جدل عنيف دار في الاوساط الشعبية والاجتماعية اللبنانية في الاسابيع الاخيرة نجمه “الزواج المبكر”. فمقابل حملات توعية مكثفة تقوم بها جمعيات حقوقية لمنع زواج القاصرين وحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعية رافضة لهذا الزواج، اعاد الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله طرح المسألة من ناحية مختلفة تماماً حيث وصف رافضي الزواج المبكر بانهم يخدمون الشياطين وإبليس، داعياً الى تشجيع هذا الزواج وتسهيله.
وواصل نائب نصرالله، الشيخ نعيم قاسم مواقف الحزب في هذا الاطار حيث “رفض العبث بقوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في المحاكم، واستبدالها بقوانين مدنية مهما كان عنوانها، واعتبر أنه المطلوب العودة إلى الشرع لاستفتاء الفقهاء والتعرف على الحلول التي تعالج المشاكل”. والاهم انه “شكر الله على فشل تشريع قانون الاغتصاب الزوجي تحت عنوان العنف الأسري لانه مخالف لأصل الزواج”.
في ظل هذا الخلاف الجوهري في الآراء، كيف يمكننا مواجهة هذا الزواج وما هي آثاره السلبية؟ وهل يمكن الوصول الى قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان؟
غسان مخيبر: خيارنا حمائي ولا يعدل سن الزواج
النائب غسان مخيبر مقرر لجنة حقوق الإنسان النيابية يؤكد في حديث لـIMlebanon أن “إقتراح القانون الذي قدمه في مجلس النواب لحماية القاصرات من الزواج المبكر بالتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية لم يتطرق إلى تعديل قانون الاحوال الشخصية، معتبرا ان “الخيار الذي اخذناه في اقتراحنا هو حمائي وحسب ويتطلب موافقة الأهل، ولكن لا يعدل سن الزواج”.
ويلفت الى اقتراح قانون آخر تقدم به النائب إيلي كيروز والذي يهدف الى تعديل سن الزواج، لكنه يشير الى ان “المقاربة التي يعتبرها واقعية ومفيدة هي تلك التي تقدم فيها هو ولو اعتُمدت لما سمحت بإدخال أي أحد بهذا النقاش بالنسبة لحماية القاصرات.
15 قانونا للأحوال الشخصية!
من جهتها، تؤكد المسؤولة الإعلامية في “التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني” حياة مرشاد في حديث لـIMlebanon أنه “كلما يحكى في لبنان عن أي قضية مرتبطة بحقوق النساء يحصل جدل طويل، وعادة يأتي الرفض من مرجعيات دينية فعندما كنا نعمل على قانون حماية النساء من العنف الاسري رأينا ردود فعل رجال الدين والاعتراض على مادة الاغتصاب الزوجي وعلى القانون بشكل عام، وأقيمت حملات ضده حتى ان مرجعيات دينية طلبت من بعض النساء النزول الى الشارع بوجه الجمعيات النسائية التي كانت تتظاهر وتطالب بتطبيق هذا القانون”.
وفي ما يخص قانون تحديد سنّ الزواج، توضح مرشاد أن “الرفض كان متوقعا واليوم كل شخص يتحدث من الخلفية التي يخرج منها، ونحن كناشطات ومنظمات خلفيتنا هي حقوق الانسان وحقوق النساء التي تكفلها كل القوانين والمعاهدات الدولية والتي صادق لبنان على عدد كبير منها، لذلك الدولة ملزمة بتنفيذ بنودها. وتشدد على انه “لا يجوز في القرن 21 في بلدنا ان يخضع كل شص لقوانين احوال شخصية تتبع لطائفته، وفي لبنان لا نعاني فقط من موضوع التمييز بين المرأة والرجل وانما هناك تمييز بين المرأة والمرأة لان هناك 15 قانون احوال شخصية وكل قانون ينظر لموضوع الطلاق والزواج والحضانة من منظاره ويحدد معايير خاصة”.
إما تعديل الدستور وإما إقناع الطوائف
ويرى مخيبر ان “تعديل قوانين الاحوال الشخصية يعود الى الطوائف بالذات، وبالتالي بمعزل عن رأينا بالسنّ الذي يفترض ان يتم الزواج فيه، فهذا الامر محمي من الدستور اللبناني، فالمادة 9 من الدستور تضمن للطوائف اعتماد نظامها الخاص في الاحوال الشخصية، لهذا السبب إما علينا تعديل الدستور وهذا الأمر مستحيل، أو علينا اقناع الطوائف وهذا الامر من الواضح انه لم ولا يحصل، لذلك كل طائفة عليها ان تقرر بذاتها إذا تريد ان ترفع سن الزواج أم لا”. ويعتبر ان “الطريق الاقرب والاوضح والأنسب لحماية القاصرات هو بالشكل الذي اقترحته ويؤمن الحماية من دون الدخول في متاهات قوانين الاحوال الشخصية”.
ويشير الى أن “القانون المقترح يفرض على من يريد الزواج من قاصر بالإضافة الى موافقة ذوي القاصر أن يأتي بموافقة من قاضي حماية الاحداث، فهذا الاقتراح لا يدخل في متاهات ما هو من اختصاصات الطوائف وفق المادة 9 من الدستور”.
القانون المدني غير موجّه ضد طائفة معينة
إلا ان مرشاد تشدد على أن “القانون المدني للاحوال الشخصية ليس ابدا موجها ضد طائفة معينة، ولا يمس ابدا بالدين، وكل الدول التي تحترم مواطنيها تعمل على تطبيق هذه القوانين، وبموضوع الزواج المبكر بشكل خاص فهناك دول عدة عربية اقرت قانونا مدنيا للزواج، فمثلا في الجزائر السن الادنى للزواج هو 19 عاما، أما في مصر وتونس والعراق وغيرها من الدول فالسن الادنى هو 18 عاما”. وتعتبر ان على الدولة اليوم ان تحدد خيارها، إما ان تلعب دورها وتحدد مسؤولياتها من ناحية التشريع لحماية حقوق المواطنات والمواطنين، وإما تيد ان تسلم كل تلك المهام للطوائف وكل شخص ينظم القضايا كما يحلو له.
وتذكر ان اتفاقية حقوق الطفل واضحة جدا وتنص على أن أي شخص تحت سن الـ18 يعد طفلا ولا يستطيع ان يقوم بأي شيء له علاقة بالراشدين ومن بينها الزواج، وهذه الاتفاقية صادق عليها لبنان لذلك فهو مجبر على الالتزام ببنودها، وكذلك توضح ان قانون الاحداث يعتبر ان السن الاهلية القانونية هو 18 عاما، فتحت هذا السن لا تعترف الدولة بأي شيء قانوني، ولا يستطيع كل من هو تحت هذا السن القيادة او التملك او القيام برخصة قيادة او القيام بأي معاملة قانونية، فكيف يتم السماح بتزويج من هو تحت هذا السن؟”
فهم غير سليم لواقع القوانين الطائفية
من جهته، يوضح مخيبر ان رأيه الشخصي يقول “أن سن الزواج يجب أن يكون 20 عاما وليس 18، لكن هذا الراي يُصبح مهما إذا كنا نريد اقرار قانون مدني للأحوال الشخصية”، مضيفاً: أنا مع سن قانون مدني للاحوال الشخصية يطبق على اللبنانيين غير المنتسبين لأي طائفة وهذا الامر واجب، أما الذي ينتسب لطائفة ما فهو موافق صراحة او غير صراحة ان تحكمه القوانين التي تخضع لها الطائفة”.
ويشدد على أن “هناك فهم غير سليم لواقع القوانين الطائفية للاحوال الشخصية، وإذا كان الهدف حماية القاصرات من الزواج المبكر فالطريق الاقرب والأسلم والأصح دستوريا وواقعيا هو الاقتراح الذي تقدمت فيه، وأدعو كل زملائي عدم التدخل في شؤون الطوائف ولكن ان نستمر في السعي لاقناعها في تعديل بعض القوانين، وإذا لم تقتنع علينا ألا نتوقف عن حماية القاصرات وفقا للاطار المدني المتاح”.
أما مرشاد فتؤكد أن “القوانين يجب ان تسري على الجميع، ونطالب بتحديد سن الزواج وأن يكون هناك قانونا مدنيا يقر في مجلس النواب يحدد سن الزواج على كل الاراضي اللبنانية ولا يستثني احدا ويشمل المقيمين، لاننا نرى هذا الامر ينتشر بكثافة لدى اللاجئين والنازحين، لذلك يجب تحديد سن الزواج بعمر 18 سنة كحد ادنى ما يعني أن 18 إلا يوم يعتبر زواجا مبكرا ويجب ان يعاقب عليه القانون”.
هذه هي الآثار السلبية للزواج المبكر
من المؤكد ان للزواج المبر آثار سلبية طبيا واجتماعيا ونفسيا على الفتاة حسب مرشاد، “لانه يحرمها من حقها من التعليم، كما ان كل الدراسات العلمية تشير الى اخطار حمل الفتاة والولادة وكيف ان هناك فتيات خسرن حياتهن بسبب هذا الامر، من دون ان ننسى الآثار النفسية، فبدلا من ان تكون في المدرسة وتعيش طفولتها يتم تزويجها وتحميلها مسؤولية بناء اسرة، فبناء الاسرة ليس امرا سهلا ومحصورا فقط بترتبية الاولاد وترتيب المنزل وتلبية رغبات الزوج الجنسية، لذلك انطلاقا من كل ما نشهده مطلبنا هو من اجل حماية الاطفال”.
وتشدد على أن “أولوية المرجيعات الدينية هو فعلا تأمين الحماية للأسرة واستمرايتها فيجب ألا تسمح بالزواج المبكر، وبعض تلك المرجعيات ترفض تدخل الجمعيات لانه يؤثر على مصالحها وارباحها وصلاحياتها، فالطوائف تعودت على انها هي الآمر الناهي وتنظم شؤون المواطنات والمواطنين وتحكم على كل شيء، ولا تريد ان تُسحب منها تلك الصلاحيات، ولكن لم يعد مقبولا ان يتخلى مجلس النواب عن صلاحياته ويسلمها للطوائف، فإما نحن دولة مدنية وإما دولة طوائف وعشائر”.