كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
انتخابات نقابة المهندسين خرجت عن التقليد والمألوف، وبدت «انتخابات غير عادية» في نتيجتها المفاجئة والمدوية مع خسارة مرشح التيار الوطني الحر بول نجم على مركز النقيب وفوز المستقل جاد تابت. والملاحظ في هذه النتيجة:
٭ فوز تابت تحقق بفارق 21 صوتا فقط بعدما ظلت النتيجة غامضة حتى اللحظات الأخيرة (4079 صوتا لتابت مقابل 4058 لنجم).
٭ كل لائحة تابت أي لائحة المستقلين المدعومة من بعض الأحزاب مثل الكتائب والاشتراكي سقطت وبفارق كبير جدا (آلاف الأصوات) عن لائحة تحالف الأحزاب (التيار ـ القوات ـ المستقبل ـ حزب الله ـ أمل) التي فازت كلها ما عدا رئيسها المرشح لمركز النقيب بول نجم.
٭ مرشحا القوات اللبنانية الى مركزين للعضوية حصلا على أكبر عدد من الأصوات (ميشلين وهبة حصلت على 5047 وإيلي كرم على 4470 صوتا).
في قراءة سياسية لهذه المعركة النقابية، تبين أسباب خسارة مرشح التيار الوطني الحر، يمكن التوقف عند أبرز الملاحظات التالية:
1 ـ عنصر المفاجأة يكمن في أن تحالفا واسعا للأحزاب لم ينجح في تأمين الفوز بمركز النقيب، وفي أن التيار الوطني الحر يخسر أول انتخابات نقابية مهمة يخوضها في العهد الجديد، وبالتالي فإن هذه الخسارة غير منسجمة مع الواقع، والنقيب الجديد حقق اختراقا غير محسوب.
2 ـ انتخابات نقابة المهندسين أعادت الى الأذهان الانتخابات البلدية في دورتها الأخيرة وفي نموذجين: انتخابات بيروت التي خاضتها لائحة «بيروت مدينتي» مقابل لائحة تحالف الأحزاب كلها، وحققت فيها أرقاما عالية وكادت أن تهدد اللائحة الحزبية، ونموذج طرابلس التي فازت فيها لائحة «المجتمع المدني» التي شكلها اللواء أشرف ريفي في مواجهة لائحة الأحزاب، ما يدل على أن حراك المجتمع المدني بدأ يكتسب حضورا وتأثيرا في اتجاهات الرأي العام، وأن هناك مشكلة تتفاقم وهوة تتسع بين المجتمع المدني والطبقة السياسية الحاكمة، بين المستقلين والحزبيين.
3 ـ ليس هناك من سبب واحد يقف وراء خسارة مرشح التيار الوطني الحر وفوز المستقل جاد تاتب، وإنما هناك تضافر لمجموعة أسباب وعوامل أبرزها:
٭ عدم حصول تعبئة انتخابية داخل التيار الوطني الحر بالحجم الذي كان يحصل سابقا، وهذا ناجم إما عن استرخاء وتأكد مسبق من النتيجة، وإما عن وجود مشكلة ما داخل التيار على المستوى التنظيمي أو على مستوى الجهوزية وإهمال المعارك «الصغيرة» بعدما تم الفوز بالمعركة الكبرى، معركة الوصول الى الحكم من الباب العريض.
٭ عدم المشاركة الواسعة من جانب مهندسي تحالف الأحزاب التي لم تقم بالحشد لهذه المعركة، إما لأن المعركة كانت نتائجها شبه محسومة ولا تحتاج الى تعبئة، وإما لأن الأحزاب، خصوصا المستقبل وحزب الله، لم تجد نفسها معنية بهذه المعركة، وبالتالي فإن لائحة الأحزاب لم تكن متماسكة سياسيا ولم تكن قد اتضحت معالمها النهائية إلا في اليوم الأخير.
٭ الإشكال الذي حصل بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية واختلط فيه «سوء التفاهم» مع ضعف التنسيق، وهذا العامل هو أكثر ما يركز عليه «التيار»، إذ يعتبر الفارق بين الأصوات أحدثه تصويت عدد وافر من مهندسي القوات للائحة من دون رئيسها.
ما جرى بين التيار والقوات ودخل على خطه المستقبل يمكن اختصاره على النحو التالي: رشحت «القوات» منذ أكثر من 6 أشهر م.نبيل أبوجودة وطلب من «التيار» تأييد هذا الترشيح.
ولكنه لم يتجاوب بسبب أو حجة أن الثنائي الشيعي لن يؤيد مرشح القوات، وبالتالي فإن حظوظ مرشحه ستكون أكبر، وقبل أيام من الانتخابات سحبت القوات مرشحها لأنها لا تريد مواجهة مع مرشح التيار، خصوصا أن الدعم الذي كانت تنتظره من تيار المستقبل بعد دعمها له في انتخابات نقابة مهندسي الشمال لم يكن بالمستوى المطلوب.
ولكن المستقبل، الذي يتفادى مشاكل مع التيار في هذه المرحلة، سعى الى التعويض على القوات بـ «عضوين في مجلس النقابة»، وهذا الأمر لم يقبل به التيار إلا على مضض لأنه يجعل تمثيل القوات التي لها عضوان في مجلس النقابة أصلا هو الأكبر حجما.
في النهاية، التزمت قيادة «القوات» بهذا الاتفاق ودعت الى التزام التصويت للائحة التي يرأسها بول نجم، ولكن الظروف التي أحاطت بالانسحاب الاضطراري لمرشحها نبيل أبوجودة والتأخر في إيجاد تسوية وإعلانها قبل قليل من الانتخابات، جعل تصويت كثير من مهندسي القوات، وخاصة مهندسي القاعدة القواتية الذين لا يحملون بطاقات انتساب وغير ملزمين بتطبيق «قرار الحزب»، يذهب في اتجاه التصويت للائحة وشطب اسم بول نجم.
إذا كانت انتخابات نقابة المهندسين تقدم نموذجا يجدر التوقف عنده لظروف وأجواء الانتخابات النيابية في ظل تنامي المواجهة بين الأحزاب والمستقلين، فإنها شكلت إنذارا مبكرا لخلل في العلاقة التحالفية بين التيار والقوات التي لا تبدو على ما يرام وفي أفضل حال، وإنما تحتاج الى مراجعة وتحديد للثغرات.