أكّد رئيس الحكومة سعد الحريري أنّ “استعادة الثقة” هو عنوان حكومتنا وأنّ اكتسابها صعب والمحافظة عليها أصعب واسترجاعها أصعب وأصعب وواجبنا استعادة الثقة بعد سنين من الشغور والتشنج في العلاقات العربية والكساد في الاستثمارات”، وقال: “تفعيل المؤسسات العامة وتعيين الكفوئين ووقف الفساد ومحاسبة الفاسدين بقضاء عادل هو ما سيعيد الثقة”.
كلام الحريري جاء في منتدى المال والأعمال في فندق فينيسيا، حيث لفت الى أنّ الحكومة خطت خطوات سريعة باتجاه استعادة الثقة بإقرار مراسيم حيوية وقرارات مؤجلة وقد تمّ إقرار موازنة بعد 12 سنة غياب، مضيفًا : “يجب تأمين المقومات الأساسية من كهرباء وماء وغيرها ولكن النزوح السوري يضيف الضغط على البنى التحتية وعلى لبنان. وضعنا رؤية موحدة للحكومة وقلنا واجبنا استقبال اللاجئين السوريين ولكننا نريد مساعدات، ولكن هذا لا يكفي لأنّ البنى التحتية التي تحتمل 3 ملايين أصبحت تحتمل 6 ملايين”.
وتابع: “على المجتمع المدني الاعتراف بأنّ لبنان يقدّم الكثير للنازحين”.
ورأى أنّ زيارة الرئيس ميشال عون إلى قطر ومصر والسعودية والمشاركة في المؤتمر العربي كلها خطوات مشتركة لتحسين العلاقات العربية، معلنًا عن عقد أول اجتماع للجنة العليا اللبنانية ـ السعودية في الرياض لبحث العلاقات بين البلدين.
نصّ الكلمة كاملاً:
إنه لمن دواعي سروري أن اخترتم للقائكم هذا عنوان “استعادة الثقة” الذي هو عنوان حكومتنا.
وعندما اخترنا هذا العنوان أو هذا الشعار كنا نقصد الثقة بكل معانيها: ثقة اللبنانيين بدولتهم ومؤسساتها، ثقة المغتربين بوطنهم الأم واقتصاده، ثقة العرب والمجتمع الدولي بلبنان وثقة المستثمرين عامةً بالاقتصاد اللبناني.
قد تكونون أكثر من يعلم أن اكتساب الثقة صعب، والمحافظة عليها أصعب، واسترجاعها أصعب وأصعب.
نحن واجبنا أن نسترجع الثقة، بعد سنين من الفراغ الدستوري، ومن الجمود بعمل المؤسسات، ومن الانقسام السياسي العامودي، ومن التشنج في العلاقات العربية والدولية ومن الكساد بالاقتصاد والاستثمارات.
إن انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل الحكومة كانا الخطوة الأولى على هذا الطريق الطويل. والحكومة خطت خطوات سريعة بعد ذلك باتجاه استعادة الثقة، بإقرار مراسيم حيوية وقرارات مؤجلة، وليس آخرها، إقرار موازنة بعد 12 سنة من الغياب، أي 12 سنة من غياب المحاسبة والشفافية.
إن استعادة ثقة المواطنين تتطلب أيضاً تفعيل عمل المؤسسات والإدارات العامة بالتعيينات الكفوءة، وبمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين بغض النظر عن الاعتبارات السياسية والطائفية. وهذا يتطلب تفعيل أجهزة الرقابة لتقوم بواجباتها بقوة القانون والقضاء النزيه.
نحن نعرف أن الأمن الاجتماعي للمواطن هو مقياس أساسي في الثقة التي يمنحها لدولته ومؤسساتها. ومن أسس الأمن الاجتماعي، الخدمات الأساسية من استشفاء وتعليم وكهرباء ومياه، وغيرها من مقومات الحياة الأساسية.
والحقيقة أن نزوح إخواننا الهاربين من إجرام النظام السوري إلى لبنان يضغط على قدرة الدولة على تأمين هذه الخدمات الأساسية، ويضاعف الضغط على البنى التحتية التي كانت مرهقة أساساً.
وهنا لا نستطيع أن نستعيد الثقة بتوقيع، أو بقرار، أو بلحظة سياسية. لكننا نستطيع أن نبدأ بأن نثبت للبنانيين وللعالم أننا نفهم المشكلة، ولدينا الحل. وهذا تحديداً ما قمنا به. وضعنا رؤية موحدة للحكومة اللبنانية وحملناها بلقاءات عربية ودولية وصولاً إلى مؤتمر بروكسيل الأسبوع الماضي. باختصار، نقول للعالم: نحن واجبنا أن نستقبل إخواننا السوريين، وبعد المجزرة الكيمائية التي وقعت في إدلب، لم يعد هنا من داع لأن نذكر أحدا لماذا.
ونحن نشكر العالم على المساعدات الإنسانية التي يقدمها لهم ونريد أن تبقى هذه المساعدات. ولكن هذا لا يكفي:
نحن بلد بناه التحتية تستطيع أن تخدم 3 ملايين، واللبنانيون باتوا 4 ملايين، ومع وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين صارت هذه البنى التحتية ذاتها تخدم 6 ملايين.
استثمروا بالبنى التحتية والخدمات العامة، والكل سيستفيد: اللبناني أولاً والنازحون ثانياً. وهكذا نعيد إطلاق النمو باقتصادنا، ونوجد فرص العمل للشباب بشكل خاص. نحن لن ننتظر المجتمع الدولي، لأن هذا هو بلدنا ونحن نعمل لتحسين وضعه، لكن واجب المجتمع الدولي أن يعترف بأن لبنان يقدّم خدمة للعالم أجمع ويتحمل مسؤولياته في هذا المجال.
والحمد لله، في لقاءاتي العربية والدولية، وفي فرنسا وألمانيا، وفي لقاءات مؤتمر بروكسيل وجدت تجاوبا مع رؤية الحكومة الجديدة لا بل تهنئة على المقاربة للحل.
نحن بلد يتفاعل بسرعة وتحسّن كبير مع الصدمات الإيجابية. وهذا واحد من أسرار مناعتنا. والصدمات الإيجابية منذ انتخاب رئيس للجمهورية إلى تشكيل حكومة والقرارات التي اتخذتها، إلى الإنجازات التي حققها الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية كلها، كان له أثر إيجابي كبير على طريق استعادة الثقة. وهذا يتضح بتحسن نظرة المجتمع الدولي لبلدنا، ولرفع المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية لمؤشرات لبنان الاقتصادية في المرحلة المقبلة. وفي الوقت نفسه، شكلت زيارات فخامة الرئيس إلى السعودية وقطر ومصر، ومشاركتنا معا بالقمة العربية، والزيارة الأخيرة التي قمت بها إلى السعودية، شكلت كلها خطوات باتجاه تعزيز الثقة مع إخوتنا العرب.
وقريباً بإذن الله، سنعقد أول اجتماع لجنة عليا لبنانية سعودية في الرياض ونعمل على عدة قرارات واتفاقات نعلن عنها في هذا الاجتماع.
كما تعلمون جميعا، فإن استعادة الثقة طريق صعب وطويل. ولكن إن كانت هناك ثقة واحدة لا لزوم لاسترجاعها، لأنها لم تفتقد لحظة، فهي ثقتي بلبنان، وباللبنانيين واللبنانيات، ثقتي بكم جميعاً، بقدرتكم على الإبداع والإنجاز والانطلاق وإدهاش العالم.
هذه ثقة، بعد ثقتي بالله سبحانه وتعالى، فعلاً ليس لها حدود. دعونا نعمل سوية، لمصلحة كل شيء يجمعنا، ونمنع عودة الانقسامات، ونعزز وحدتنا الوطنية لنحمي وطننا في هذه المنطقة الخطرة، ولنستعيد الثقة بدولتنا وباقتصادنا، ونضمن للمواطن اللبناني الحياة الكريمة التي يستحقها.