كشفت صحيفة “الديار” ان المواجهة السياسية تأجّلت شهرا،ً بعدما استعمل رئيس الجمهورية ميشال عون حقه الدستوري للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية، وفق المادة 59 بتجميد عمل مجلس النواب لمدة شهر، ولم نصل الى حل. وتعليق الرئيس نبيه بري إيجابيا على موقف رئيس الجمهورية، لا يعني موافقته عليه، بل هو ينتظر المواجهة في 15 أيار، وهو قد وضع حساباته بدقة. ففي جلسة 15 أيار، وفق تخطيط الرئيس نبيه بري والأحزاب المتحالفة معه، ودقة الرئيس بري في الأمور، يتم التمديد للمجلس في 15 أيار، ويرسل الى رئيس الجمهورية والمهلة 15 يوما تنتهي في 30 أيار. فاذا قام رئيس الجمهورية بردّ القانون، يعقد الرئيس نبيه بري جلسة في 31 أيار، ويؤكد بأكثرية 65 نائبا التمديد لمدة سنة لمجلس النواب. وعندئذ يصبح التمديد نافذا، ولا يعود امام رئيس الجمهورية الا الطعن في التمديد امام المجلس الدستوري.
هذا من حيث السيناريو العادي للامور. وهنالك سيناريو آخر قد اصبح وارداً لان لبنان امس دخل مرحلة توتر طائفي، ذكّر بـ 13 نيسان عام 1975. فتحرك الشارع المسيحي بقوة، ضد التمديد للمجلس النيابي، ودعا الى الإضرابات والتظاهر لمنع انعقاد الجلسة وتأمين التمديد للمجلس النيابي.
وفي المقابل، بات جمهور حركة امل الشيعي مستنفرا مع الحزب القومي وحزب البعث. وفي 15 أيار، اذا تظاهر الشارع المسيحي، الذي يضم حزب القوات وحزب التيار الوطني الحر وحزب الكتائب، والحراك المدني، فانه قد يواجَه بشارع شيعي من حركة أمل، والجمهور المؤيد للحزب السوري القومي الاجتماعي وبعثيين تابعين لحزب البعث العربي الاشتراكي ويحصل صدام في الشارع، والأمور مفتوحة على فتنة طائفية.
وهذه الفتنة لا تقبلها المقاومة لحزب الله، لكن حزب الله لا يريد الفراغ، واصبح امام امر واقع، فهو عرض قانون للنسبية، تم رفضه، في اجتماعات حصلت مع التيار الوطني الحر، وتأجلت المواجهة شهراً بطلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وكان العماد ميشال عون دائما يؤكد في الاجتماعات ان الفراغ لن يحصل، وان هنالك مجالاً للتوصل الى اتفاق، لكن الطبقة السياسية التي لم تنجز قانوناً انتخابياً طوال 27 سنة، لن تنجز هذه المرة اتفاقا لقانون انتخابي جديد بديل عن قانون 1960، وهذا السيناريو الثاني. اما من الان وحتى شهر فقد يتصاعد التوتر الطائفي الى اقصى حدوده، اما ان يتم الاتفاق على قانون انتخابي نتمناه بين الأطراف كافة يعتمد جزءاً من النسبية وغيرها، واما انعقاد المجلس النيابي وإقرار التمديد في جلستين، في 15 أيار و 31 أيار. والقرار في النتيجة عندئذ يعود الى المجلس الدستوري، لان الرئيس العماد ميشال عون سوف يطعن في دستورية التمديد امام المجلس الدستوري.
يوم امس، شهد تحركاً سياسياً واسعاً، وكان للرئيس سعد الحريري دور كبير في الاتصالات، وألغى مواعيده وتفرغ للتواصل مع الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري. كذلك قام النائب إبراهيم كنعان على رأس وفد من التيار الوطني الحر، بزيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي حيث لمس تأييد البطريرك بشارة الراعي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وان البطريرك الماروني بشارة الراعي يرفض التمديد للمجلس النيابي للمرة الثالثة. كما زار النائب إبراهيم كنعان على رأس وفد من التيار الوطني الحر الرئيس سعد الحريري في السراي الكبير، ثم انتقل الى حارة حريك، حيث اجتمع مع الوفد الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، وشرح النائب ابراهيم كنعان وجهة نظر التيار الوطني الحر.
لكن في هذه الاثناء، وبعد الإعلان عن ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيخاطب اللبنانيين مباشرة، ارتاح الوزير وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري وبقية الأطراف الى إعطاء فرصة شهر للبلاد للتوصل الى حل، ومنع اصطدام 13 نيسان، في شأن التمديد للمجلس النيابي.
وأصبحت المحادثات في يوم واحد غير مجدية، في وقت بدأ كل طرف يعدّ العدّة لتقديم اقتراحاته خلال فترة الشهر، من اجل التوصل الى حل في شأن قانون الانتخابات.
واثر كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقراره بتعليق عمل المجلس النيابي لمدة شهر وفق المادة 59 من الدستور اللبناني، أعلنت الأحزاب المسيحية الغاء الاضراب والتظاهر والتحركات الشعبية، ودعت الى اعتبار يوم 13 نيسان يوم عمل عادياً، واعتبر كل طرف نفسه منتصرا، وانه حصل على فرصة شهر لإيجاد حل، ربما يكون ممكناً، وربما لا يكون ممكناً.
لكن المشهد الطائفي كان يوم امس ظاهرا للعيان في شكل واضح، وعاد لبنان سنوات كثيرة الى الوراء، لكن بقيَ الصراع ضمن اطار مضبوط وقواعد الاشتباك محددة وغير مسموح لأي فريق الخروج عنها.
هذا وبقيَ الصراع لبنانياً، بشكل كامل للمرة الأولى في تاريخ لبنان، ولم تتدخل دول لا أوروبية ولا الولايات المتحدة، ولا روسيا ولا سوريا ولا أي طرف مع الأطراف اللبنانية لأيجاد تسوية فيما بينهم. ولم يعلق الاتحاد الأوروبي في شأن ديموقراطية لبنان بأي تعليق. وكأن المساحة اللبنانية متروك امرها الى اطراف لبنانية، لتنزع شوكها بيدها.
وذكّرت احداث الامس بالمواجهة التي حصلت بين الرئيس الراحل فؤاد شهاب ورئيس مجلس النواب الراحل كامل الاسعد سنة 1964 وخيار الرئيس فؤاد شهاب بعدم التجديد والذهاب الى انتخاب الرئيس شارل حلو، فاذا بالمشهد يتكرر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري، مدعوما من حزب الله والرئيس الحريري والوزير جنبلاط والوزير فرنجية والوزير بطرس حرب وفتوش وغيرهم.
فيما كان العماد ميشال عون يختار الطريق التي جذبت كثيرين من الشباب اللبناني، وبخاصة انها خلقت عصبية مسيحية ستكون قوة كبيرة للعهد وللعماد ميشال عون في حكمه كرئيس للجمهورية. وعادت شعبية الرئيس العماد ميشال عون الى ذروتها مدعومة من القوات اللبنانية، وعمليا، من حزب الكتائب اللبناني الذي دعا أيضا للتظاهر منعا للتمديد، وايدت الكنيسة المارونية موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
ومن الان وصاعداً اصبح الرئيس العماد عون في الوسط بين حزب الله والقوات اللبنانية، والرئيس العماد ميشال عون، وان بقي على قناعاته، لكنه لم يعد الحليف المطلق لحزب الله، بل الحليف الفعلي مع حزب القوات اللبنانية، وفي الوقت عينه، يواصل التزامه بورقة التفاهم مع حزب الله، انما ظهر خلاف سياسي كبير بين حزب الله والعماد ميشال عون، واعتبر حزب الله، رغم زيارة الحاج وفيق صفا الى الوزير جبران باسيل في الخارجية يوم امس، ان موقف النائب باسيل استفزازي في المفاوضات بشأن قانون الانتخابات.
ويمكن القول ان العلاقة توترت بعض الشيء بين حزب الله والعماد ميشال عون.
في وقت يعمل حزب الله على دعم قوي للنائب سليمان فرنجية، لكي يضع توازنا مقابل تحالف العماد ميشال عون مع الدكتور سمير جعجع، فان الاحداث التي حصلت امس أظهرت زيادة قوة التحالف لدى الثنائي المسيحي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مقابل دعم حزب الله للنائب سليمان فرنجية وللرئيس نبيه بري.
انما تحت الطاولة هنالك اتفاق بين الوزير جنبلاط والرئيس بري والرئيس سعد الحريري الذي يريد الحفاظ على علاقاته مع العماد ميشال عون. لكن الاتفاق السري بين الثلاثي جنبلاط – بري – الحريري هو الإبقاء على قانون 1960 وتفشيل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الوصول الى قانون جديد، يريد عبره رئيس الجمهورية الحصول على انتخاب 55 نائبا مسيحيا بأصوات الثنائي المسيحي وتحالفاته من اصل 64 نائبا مسيحيا.