كتب عباس صالح في صحيفة “الديار”:
الحراك الطائفي الذي حصل الاربعاء الماضي على الارجح انه كان فأل خير على اللبنانيين، لأنه كشف هياكل المخططات السوداء التي كانت ترتسم في الغرف السوداء وتتربص بالبلد ومستقبله الشرور، كما فضح المستوى الذي بلغته الاحتقانات المتراكمة بين الفرقاء على الساحة اللبنانية.
واذا كانت التحضيرات الشعبية بلغت ذروتها للتظاهر، حتى ان ناشطي ذلك الحراك اعلنوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن نوايا كانت معلنة بقطع طرق رئيسية في لبنان، اضافة الى إجراءات ترمي الى منع النواب الذين كان يفترض انهم سيحضرون الجلسة المضروبة للتمديد للمجلس النيابي، من الوصول الى مبنى البرلمان في ساحة النجمة ولو بالقوة، والتعرض لهم، وربما الاعتداء عليهم، طبقا لما تسرب على ألسنة بعض القيمين على ذلك الحراك، علما ان هؤلاء هم كل النواب الممثلين لـ«تيار المستقبل» و«حركة أمل» و«حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«تيار المردة» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» والنائب طلال أرسلان وعدد لا يستهان به من النواب المستقلين. وهنا يمكن لأي عاقل ان يتصور المشهد الذي كانت ستسفر عنه تلك الاعتداءات او حتى مجرد الاستفزازات ليعرف النتيجة الطبيعية لما كان سيحدث حكماً!
لكن، وفقا لما كشفه مصدر سياسي مسؤول ان المشهد على الضفاف الاخرى والذي لم يكن مصورا بل هو ممنوع من التصوير والنقل المباشر ومن كل «تقنيات الجذب لدى الاعلام المرئي»، هو التحضيرات الشعبية من النوع الاخر، وهي تحضيرات تبدأ باللافتات والشعارات المضادة وأدوات الحقن الطائفي والمذهبي والسياسي ولا تنتهي بالسكاكين والعصي والادوات الحادة على أنواعها، بل تتعدى ذلك الى ما هو أكبر، بل الى ما يثبت بالملموس ان اللعب كان على حافة الهاوية وأن حربا أهلية جديدة كانت متربصة بلبنان وكادت ان تندلع بفعل رعونة بعض قصيري النظر من السياسيين وأمراء الطوائف وبعض متعهدي الحروب.
عند هذه النقطة بالذات، برأي المصدر، يمكن ان ترتسم كل السيناريوهات التي تؤسس للاحتقانات والحروب الاهلية بين الاخوة من أبناء الوطن الواحد، ومن خلالها يمكن لنا ان نكتشف بسهولة ان ما كان يتم بحثه في كواليس القوانين الانتخابية بالذات هو في واقع الامر نوع من التأسيس المشرعن لحروب أهلية تدوم طويلا في ربوع الوطن الصغير الذي لا ينقص ابناءه الشحن الطائفي ولا تحريضهم ولا اللعب على غرائزهم في هذا المضمار، في حين ان القوانين التي يبحثها المسؤولون والقوى السياسية عموما، والمحادثات بشأنها والتي أخرجت الى العلن في هذه المعمعة، أثبتت للقاصي والداني ان كبار القوم يبحثون في دائرة تفصيل قوانين طائفية على قياس من هو أكثر تطرفاً في خطابه الطائفي والمذهبي من غيره بين جماعته الطائفية، من خلال اقتراح التأهيل انتخابيا على المستوى الطائفي، وهو اقتراح لا يمكن ان يحظى بموافقة اي عاقل يفكر في مصلحة البلد الفعلية، لان الغني عن القول ان هذا الامر سيستدعي تطرفاً أكثر في الجهة المقابلة، وبالتالي سواء تم انتخاب اثنين او ثلاثة او اكثر على المستوى الطائفي والمذهبي في المرحلة التأهيلية، فان المؤهلين لن يكونوا سوى من صفوة الصقور المتطرفين والمتشددين طائفيا ومذهبيا، وبالتالي فان الانتخاب على أساس النسبية في الدورة الثانية لن يٌخرج أيا منهم من شرنقة التطرف وبالتالي لن يصل الى المؤسسة التشريعية نهاية المطاف الانتخابي، سوى صقور الحرب الاكثر تشددا وعدوانية من الطرفين، ومن المعلوم ان صقور الحرب لا ينتجون سوى الحروب.وبهذا المعنى فان ما حصل الاربعاء فضح ما يجري في الكواليس وما كان تم الاتفاق بشأنه في هذا الصدد، وأكد ان من يبحثون في قانون الانتخاب اليوم يعلمون جيدا انهم يؤسسون لانتاج حرب أهلية جديدة، ومع ذلك رأيناهم يمضون في هذا الطريق بلا وازع ومن دون ان يجدوا من يردعهم، او حتى يدق جرس الانذار لينبههم الى ان سلوك هذا الطريق دونه مخاطر جمة، وان ما يخاطرون به هو هيكل الوطن الذي حين يتداعى فإنه سيسقط فوق رؤوس الجميع ولا ينفع يومها الندم.
من هنا يبدو يضيف المصدر ان ما حصل على كل بشاعته، واستدراجه لأجواء الحرب الاهلية وصورها وممهداتها وشعاراتها ومبرراتها وغيره، فيمكن قراءته من الزوايا الاخرى على انه فأل خير، باعتبار انه شكل انذارا لكل اللبنانيين وفضح امامهم كل ما يحاك في الغرف المغلقة على البحوث الانتخابية، واعطى فرصة للقيمين على الدولة بأن السيناريوهات الانتخابية التي يبحثونها هشة بمجملها، بل ان بعضها عرضة لان يتحول من آلية انتخاب الى آلية انتاج حروب محلية مستديمة لن تبقي لنا وطناً، وانه بعد الذي جرى وشاهدوه بأم أعينهم، بات يتحتم عليهم البحث في أطر أخرى بعيدة كل البعد عن كل ما حكي بشأنه سابقاً من اقتراحات القوانين التي تنسف أسس العيش المشترك، لا سيما ان طرح مبدأ النسبية في الانتخاب يفترض انه يحمل في طياته الابعاد الوطنية الشاملة، لايصال العقلاء والمعتدلين والمتنورين الى الندوة البرلمانية.
والمخرج الدستوري الذي تم التفاهم بشأنه بين الرئاسات الثلاث قد يكون منطلقا لبحث جدي وسريع، ويفضي خلال أيام الى اتفاق على قانون انتخابات نيابية بحجم الوطن فعلياً، لا تشوبه العيوب البنيوية والجوهرية، ولا يكون بمثابة وصفة سريعة للحروب الاهلية، بحسب المصدر، كالمشاريع التأهيلية المقترحة حتى الان، بل يكون آلية ايصال نخب وطنية تقارب الامور على قواعد وطنية عاقلة تطفيء النعرات الطائفية، وتحجب كل ما يستحضرها بدلا من ان توقظها.
ومن هذا المنطلق يمكن قراءة مواقف الشرائح والقوى المؤيدة لخطيئة بل لجريمة التمديد الثالث للمجلس النيابي، التي كانت وما تزال تعتزم القيام بها، ما لم يتم الاتفاق على قانون انتخابات جدي وحقيقي، وهؤلاء يجدون الآن مروحة تأييد أوسع من المرتين السابقتين بأضعاف مضاعفة، لا سيما ان التمديد لم يعد تمديدا مجردا بقدر ما بات خطوة ضرورية لإبعاد كأس الفراغ المر الذي تعمل له جهات ليل نهار، لتفاوض في اجواء الفراغ على رؤاها الانتخابية وعلى ايقاعات ساخنة، وهي الجهات نفسها التي تطرح النظريات الطائفية الضيقة المؤسِّسَّة للحروب الاهلية، وربما لن تشكل هذه النقطة بالذات المشكلة الحقيقية بقدر ما تنتقل الى مكان آخر عندما يحل الفراغ في السلطة التشريعية حيث ان من سيتولى المصادقة على نتائج ومقررات المفاوضات بهدف شرعنتها لن تكون القوى السياسية المكونة للمجلس النيابي اليوم بل هيئة تأسيسية جديدة، لا يعرف أحد الى اين ستأخذ البلد وأهله.