كتب عماد مرمل في صحيفة “الديار”:
بعدما دار قانون الانتخاب دورة سياسية كاملة متنقلا بين اللجان النيابية واللجنة الرباعية والغرف المغلقة، عاد الى «مسقط رأسه» في مجلس الوزراء الذي سيعقد اليوم جلسة مخصصة للبحث في سبل فك أحجية هذا القانون الذي استعصى حتى الآن على كل الحلول… والحيل.
وإذا كان التفاهم على اجراء الانتخابات السابقة وفق قانون الستين معدلا، قد تطلب قبل سنوات تدخل الدوحة ودمشق وطهران والرياض، الى حد ان امير قطر ووزير خارجيته شاركا حتى في رسم الدوائر الانتخابية في بيروت، فان الاقليم منشغل هذه المرة بهمومه عن الزواريب اللبنانية، الامر الذي يُلزم القوى الداخلية بالاتكال على مخيلتها لابتكار تسوية تجمع المتفرقين.
وأظهرت المؤشرات التي تجمعت حتى ليل امس ان الجلسة الحكومية اليوم ستكون لـ«جس النبض» بالدرجة الاولى، وستحمل طابع الاستطلاع والاستكشاف، قبل المباشرة في التنقيب عن «الغاز الانتخابي» والخوض عبر جلسات لاحقة في تفاصيل المشاريع المتداولة.
وفيما بات واضحا ان لائحة الخيارات تتضمن «مختلط» الرئيس نبيه بري و«مختلط» الوزير جبران باسيل، و«نسبية» حزب الله وحلفائه، ومشروع مروان شربل الذي اقرته حكومة الرئيس ميقاتي… فان أوساطا سياسية اعتبرت ان الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري سيكونان مطالبين بتقديم اقتراحات عملية لتصويب النقاش وحصره، لاختصار المسافات والوقت، قبل الدخول في نفق التمديد او هاوية الفراغ.
ومع ان استعادة مجلس الوزراء للمبادرة أمر صحي من حيث المبدأ، وهو الذي يُفترض ان يشكل البيئة الدستورية الحاضنة لاي قانون انتخابي، إلا انه ليس معلوما بعد كيف يمكن له ان ينجح حيث اخفقت المحاولات الاخرى، ما دام ان تركيبته هي «فوتوكوبي» عن الاصطفاف السياسي خارج الحكومة، والذي عجز حتى الآن عن تحقيق التفاهم المطلوب حول صيغة انتخابية مقبولة من الجميع.
ولعل اللقاء الذي عقد امس بين رئيس الجمهورية ميشال عون ووفد قيادي من «حزب الله» برئاسة الشيخ نعيم قاسم سيحدد اتجاهات الريح في جلسات مجلس الوزراء الانتخابية، لا سيما ان الحزب أكد لعون اعتراضه على جوانب اساسية في مشروع باسيل، تصيب أحجام «الحلفاء».
وعلمت «الديار» ان قيادة الحزب عقدت في ساعة متأخرة من ليل امس اجتماعا مع الوزيرين محمد فنيش وحسين الحاج حسن، لابلاغهما بـ«إحداثيات» الموقف الذي سيعبران عنه في الجلسة الحكومية اليوم، بناء على ما انتهى اليه البحث مع الرئيس عون.
وأمام هذا المخاض المستمر، فان خيار التصويت في مجلس الوزراء على قانون للانتخاب بات مستبعدا حتى اشعار آخر، خصوصا ان ردود الفعل على احتمال استخدام هذه الورقة التي لوّح بها «التيار الحر» أظهرت ان التصويت سيكون مشكلة اضافية وليس حلا مفترضا.
وفي انتظار ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات، اجرت «الديار» استطلاعا لآراء وزراء يمثلون معظم الكتل السياسية في الحكومة، فأتت مواقفهم كالآتي:
ارسلان
يؤكد رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني وزير شؤون المهجرين طلال ارسلان لـ«الديار» انه لن يتهاون على طاولة مجلس الوزراء في الدفاع عن خيار النسبية الكاملة، وهذه ستكون معركتي، ليس لاسباب شخصية، انما لان النسبية باتت ضرورية من أجل تثبيت استقرار لبنان وحماية تنوعه وتحصين مستقبله وكسر الاحتكارات السياسية والطائفية. ويتابع بنبرة عالية: هذا موقفي الجذري ولا تراجع عنه، أما مسألة توزيع الدوائر فيمكن ان تُقارب بمرونة، وأنصح بالا يحاولوا ان يضيعوننا في تفاصيلها حتى يضربوا فرصة تثبيت النسبية الشاملة..
ويشدد على معارضته الشديدة لـ«المختلط» الذي يشكل فخا للنسبية ويضرب جوهرها، مشيرا الى انه من أخطر ما يكون، ان نوافق على اي قانون تحت ضغط المهل الداهمة، قائلا: أنا أرفض ان يوضع هذا السيف على رقبتنا، وأعتبر ان عدم اجراء انتخابات نيابية وبالتالي التمديد هو، على سيئاته، افضل من قانون عشوائي يهدد آمال التغيير.
ويضيف: إذا قرروا اللجوء الى التصويت فمعروف اين سيكون صوتي، وإذا ارادوا التوافق على النسبية فأهلا وسهلا.
حاصباني
وتوقع نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الصحة غسان حاصباني (القوات اللبنانية) ان يكون النقاش في جلسة اليوم أوليا وعاما، لاسيما انه لم تصلنا قبل 48 ساعة من انعقادها نسخة عن اي مشروع معين، ما يعني انه لن يكون هناك قانون محدد للدرس في هذه الجلسة التي ارجح ان تركز على المبادئ العامة، مشددا على اهمية ان يناقش مجلس الوزراء هذه القضية كما سبق ان طالبت «القوات» باعتباره المكان الامثل لنقاش من هذا النوع.
ويوضح حاصباني لـ«الديار» ان موقفنا المبدئي هو الى جانب «المختلط»، ونحن أيدنا اقتراحات سابقة قُدمت في هذا الاطار وصولا الى مشروع الوزير باسيل الاخير، مشددا على ان النسبية الكاملة لا تلبي طموحات جميع اللبنانيين في التمثيل الصحيح.
ويأمل في ان يتحقق التوافق في الحكومة حول القانون الانتخابي، لكن إذا تعذر ذلك، يصبح التصويت ضروريا تحت ضغط الوقت والاستحقاقات.
ويشير الى انه يُفترض ان يكون هذا الاسبوع حاسما على صعيد تحديد مصير قانون الانتخاب، متمنيا ان تنجح الحكومة في انجازه كما أنجزت مشروع الموازنة.
خوري
ويؤكد وزير الثقافة وأحد ممثلي «تيار المستقبل» في الحكومة الدكتور غطاس خوري لـ«الديار» ان «المستقبل» منفتح على كل المشاريع الانتخابية، وهذا ما سنترجمه على طاولة مجلس الوزراء، مشيرا الى ان هناك من حاول ان يوحي بان المشكلة تكمن لدينا، لكننا أثبتنا ان ذلك ليس صحيحا حين تعاملنا بمرونة مع مختلط باسيل ثم مع مشروع النسبية الكاملة الذي قبلنا به شرط ان يُربط الصوت التفضيلي بالقضاء. ويضيف: بصراحة الكرة لم تعد في ملعبنا بل هي باتت في ملعب التيار الحر وحزب الله، وهما معنيان بان يتفاهما كي يسهلا اقرار قانون الانتخاب.
ويكشف عن انه تبين لنا عدم وجود فوارق اساسية بين نتائج النسبية والمختلط بالنسبة الينا، إذ كلاهما سيعكس حجمنا الى حد كبير.
ويعتبر انه من المهم تأمين مظلة من التوافق الوطني او الميثاقي لقانون الانتخاب، بحيث ينال موافقة المكونات الاساسية التي لا يجوز تهميش او تجاهل اي منها، معربا عن اعتقاده بانه من الصعوبة ان يطرح رئيس الجمهورية القانون على التصويت وإن يكن ذلك من حقه.
زعيتر
ويقول وزير الزراعة عن حركة أمل غازي زعيتر لـ«الديار» انه وفقا لما سيُعرض على مجلس الوزراء سنتصرف، موضحا ان الدعوة الى جلسة اليوم بقيت عامة وأتت تحت سقف البحث في قانون الانتخاب، لكن لم نتبلغ بأي مشروع محدد، ونحن سننتظر ما سيُطرح في الجلسة ليبنى على الشيىء مقتضاه.
وينبه زعيتر الى مخاطر الانزلاق نحو مغامرة التصويت التي ستتسبب بانقسام حاد، ومشددا على ان موقفنا برفض التصويت محسوم وليس واردا ان نقبل به تحت اي ضغط كان.
قانصو
ويقول وزير الدولة علي قانصو لـ«الديار» انه سيتمسك خلال نقاشات مجلس الوزراء بمشروع النسبية الكاملة على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، بحيث يُنتخب مجلس نواب متحرر من القيد الطائفي بالترافق مع انشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية. ويضيف مبتسما: نحن لا نطلب الحصول على القمر، بل نطالب بتطبيق الدستور، وتحديدا المادة 22 منه.
ويؤكد ان الحزب السوري القومي الاجتماعي يرفض كل قانون مختلط يستند الى بنية طائفية او يختزن بُعدا طائفيا، منبها الى ان مشاريع من هذا النوع تساهم في تكريس منطق المزرعة بينما نحن نتطلع الى بناء الدولة العصرية.
ويلفت الانتباه الى ان جلسات مجلس الوزراء المخصصة لقانون الانتخاب ستكون في نهاية المطاف انعكاسا للمناخات السائدة خارج الحكومة، وبالتالي اذا لم يحصل تفاهم مسبق بين القيادات السياسية فأنا أستبعد ان يتمكن مجلس الوزراء من انجاز اي اتفاق.
ويعتبر ان التوافق هو الخيار الافضل عندما يتعلق الامر بقانون الانتخاب، لكن ذلك لا ينفي ان التصويت حصل سابقا، كما جرى مع مشروع النسبية الذي ناقشته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتم اقراره بالتصويت، فيما تحفظ عليه وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي.
ويعرب عن اعتقاده بان الامور لن تصل الى التصويت في جلسة اليوم التي سيطغى عليها طابع استكشاف النيات.
كادانيان
ويوضح ممثل حزب الطاشناق وزير السياحة أواديس كادانيان لـ«الديار» ان الصورة ليست واضحة كليا لدينا، ولذلك لا يمكننا ان نحدد من الآن كيف سنتموضع في الجلسة الحكومية، وسننتظر المسار الذي سيسلكه النقاش حتى نتخذ الموقف المناسب، لافتا الانتباه الى ان هناك العديد من النقاط الغامضة او الملتبسة في المشاريع المطروحة، ومن بينها مشروع الوزير جبران باسيل، لاسيما ما يتعلق منه بادراج المقعدين الارمنيين في بيروت الثانية ضمن النظام النسبي وهذا بصراحة يسبب نقزة..
ويشير الى انه لا توجد في المبدأ إشكالية عند قيادة «الطاشناق» مع فكرة «المختلط»، ولكن بعض التفاصيل تحتاج الى توضيح، كما ان النسبية الشاملة يمكن ان تُناقش وإن كنا نفضل التدرج في الوصول اليها، انما الموقف النهائي منها يرتبط بكيفية استخدام الصوت التفضيلي، ولذا نحن نترقب ان ينجلي الغموض الذي يحيط ببعض الطروحات الانتخابية، كي نحسم خيارنا.
ويشدد على اهمية بذل اقصى الجهود لتحقيق التوافق حول قانون الانتخاب، محذرا من ان التصويت سيترك تداعيات سياسية وسيدفع الاطراف الخاسرة الى الشعور بان هناك قانونا يفرض عليها، وهذا ما لا تحتمله التوازنات الداخلية الدقيقة، موضحا انه استنتج من التواصل مع الرئيس الحريري والعديد من الوزراء ان خيار التصويت مستبعد.
تويني
ويعرب وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني (المنتمي الى كتلة رئيس الجمهورية) عن اعتقاده بان الاطراف الداخلية الاساسية لن تسمح بانهيار التسوية الكبرى التي أفضت الى انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، مرجحا ان يتم في الربع الساعة الاخير التفاهم على قانون انتخابي ينقذ هذه التسوية ويمنحها زخما جديدا.
ويلفت نقولا الانتباه في كلامه لـ «الديار» الى ان تلك الاطراف لن تجازف بسقوط الاتفاق الاستراتيجي الذي جمعها، على وقع خلاف حول مقعد نيابي بالزائد او بالناقص، مشيرا الى ان العقدة الاساسية التي لا تزال تعرقل ولادة قانون الانتخاب تكمن في كيفية تقسيم الدوائر وتوزيعها، سواء على مستوى النسبي او الاكثري، ولكنني متفائل باجتراح حل ما في اللحظة الاخيرة، لاسيما ان التحالفات يمكن ان تعوض عن الاعتراض على بعض الدوائر.
ويستبعد اعتماد التصويت لحسم الامر، لان من شأن هذا الخيار ان يهدد بفرط حبات التفاهم السياسي العريض.