Site icon IMLebanon

تحقيق IMLebanon: الحرب اللبنانية بعد 42 عاماً: “رزق الله عإيام الحرب” أو “تنذكر وما تنعاد”؟

تحقيق IMlebanon:

13 نيسان 1975. التاريخ المفصلي في ذاكرة لبنان حيث اتفِق على اعتباره بداية الحرب اللبنانية التي تواصلت رسمياً حتى 1990. 15 عاماً من القتال الذي فتك بالبشر والحجر وصمد لبنانيون ووقفوا بوجه الظلم والعدوان وتركت الحرب آثارها الى جانب الخسائر البشرية اقتصاديا واجتماعيا وتربويا وسياسيا. الأفظع هو ما جاء بعد انتهاء الحرب مع الوصاية السورية بالإضافة الى سلطة سياسية فاسدة أنهكت لبنان ما دفعت بالبعض الى القول “رزق الله عإيام الحرب”…

بعد 42 عاما على ذكرى انطلاق الحرب في لبنان، اين يقف المجتمع اللبناني اليوم نفسياً وسياسياً؟ هل فعلاً تخلصنا من آثار الحرب؟

اختبار الحرب السورية.. ولبنان تحت المجهر

الحرب انتهت لكن يتحدث البعض عن فتائل فتنوية قد تثير شبح الحرب الاهلية مجدداً فما هي فرصها؟ يرى نائب رئيس تحرير صحيفة “النهار” نبيل بو منصف ان “ما مرّ على لبنان في السنوات الماضية خصوصا السنوات الخمس الأخيرة بعد اندلاع الحرب في سوريا وتداعياتها شكلت اختبارا مهما للبنانيين لناحية امكان غرقهم في حرب أهلية مجددا، خصوصاً وان عمق الوضع اللبناني هش وصعب وتحديدا في الوضع السياسي والمذهبي والطائفي لكن الخوف من حرب أهلية في لبنان تجاوزناه فالمنطقة مشتعلة بأكملها بحرب دينية فيما لبنان إلى حد ما نجا من هذا القطوع”.

ويعتبر بومنصف في حديث لـ IMLebanon ان “الخوف من حرب أهلية لم يعد واقعيا على الرغم من أن الواقع اللبناني بعد 42 عاما من نشوب الحرب في العام 1975 غير سليم وهناك علامات انقاسم داخلي عميقة جدا وواضحة، فالانقسامات عمودية بين اللبنانيين وعلى مسائل مهمة جدا وليست عابرة، وظاهرة قانون الانتخاب اليوم هي عارض من عوارض هذا الانقسام العميق الذي لم يستطع اللبنانيون من خلاله ان يصلوا لمفهوم موحد لمشروع الدولة”.

“إيام الحرب كانت أحسن”!؟

ولكن يطرح سؤال هام اذا تم التسليم بان امكانية اندلاع حرب جديدة مستبعد… لماذا نسمع الجملة الشهيرة “رزق الله عإيام الحرب” او “ايام الحب كانت احسن”… فماذا عن الناحية النفسية اذا وهل تخطى اللبناني فكرة الحرب الأهلية وخرجت كليا من ذهنه؟ عالم النفس الدكتور فادي اليازجي يؤكد في حديث لـIMlebanon أن “كل الدراسات التي أجريت وحتى بحسب خبرتنا مع الناس اكدت انهم لا يزالون حتى اليوم يعيشون الحرب الأهلية، وعندما نقوم بإستفتاء للرأي العام نسمع دائما بعضهم يقول أن “إيام الحرب كانت أحسن”، هذه الجملة الدائمة التي نسمعها هي لوحدها كفيلة لتظهر لنا فعلا ان اللبناني لا يزال يعيش تداعيات الحرب”.

الاسباب كثيرة، ويشرحها اليازجي بانه “عندما انتهت الحرب اعتقد اللبناني انه سينتقل الى بناء الدولة، ولكن ما يعيده دائما الى الحرب هو عندما يرى الفوضى الموجودة اكثر من ايام الحرب وهذا الامر يدفع الجيل الذي عاشها إلى أن يستذكرها”.

ويأسف اليازجي أن اللبناني يرى نفسه انه اقتصاديا كان افضل خلال الحرب، والفوضى السائدة في الحرب لا تزال حتى يومنا هذا ولكن بأطر مختلفة، والسرقات التي تحصل اليوم لم نشهد مثيلا لها خلال الحرب، ويضيف: “في ايام الحرب كان لدى المواطن هدفا للأمام ورؤية وامل، ولكن اليوم فقد الامل فاصبح يتذكر الحرب ويقول انه كان يعيش بوضع افضل، وهذه الامور التي يشعر بها اللبناني من الناحية النفسية خطيرة جدا لاننا عند أول مفترق طرق نراه أصبح جاهزا للمواجهة، والمسؤولية تقع على عاتق السياسيين الذين يدفعون اللبناني بأن يفكر بهذه الطريقة”.

لماذا يفكر اللبناني في الحرب؟
من ناحيته، يشدد بو منصف على أن “وجود فكرة الحرب لدى بعض اللبنانيين سببها عدم الاتفاق على مسائل كبيرة، كأزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين، بدليل أن هناك معارك مندلعة في مخيم عين الحلوة منذ 5 أيام ولم نجد اي حل فعلي لانهاء هذه الظاهرة، مع العلم ان السبب وراء الحرب في لبنان في العام 1975 كان العامل الفلسطيني واليوم لا يزال هذا العامل يهدد استقرار لبنان واصبح اسوأ بسبب دخول عوامل اضافية عليه تتمثل بعوامل اصولية رديكالية متطرفة بحيث اصبحت طبقة فوق الطبقات الفلسطينية الموجودة”.

ويشير بو منصف الى أن “اللبنانيين لا يتفقون على مسألة السلاح غير الشرعي وقضية المفاوضة بشأن هذا السلاح والتورط الخارجي، خصوصا أن كل هذه المسائل تدفع لبنان بأن يكون قيد التجربة ويقف على الحافة، ما يؤدي الى عدم امكانية العبور الى الدولة بالحد الادنى الطبيعي”. ويؤكد أن “التغيير يبدأ من الشعب ومن الخيار السياسي الصحيح ، الخيار السياسي الحرّ الذي يسمح للمواطن اختيار طبقة سياسية جيدة وألا يقبل بأي شيء مُنزل لان البلد بحالة مزرية جدا”.

“كثرة الكبت وراءه انفجار”…

ولكن كيف نخرج اللبناني من هذا العامل النفسي الذي يعيشه؟ يؤكد اليازجي أن “الفساد والهدر والسرقات يجب ان تتوقف لكي نبدأ بمعالجة الشعب نفسيا لان الأزمات المتتالية تحضره لكي يتواجه مع بعضه، من دون أن ننسى القمع الذي قد يتعرض له إذا كان يسعى للمطالبة بأي مطلب محق، فالنفوس في العقل الباطني تؤيد الحرب من اجل الانتقام من الواقع الذي يعيشونه”.
ويعتبر ان “المطلوب اليوم من الحكومة الحالية أن يكون أداؤها مختلفا عن الحكومات السابقة لكي تعطي أملا للشعب بالتغيير، وإذا استطاع السياسيون الإثبات للشعب ان السرقات توقفت وان العمل لمصلحة المواطن بدأ، فعندها يبدأ المواطن بالتغير تدريجيا نحو الافضل”.

اليازجي يشدد كذلك على أن “كثرة الكبت وراءه انفجار، لذلك اليوم يجب اقناع المواطن بوجود الدولة وكلما اتجهنا الى تثبيت وجود الدولة كلما اقتنع اللبناني بفكرتها، ما يؤدي الى تغيّر على الصعيد النفسي لكي تلتئم الجراح”.

الحرب ليست الحلّ!

ناقوس الخطر مفتوح رغم كل التطمينات، اذ ان بومنصف يذكر ان “القوى السياسية لا تزال منذ 8 سنوات تحاول إقرار قانون للانتخاب وعجزت عن ذلك لانها لم تقبل بمنطق التشريع للمستقبل، وتبحث في التشريع لمصالحتها وليس لمصلحة لبنان، ونحن في حالة غرق في الهوة اكثر فأكثر لان هذه الازمة ستُفتح ولن تقفل، وللمرة الاولى في تاريخ لبنان مجلس النواب مهدد فعندما يصل خطر الفراغ الى مجلس النواب يعني ذلك اننا وصلنا الى طبقة سياسية ومجتمع فاشل”.

على الرغم من كل هذه الامور يستبعد بومنصف اندلاع حرب اهلية مجددا نظراً للوعي الكافي لدى اللبنانيين وكل الاطراف وكل الطوائف ان الحرب ليست هي الحل خصوصا انها اكبر خطر يهدد لبنان.

يبقى ان شعار “تنذكر وما تنعاد” من الضروري تحوله من كلمات تقال في الخطابات الى ممارسات فعلية تبعد شبح الحرب عن لبنان وشعبه الذي تعب من الفوضى!