضاها ترامب من لحظة سماعه بنبأ المجزرة الى لحظة تنفيذ الضربة العسكرية التي شكلت تطوراً بالغ الأهمية في الأزمة السورية، وفي مسار الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط.
وتقول الصحيفة في تقرير إن ترامب كان مصدوماً من الصور التي عرضها موظفو البيت الأبيض عليه وتتضمن مشاهد لأطفال يموتون متأثرين بالأسلحة الكيميائية التي استخدمها النظام السوري في قصف بلدة “خان شيخون”، وهو ما جعله لا يحتاج الكثير من الوقت أو الكلام ليقتنع بضرورة الرد على المجزرة.
وقال ترامب للصحافيين: “ما حدث في سوريا هو بحق جرائم فظيعة وما كان يجب أن تحدث”، وأضاف: “يجب عدم السماح بحدوث مثل هذه الجرائم”.
وتكشف “نيويورك تايمز” أن ترامب اتخذ بعد ساعتين فقط من علمه بالمجزرة الكيمائية قراراً بقصف قاعدة الشعيرات العسكرية التابعة لنظام الأسد في غربي سوريا والتي انطلق منها الهجوم الكيميائي على “خان شيخون”، وأمر بقصفها بـ59 صاروخاً من طراز “توماهوك”. وأشارت الى أن جنرالات عسكريين أميركيين اقترحوا على ترامب خيار تأجيل الضربة ليوم إضافي، لكنه رفض، وتم تنفيذ الغارات الأميركية على الموقع بعد 63 ساعة بالضبط على ارتكاب المجزرة.
وبحسب المعلومات التي خلصت اليها الصحيفة من داخل دوائر صنع القرار في واشنطن، فان تفاصيل ما حدث خلال الـ63 ساعة المشار اليها من لحظة ارتكاب المجزرة الى لحظة تنفيذ الرد الأميركي كانت كما يلي:
– صباح الثلاثاء الرابع من نيسان 2017: نفذ الطيران السوري غارات على بلدة “خان شيخون” بالقرب من مدينة إدلب، وسرعان ما تسربت مقاطع الفيديو والصور التي تُظهر سقوط عدد كبير من النساء والأطفال بالغاز الكيميائي، حيث بدا واضحاً وبسهولة من الصور ومقاطع الفيديو أن الضحايا قضوا متأثرين بغاز السارين الذي يسبب اختناقاً قاتلاً وانقطاعا في التنفس وخروج رغوة بيضاء من الفم، وسرعان ما توفي الأشخاص الذين استنشقوا الغاز.
– الثلاثاء10:30 صباحاً: عقد ترامب اجتماعاً في البيت الابيض مع كبار مستشاريه العسكريين ومستشاري الأمن القومي، حيث بدا الرئيس مهتماً بمعرفة من هو المسؤول الحقيقي عن الهجوم الكيميائي، وكان لديه العديد من الأسئلة التي أعطت انطباعاً بأنه يرغب بفهم ما الذي حدث بالضبط.
ويقول مساعدو الرئيس الأميركي إنه حضر الثلاثاء العديد من الاجتماعات المهمة التي تعلقت بجملة قضايا داخلية مثل التأمين الصحي والبيئة وملفات أخرى، إلا أنه ظل متأثراً بالصور التي شاهدها وخاصة الأطفال الصغار والرضَّع الذين كانوا يموتون أمام الكاميرات بسبب الغاز الكيماوي.
– الثلاثاء بعد الظهر: قرأ المستشار الصحفي في البيت الأبيض سين سبايسر بياناً أدان فيه الحكومة السورية، وألقى باللوم على إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة لأنها لم تقصف النظام السوري في العام 2013.
– الثلاثاء/ الساعة 8:00 مساء: مساعدو الرئيس ترامب لشؤون الامن القومي اجتمعوا في البيت الأبيض بحضوره لبحث الخيارات. ثم رفعوا توصياتهم لمستشاري السياسة الخارجية الذي بدأوا بتدقيق ومراجعة الخيارات مع الوكالات المختصة في الولايات المتحدة.
– الأربعاء الخامس من نيسان صباحاً: أعضاء في مجلس الامن القومي الأميركي وصلوا الى البيت الأبيض لمراجعة العمل الذي تم في الليلة السابقة. وفي تلك الأثناء كان مسؤولون أمنيون وعسكريون يواصلون التحقيق في الهجوم الكيميائي ووصلوا الى قناعة بأن الرئيس بشار الأسد هو المسؤول عن الهجوم. وقال الجنرال ماك ماستر لاحقاً إن “مستوى الثقة بدأ يتنامى ساعة بعد أخرى بأن الاسد هو المسؤول عن الهجوم”.
– الأربعاء ظهراً: أصدر الرئيس ترامب أول إشاراته بشأن سوريا وقال للصحافيين إن “الهجمات لا توصف”. فيما كان مستشارو ترامب يجمعون التفاصيل عن الهجمات التي استهدفت المدنيين.
– الأربعاء/ الساعة 1:15 ظهراً: قال ترامب خلال مؤتمر صحافي مع الملك الأردني عبد الله الثاني في حديقة البيت الأبيض إن صور “الأطفال الأبرياء، والرضع الأبرياء” الذين قضوا بالغاز السام كانت مرعبة، وأكد أن أسلوبه تجاه سوريا وتجاه الأسد “تغير جداً جداً”، مشيراً الى أن نظام الأسد تجاوز الكثير من الخطوط الحُمر”.
– الأربعاء/ الساعة 3:00 عصراً: حضر ترامب اجتماعاً لمجلس الامن القومي بعد أن تناول طعام الغداء مع ملك الأردن. وخلال الاجتماع الذي استمر لساعات عدة عرض المستشارون على الرئيس ثلاثة خيارات تجاه سوريا. ودار في ذلك الاجتماع حوار طويل بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين بشأن كيفية استخدام الصواريخ باستهداف القاعدة التي انطلقت منها الهجمات الكيميائية، فضلاً عن أن الحوار امتد أيضاً الى الحرص على عدم التسبب بتوسيع الصراع في سوريا. وانتهى الاجتماع بعد ساعات عدة على اتفاق باستئنافه في اليوم التالي.
– الخميس السادس من نيسان- الساعة التاسعة صباحاً: شارك الرئيس ترامب في فعالية لتكريم الجرحى من المحاربين القدامى في الجيش الأميركي، وخلالها كانت الخيارات تتبلور في ذهنه.
– الخميس/ الساعة 12:05 ظهراً: غادر موكب ترامب البيت الابيض متجهاً لعقد لقاء قمة مع الرئيس الصيني بحضور مستشاريه الاقتصاديين.
– الخميس/ الساعة 1:30 ظهراً: طار ترامب في ظروف جوية غير عادية الى فلوريدا، وخلال تواجده في الطائرة عقد اجتماعاً بالفيديو مع مجلس الأمن القومي، ودار حوار بينه وبين مستشاريه الذين يرفضون الكشف عن تفاصيل ما قاله الرئيس في تلك اللحظات، لكن الصحافيين سألوا المستشار الاعلامي للرئيس عما إذا كان الخيار العسكري ضد سوريا احتمالاً وارداً، فقال إن “الرئيس لديه العديد من الخيارات”، أي أن المستشار لم ينفِ احتمال القيام بعمل عسكري.
– الخميس/ الساعة 4:00 عصراً: هبطت طائرة الرئيس ترامب في فلوريدا واتجه لعقد اجتماع جديد مع مجلس الأمن القومي، وفي تلك اللحظة بدأ يلوح في الافق ترجيح خيار القصف بصواريخ “توماهوك” على قاعدة الشعيرات العسكرية التابعة لنظام الأسد، حيث كان المسؤولون في أجهزة الاستخبارات الأميركية قد تتبعوا الطائرات التي قامت بالقصف وتأكدوا من أنها انطلقت من هناك وأنها تابعة للنظام السوري.
– الخميس/ الساعة 5:30 عصراً: وقف الرئيس ترمب مع نظيره الصيني، وكل منهما مع زوجته لالتقاط صورة تذكارية، فيما اندفع أحد الصحافيين سائلاً ترامب: “هل انتهيتم من نقاش الخيارات بشأن سوريا؟”، لكن ترامب تجاهل السؤال ولم يرد على الصحافي.
– الخميس/ الساعة 6:30 مساء: بدأ ترامب عشاء رسمياً مع نظيره الصيني الرئيس شي جين بينغ في فلوريدا.
– الخميس/ الساعة 7:10 مساء: وجه جنرال عسكري أميركي تحذيراً لنظرائه الروس من أن القوات الأميركية ستنفذ ضربة جوية داخل سوريا، وذلك بحسب الاتفاقية الموقعة بين واشنطن وموسكو التي من شأنها أن تضمن عدم الاشتباك بين الطرفين، فيما تنقل “نيويورك تايمز” عن مسؤول أميركي تأكيده بأن التحذير لروسيا تم قبل أقل من 90 دقيقة فقط من تنفيذ الهجوم.
– الخميس/ الساعة 7:40 مساء: كان التوقيت المحلي في سوريا 2:40 من فجر الجمعة، قامت طائرتان عسكريتان متواجدتين في شرق البحر الأبيض المتوسط بتنفيذ الغارة الجوية، حيث أطلقت 59 صاروخا من طراز “توماهوك” على قاعدة “الشعيرات” العسكرية التابعة لنظام بشار الأسد.
– الخميس/ الساعة 8:51 مساء: انتهى العشاء الرسمي، وغادر الرئيس الصيني المكان.