كتب جورج عبيد في صحيفة “الديار”:
لن تردع وحشية التنظيمات الإرهابيّة بتفجيري كنيسة مار جرجس في طنطا والكرازة المرقسية في الإسكندرية أقباط مصر عن أن يحيوا في نصر المسيح وقيامته المرتقبة وبركاته، بعد أسبوع عظيم مخضّب بدم إلهيّ. دم الأقباط الشهداء سال فيه دم المسيح، أجسادهم الممزقة ظهر فيها ومن خلالها المسيح معلّقًا على الخشبة. أقباط مصر هم المعلقون على الخشبة بارتقاب القيامة.
أمام هذه الوحشيّة، يبرز مرجع مسيحيّ-مشرقيّ قراءته متناولاً الحدث برمته وبإسقاطاته المتنوّعة ليقول: «منذ مدّة وأقباط مصر يتعرّضون لمجموعة ضغوطات هائلة في سبيل سلخهم عن هذا البلد الذي هم أصل حضارته وتكوينه بالمعنى العرقيّ للكلام والدينيّ، فعددهم بالمقارنة مع بقية مسيحيي البلدان العربيّة يربو على الـ 15 مليون نسمة. وعلى الرغم من المواقف التي أبرزها هؤلاء في عداوتهم لإسرائيل وتشبثهم ببلدهم وقوميتهم وهويتهم بإحساس كبير ومرهف، فإنهم مهمشسون، يعانون من عدم القدرة على بناء الكنائس إلاّ بإذن من الحكومة المصريّة على عكس ما يحصل للمسلمين، فمصر على الرغم من المظهر العلمانيّ بلد إسلاميّ، وليس ثمّة مشاركة سياسيّة لأقباط مصر سواء في مجلس الشعب أو في الحكومة». ويكمل المرجع قائلاً: «غياب المشاركة ومحاولات التضييق الممنهجة سبب أساسيّ لتعميم الهجرة وتكثيفها، علمًا أنّ مسيحيي مصر أغنوا العالم العربيّ والمشرقيّ بالحركة الرهبانيّة مع القديس أنطونيوس الكبير كوكب البريّة، وتجسّد هذا بأدب رهبانيّ مع نصوص ترجمت للغات عديدة وتلك قيمة تضاف في رصيد مصر بحضارتها وثقافتها. بهذا المعنى المسيحيّة بلونها القبطيّ مكوّن كبير لمصر والأقباط مؤسسون لهذا البلد».
يتجاوز المرجع المسيحيّ المشرقيّ بعض المراحل والانقلاب والانقلاب المضادّ، ليصل إلى هذه اللحظة، فيقول: «يدفع المسيحيون في مصر وبخاصّة الأقباط ثمن تعاضدهم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فهذا الرئيس رجل إصلاحيّ ومحدث في مصر، منذ أن وصل إلى السلطة وقد دعم بابا الأقباط إنقلابه على محمد مرسي ومن ثم وصوله لرئاسة الجمهوريّة، حتى راح يبحث مع مفتي الأزهر الشيخ أحمد طيب عن الطرائق الفكرية والفقهية الممكنة من أجل ضرب الإرهاب بعمقه، وتحديث الفكر الإسلاميّ، أي منفتحاً على الثقافات والحضارت، كما أنّه في الأصل والجوهر رافض للهجمة على سوريا والعراق، وبابا الأقباط مدرك في العمق بأنّ ثمّة مخطّطاً خطيراً يرمي بسلخ الأقباط كما تمّ سلخ المسيحيين عن العراق وتهجيرهم، إنه مخطّط شامل يطال مسيحيي الشرق. ويظهر هذا المرجع تحليلاً يبرز فيه تلازماً بين أحداث سيناء والمخطّط فيها وانفجاري الكنيستين البارحة يوم أحد الشعانين. ويرى فيه مؤشّراً تحتشد فيه العناصر الإسرائيليّة الرافضة للوجود المسيحيّ في المشرق العربيّ، وتتجسّد بتلك الأدوات التكفيريّة المتوحّشة، المتغلغلة في مصر وسوريا والعراق وأجزاء من لبنان. فالانفجار الذي طال كنيسة الكرازة المرقسيّة في العباسيّة في القاهرة هو أكثر من مؤشّر، وتظهر الدلائل أنّ التكفيريين يتواجدون في قلب المدن بخلايا تتدرب وتعمل على القتل والتفجير والعمليات الانتخاريّة كما حصل أيضًا في قلب دمشق حين تمّ تفجير قصر العدل وتبيّن انهم في داخله.
ويتساءل المرجع كيف وصلوا إلى الإسكندرية وإلى طنطا، فالمخابرات المصرية تعتبر قوّية ومتماسكة بمراقبتها الشديدة بل المتشدّدة، يجدر بالنقاش برأي هذا المرجع أن يتعمّق في كيفيّة الاختراقات التي تحصل وقد تؤول فيما بعد إلى أعمال شغب وإنقلابات… ويكمل: «ليس أقباط مصر فقط في خطر لكونهم المستهدفين بالانفجارات بل مصر هي مستهدفة وحكم الرئيس السيسي بالذات هو المستهدف، وقد كانت كلمته في القمّة العربيّة في عمّان في غاية الأهميّة من حيث المقاربات التي قام بها والتحليل، من حيث بناء عالم قائم على قبول الآخر والوصول إلى فضاءات مشترك وفهم مشتركة في عدد من العناوين.
وفي هذه اللحظة تساءل المرجع المسيحيّ المشرقيّ عن الموقف الدوليّ من تلك الاعتداءات على الكنيستين في مصر، فقد رآها خجولة قياسًا بالمواقف التي صدرت غداة مجزرة خان شيخون في إدلب المزعومة، ويقول، فجأة تحرّكت مشاعر دونالد ترامب على مشهد أطفال جيء بهم ليقتلوا في هذا الموقع، وإذا نظر في الوثائق يدرك أنها مفبركة، وقام بقصف قاعدة الشعيرات العسكريّة في حمص بستين صاروخًا، ولم يعنِ له مشهد الأطفال المقتولين ظلمًا يوم أحد الشعانين في كنيسة مار جرجس في طنطا وفي كنيسة الكرازة المرقسيّة في الإسكندريّة، أليس الأجدر به أن يتعاون مع روسيا ومع الرؤساء العرب للقضاء على الإرهاب بصورة جذريّة، أليس الأجدر بالإدارة الأميركيّة أن تضغط على من موّل الإرهاب كما موّل غارتها على قاعدة الشعيرات لإيقاف التمويل نهائيًّا وإيقاف منابع النفط التي يستفيد منها الإرهابيون في الرقة وهي مصدر ثروتهم وتمويلهم وتواجدهم، ليس العالم العربيّ وحده في خطر ولا المسيحيون فيه، أوروبا بدورها في خطر شديد، فالإرهاب في جوفها يتحرّك، هو الشوكة المنغرسة في حلقها والذي سيقودها نحو التمزّق والهلاك.
ويقول المرجع: فتشوا عن إسرائيل، هل رأيت مدينة من مدنها تضررت من العمليات الإرهابيّة التي قام بها التكفيريون؟ إسرائيل تراهن على هؤلاء لتعميق الفوضى الخلاقة التي تقود إلى التقسيم والتمزّق، إنها قائمة فيهم وغير منفصلة عنهم. وعلى المسيحيين الذين يعانون من هذه الاعتداءات أن يقرأوا في الأعماق ويبتعدوا من الوقوف على السطح والسير في إسقاطات هامشيّة، مطرانان خطفا والصمت رهيب، اعتداءات حصلت والصمت رهيب والبارحة كنيستان تعرضتا لتفجير وحشيّ والصمت رهيب؟ فليقف المسيحيون وقفة واحدة في هذه المواجهة القصوى بفكر استراتيجيّ قارئ وازن. الوقفة ليست بالمشاعر بل بالعمل، القيامة عندهم ليست عيداً، المسيح مات وقام لكي يبقوا قياميين، قليتحولوا إلى مسيحيين قياميين حتى نبقى ونستمرّ.