كتب شادي علاء الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:
يميل قسم كبير من قراء الوضع اللبناني إلى تلمّس بوادر افتراق بين قطبي الثنائية الشيعية على خلفية العقوبات الأميركية الجديدة التي يتوقع أن تطال للمرة الأولى شخصيات تنتمي إلى حركة أمل.
يتوقع هؤلاء أن تفرض العقوبات الأميركية واقعا جديدا يؤدي إلى سعي رجال الأعمال الشيعة الذين يدورون في فلك حركة أمل إلى فك أي ارتباط بينهم وبين حزب الله، ويتوقعون أن ينسحب هذا الواقع على علاقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالحزب.
تساق حجج كثيرة لرسم ملامح مشهد الخلاف بين الحركة والحزب؛ من موقف الحركة الرافض للتدخل في سوريا، إلى الخلافات والمشاكل التي تقع بين مناصري الطرفين في أكثر من منطقة.
ويعاد كذلك التذكير بالحروب التي دارت بين الطرفين في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، والتي أسفرت عن سقوط الآلاف من القتلى من الطرفين، بوصفها علامة لا تخطئ على تراكم سلسلة من الأحقاد والعداوات التي لا تموت.
تتخذ جل هذه القراءات من بعض المظاهر الدالة على الخلاف دليلا على وجود خلاف جوهري لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى فصل المسارات، وانفضاض الشراكة التي تجمع بين التيارين الشيعيين. يتم عن عمد أو انسياقا وراء الأمنيات تجاهل عمق الروابط التي تجمع بين الحركة والحزب، ومدى متانتها القائمة على وحدة الحال والمصير.
صحيح أن حركة أمل نأت بنفسها عن المشاركة الرسمية في الحرب السورية، ولكن هذا لا يعني إطلاقا أن مواقف جمهور الحركة لا تصب في الموقع نفسه الذي تصب فيه توجهات جمهور حزب الله ومواقفه.
مراقبة مواقف جماهير الحزبين، كما تتجلى على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع، لا تكشف عن خلاف في الموقف من الحرب السورية يمكن أن يستند إلى مرجعية سياسية أو أخلاقية تناقض رؤية الحزب، بل نجد موقفا شيعيا واحدا لا يمكن الفصل فيه بين مؤيدي الحركة والحزب.
كذلك فإن مشاركة الحركة في الحرب السورية لم تنعدم تماما، بل تسجل مشاركة عناصر ومجموعات تابعة للحركة بشكل غير رسمي، كما أن المعلومات تشير إلى مشاركة قدامى الحركة ممن يملكون خبرات حربية ميدانية في الحرب السورية بصفات استشارية وتخطيطية.
كل هذا يقول إن الموقف الرسمي الذي أعلنته الحركة من المشاركة في الحرب السورية ليس موقفا مبدئيا يمكن أن يشكل مدخلا لبناء سلوك سياسي واجتماعي يكرس الانفصال عن مواقف الحزب، بل كان صيغة تقوم فيها الحركة بحماية ظهر الحزب في لبنان، ولعب دور شرطة الداخل، في الوقت الذي يلعب فيه الحزب دور الساعي إلى توسيع رقعة النفوذ الشيعي في المنطقة.
ولعل العامل المالي، الذي يعتبر البعض أن العقوبات الأميركية ستساهم في جعله لغما آيلا إلى الانفجار في أي لحظة والإطاحة بالحلف الشيعي المتين، هو أكثر ما يربط بينهما، وخصوصا في هذه المرحلة التي بلغ فيها التداخل التمويلي بين الطرفين حدا غير مسبوق. ينتشر رجال الأعمال الشيعة في كل بقاع العالم، ويديرون عمليات مالية معقدة تؤمن عائداتها تمويل الحزب في حربه السورية وغيرها، وكذلك تمويل حركة أمل.
ولا يبدو من قبيل الصدفة أن الإعلان عن شبكة العقوبات الأميركية التي تطال حركة أمل جاء بعد القبض على رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين المتهم بتمويل الإرهاب في المغرب وتسليمه إلى أميركا. شبكة نشاطات تاج الدين كانت تشمل أفريقيا، وهي منطقة تنشط فيها الحركة وينتشر فيها العديد من رجال الأعمال والأشخاص التابعين لها منذ فترة طويلة.
لم تعد معارك الثمانينات بين الحزب والحركة قادرة على إنتاج حقد يمكن بلورته في إطار تضارب المشاريع، بل تم تذويب هذا الحقد واستبداله بشيء آخر هو الدخول في مشروع حلف الأقليات، وبث رعب الإبادات التي ستصيب عموم الشيعة في حال تمكن المشروع التكفيري من الانتصار.
تمت تغطية الحقد السابق بالغنائم الناجمة عن التحالف الذي أثبت قدرة عالية على خلق منطق غلبة، يدرج عموم الشيعة في إطار الطائفة المرجعية والتي يناط بها رسم الخطوط العامة لإدارة البلاد وتحديد سياساتها.
وقد يكون في تحولات الإدارة الأميركية الجديدة ما يقوّي من أواصر العلاقة الثنائية، لأن منطق هذه الإدارة الرامي إلى معاقبة بشار الأسد لم يأت في سياق منفصل عن تقليص نفوذ إيران وضرب وجودها في سوريا، بل كان متكاملا معه.
تاليا فإن تحجيم الأسد وإيران لا بد أن يفرض على حزب الله العودة إلى لبنان، ما سيستتبع حكما ضرورة تمتين الروابط بينه وبين الحركة لمواجهة التحديات الكبيرة التي ستفرضها عليه هذه العودة في قلب الساحة الشيعية.
“بعد هذا التمديد لن يكون هناك أي قانون انتخابي في لبنان إلا على أساس النسبية الكاملة، ولو قامت الساعة”، كان هذا موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري قبل الجلسة النيابية المخصصة لإقرار التمديد للمجلس النيابي، وقد حال دون انعقادها استخدام رئيس الجمهورية للمادة الـ59 التي تتيح له تعليق عمل المجلس لمدة شهر واحد.
لا يكشف هذا الموقف سوى أن الثنائية الشيعية تتجهّز للانتقال من مرحلة الاستقواء على الدولة وكل المكونات الأخرى في البلد، إلى مرحلة تصبح فيها هي الدولة نفسها. مدخل قانون الانتخاب الذي يعتمد النسبية الكاملة يشكل حاليا أحد أبعاد التحالف العميق الذي يجمع بين حركة أمل وحزب الله، وهو لا يكشف عن عملية توزيع للأدوار بقدر ما يكرس وجود دور واحد وهوية واحدة.