رغم الطابع اللافت لقرار الرئيس اللبناني ميشال عون استخدام المادة 59 من الدستور اللبناني لتعليق المجلس النيابي لمدة شهر واحد ولمرة واحدة فقط، فإن ذلك فاجأ اللبنانيين، خصوصا من كان منهم يستعد للنزول إلى الشارع الخميس، إلا أنه لم يفاجئ الطبقة السياسية الحاكمة.
ويرصد خبراء الدستور في لبنان أنها المرّة الأولى التي يستخدم فيها رئيس جمهورية لبناني هذه المادة منذ تاريخ وضعها في العام 1929. ونوهوا إلى أن الأمر يلفت إلى الصلاحيات التي مازال رئيس الجمهورية اللبنانية يمتلكها لمحاولة فرض وجهة نظره في أمر دستوري جلل.
غير أن أوساطا سياسية لبنانية لم تخف ملاحظتها أن الحدث يمثل حلقة من حلقات الاختلاف بين الرئيس عون وحزب الله حول القانون الأجدى للانتخابات، والذي يحاول الطرفان عدم رفعه إلى مستوى الخلاف.
فتعليق الدستور الذي يعلق أعمال مجلس النواب اللبناني يعتبر بالمعنى المحلي مسا بحزب الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله، ولطالما عطل هذا الثنائي عمل البرلمان برئاسة نبيه بري منعا لتمرير قوانين لا تتناسب مع مصالحهما السياسية.
وترى بعض الأوساط أن قرار عون الذي لا شك أنه اتخذه بالتوافق والتنسيق مع كامل الطبقة السياسية شكّل نكسة في مسار التحالف الذي جمع حزب الله بالتيار الوطني الحر الذي قاده عون، ويقوده صهره وزير الخارجية جبران باسيل حاليا.
وتعتبر أوساط مقربة من حزب الله أن الحزب ومن خلال موقف عون الداعم لمقترحات القوانين التي قدمها باسيل التي تستند على “المختلط” مقابل إصرار الحزب على “النسبية”، يشعر بتمرد في بعبدا يشبه الانقلاب على “ورقة التفاهم” التي جمعت الطرفين عام 2006.
وتضيف هذه الأوساط أن الحزب الذي يتعرض لضغوط دولية كبرى ولسياسات عدائية معلنة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يمكنه التساهل في تمرير قانون انتخابات لا يؤمن له الإمساك بمفاصل القرار البرلماني، كما أن الحزب في هذه الظروف لا يمكنه السماح بتعظيم حصة المسيحيين غير المرتبطين بالصوت المسلم، وفق قانون باسيل، إلى نسبة الثلث التي ستشكل قوة معطلة لمزاج الحزب وخططه السياسية في البلد.
ويلاحظ عارفون في الشأن اللبناني أن إيجابية تيار المستقبل مع كافة القوانين المقترحة، النسبي منها والمختلط، قذف بالكرة خارج ملعبه وعمّق من أعراض الخلاف بين حزب الله والتيار العوني، علما أن التيار كان عبّر عن ارتياب من النسبية التي يطالب بها حزب الله لإدراكه أن الحزب لا يروم تطوير التمثيل النيابي بل يسعى إلى اختراق الطوائف الأخرى بنواب يدينون له بالولاء ما يوسع من هيمنته على مجلس النواب.
ورغم أن قرار عون غير مسبوق في تاريخ الجمهورية اللبنانية، إلا أن الأمر جرى وفق اتفاق داخلي كانت الأطراف المعنية على علم به.
وتكشف الإيجابية التي تلقى بها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قرار عون، بأن الأمر جرى بالتداول معه كما مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وأن اجتماع الأخير بالرئيس في بعبدا كان هدفه تأكيد الوئام بين الرئاستين وتقديم الأمر بصفته تسوية لحل المشكلة وليس انقلابيا صداميا يفاقم من طبيعتها.
غير أن عدم توصل الفرقاء إلى اتفاق بشأن قانون الانتخابات سيقود البرلمان آليا إلى التجديد لنفسه بعد شهر، وبالتالي فإن قرار عون جاء انسجاما مع وعوده ببذل أقصى جهوده لإنتاج قانون جديد للانتخابات، لكنه لن يستطيع اختراق سلبية الطبقة السياسية إذا ما تواطأت لغايات مختلفة على عدم وضع قانون يرضي الجميع، بما يعيد إنعاش قانون الستين الذي يعتبره الجميع متقادما لكنه القانون المتوفر لمنع أي فراغ.
لكن معلومات الساعات الأخيرة التي سبقت الإعلان عن قرار عون كانت تشي بنضج التفاهمات واقترابها من اتفاق، وأنه في حال تم ذلك فإن الجلسة التي دعا إليها بري البرلمان في 15 مايو المقبل ستخصص للتصويت على قانون الانتخابات من جهة وعلى تمديد تقني لمجلس النواب على ألا يتعدى مدة تتراوح ما بين 3 و6 أشهر.
وقال النائب عن حزب القوات اللبنانية فادي كرم إنه بعد أن ثبت “أن المناخ غير مناسب لفرض القانون الذي يريده حزب الله فإن خيار التمديد كان الخيار المناسب، وخصوصا أن بعض الفرقاء الذين كانوا يعبرون عن مواقف ترفض النسبية الكاملة ثم عادوا عن قرارهم، وجدوا في التمديد حاليا فرصة للتهرب من الانتخابات”.
ولا ينكر كرم في تصريح لـ”العرب” أن “علاقة التيار الوطني الحر بحزب الله تأثرت سلبا في المرحلة الأخيرة، ليس لأن القوات اللبنانية تدفع في هذا الاتجاه، ولكن لأن مسار الأمور أثبت أن موقف حزب الله لا يصب في صالح العهد، ولا في صالح الشعب اللبناني، كما أنه لا يساعد المسيحيين على تحصيل حقوقهم في إطار التمثيل الحقيقي”.