كتب بسام أبو زيد
من كثرة الكلام عن تطبيق الدستور واستخدام الوسائل الديموقراطية في تأجيل انفجار الأزمة السياسية، اعتقدت أنني أعيش في المملكة المتحدة أرقى الديموقراطيات في العالم، وأن المسؤولين والقيادات السياسية والأحزاب تمارس أدوارها وفق برامج سياسية واجتماعية تخوض على أساسها انتخابات نيابية في وقتها المحدد وفق إمكانات متساوية متوفرة لكل المرشحين.
طبعا إن هذا الكلام يدخل في إطار الأحلام والتمني، لأن الواقع في لبنان متناقض تماما لكل ما تقدم.
في لبنان لا تجرى الاستحقاقات الانتخابية في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب في مواعيدها، وبذلك نكون قد أدخلنا في عالم السياسة مصطلحان نادرا لا بل مستحيلا أن تستخدمهما الدول الديموقراطية العريقة وهما التمديد والفراغ.
في لبنان لا يطبق الدستور ولا يحترم ويعطل السياسيون المجلس الدستوري ولا يتفقون على أي تفسير لأي مادة دستورية، فيتحول الدستور إلى سلاح يستخدمه هذا الطرف في وجه ذاك من أجل إثارة الفوضى والضغط السياسي عوض أن يكون وسيلة لانتظام الحياة السياسية.
في لبنان لا يمكن التخلي عن الكلام الطائفي والمذهبي، فهو السلاح الرئيسي في يد السياسيين، فيطرحون الصوت أن السنة أو الشيعة أو الدروز أو المسيحيين مهددون بوجودهم والدفاع عن هذا الوجود كل الوسائل متاحة حتى ولو كانت ستؤدي إلى إشعال البلد.
في لبنان إستعمال السلاح مباح لتحقيق أي هدف يرغب به أي طرف لبناني إذا توفر له هذا السلاح والقدرة، والمفارقة أنه يبرر استخدامه بالقول إنه استنفذ كل الوسائل الديمقراطية وأي ديمقراطية.
في لبنان ليس هناك من دولة، وإذا وجدت فهي دائما في موقف المتفرج والعاجز والمهدد بالانهيار، لا بل هي الوسيلة الوحيدة التي أصبحت متوفرة اليوم من أجل جني المال والنفوذ السياسي بعدما شح أو انقطع من مصادره الخارجية.
في لبنان لم يحاسب اي فاسد ولم تحاسب اي حكومة على أفعال أصابت مصلحة المواطن والدولة بأي ضرر. فعندما تتفق مصالح السياسيين حدث ولا حرج عن ارتكابات لو حصلت في دولة ديمقراطية لذهب من ارتكبها ومهما علا شأنه إلى السجن.
في لبنان ليس هناك من شعب يحاسب ورأي عام لا يقبل بأي شكل من الأشكال بالأخطاء والارتكابات، وفي لبنان مجموعات حزبية تسير وفق قادة أحزابها من دون نقاش أو سؤال. وفي المقابل هناك أناس عاديون أنهكهم السياسيون والأحزاب وقطعوا أمامهم على الصعيد الوطني اي طريق أو سبيل للتغير وأمعنوا في ارتكابات جعلت الأكثرية الشعبية تستنكف عن أي ممارسة ديمقراطية من أجل التغيير والمحاسبة.
هذا هو لبنان مع الأسف لذلك أوقفوا محاولة تجميل الصورة، وحاولوا أن تغيروها بالفعل بشكل جذري، إذ ليس من المعيب أن نعترف بتشوهاتنا ونعالجها عوض أن نعمد إلى تجميلها لتعود أقبح مما كانت بعد فترة من الزمن.