Site icon IMLebanon

الوطني الحرّ يستغرب عدم مساندة حزب الله لطروحاته

كتب جورج عبيد في صحيفة “الديار”:

لا يزال الجدل مستعراً وعالياً حول قانون الانتخابات في لحظة تاريخيّة وحاسمة يطلّ فيها لبنان على محطات أساسيّة حبلى بالتغييرات الجيو-استراتيجيّة والجذريّة. أوساط سياسيّة مواكبة لهذا النقاش، كشفت أنّ عطلة الفصح، لم تحل دون قيام بعض الشخصيّات المعنيّة بقراءات نقديّة وبنّاءة لما آل إليه واقع الانتخابات، وبخلاصة القراءات النقديّة اتضح بما لا يقبل الالتباس، أنّ ثمّة أفرقاء آساسيين بدأوا يستعملون أطروحاتهم كحجب حاجبة وخافية للمرام الحقيقي خلف تراكم الكلمات بكميّاتها الهائلة، فلا أحد وبحسب تلك الأوساط، يريد النسبية سواء كانت مطلقة أو متزاوجة مع ما سمي بالأكثريّ، أو مع دوائر وسطى أو موسعة أو ضيقة، لقد جنح الجميع نحو لغة التكاذب المقيتة، فهم يقولون شيئًا ويضمرون شيئاً آخر.

تعتقد تلك الأوساط وبفعل تقييمها وفحصها لهذه الوقائع، بأنّ التيار الوطنيّ الحرّ مع رئيسه جبران باسيل كان واضحاً حينما قدّم مجموعة اقتراحاته الرامية إلى تحقيق المناصفة الفعليّة المنصوص عليها في الدستور في المادتين 24 و95، كما أنّ القوات اللبنانيّة كانت واضحة برفضها لقانون الستين ودفاعها عن المشروع المختلط، وفي الوقت نفسه فإنّ وليد جنبلاط كان صادقًا في اعتراضه على النسبية ورفضه لها ودفاعه عن قانون الستين ومطالبته الأفرقاء السياسيين بالعودة إليه، على عكس معظم السياسيين الذين وكما قال رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يرفعون عليه سيوفهم ويضعونه في قلوبهم.

 لماذا الانكباب المفرط على قانون الستين؟

وردت لتلك الأوساط معلومات أفادت بأنّ قيمة الانكباب غير مرتبطة بسلوكيات لبنانيّة، ولا هي محصورة بالأزمنة الداخلية، بتراكماتها وأبعادها، بل هي مملاة على من يقول ويبشر بها. فمنذ أكثر من شهرين جهر النائب وليد جنبلاط بضرورة العودة إلى قانون الستين معدّلاً أو العودة إلى الطائف، لقد كان الوحيد واضحاً في جهره، فيما بقيّة الأطراف تسللوا إلى طرح الوليد تسلّلاً خبيثاً باستعمالهم أطروحات واهية تبدو في حقيقتها كالهباء الذي تذرّيه الريح عن وجه الأرض. لم يجاهر جنبلاط علناً به بسبب الخصوصيّة الدرزيّة، ولا قانون الستين يعبّر عن جوهر تلك الخصوصيّة بحسب ما قرأه القادة الدروز الآخرون، بل جاهر به لسببين:

1- لأنه يتيح له استبقاء المسيحيين في عاليه والشوف تحت كنفه، ويبيح له الاستبقاء بفاعليّته وحجمه  ورسوخه انتقاء من يشاء من المسيحيين للانضمام إلى لائحته، فيبقى القرار محصوراً به بلا مشاركة فعليّة من أهل البيت، وهذا عيناً ما أثار في الحقيقة اعتراض معظم المسيحيين في الجبل وغيره، المكتوين بحصر القرار به دون سواه. فيما المسيحيون ساعون دومًا للتحرّر من هذه السلوكيات السائدة منذ التسعينيات حتى من رحم التحرّر يولد وطن لبنانيّ متوازن مع نفسه ومع الأمم.

2- لأنّ المملكة العربيّة السعوديّة ووفقاً لمعلومات حديثة أبدتها تلك الأوساط تعترض بصورة مباشرة وغير مباشرة على ما أبداه التيار الوطنيّ الحر والقوات اللبنانيّة من أطروحات تحرّر المسيحيين من مبدأ الاستيلاد، وتقول المعلومات إنّها دخلت على خطّ وليد جنبلاط وخطّ تيار المستقبل على وجه التحديد، وخطّ بعض المسيحيين «للقوطبة» على الرؤية الانتخابية المسيحيّة. وقد أبدى أحد المسؤولين في المملكة العربيّة السعوديّة تحذيراً لشخصية لبنانيّة زارت الرياض قائلاً حذار المسّ باتفاق الطائف، دافعوا عنه دفاعًا مستميتاً صرّوا على المضيّ بقانون الستين فهو يؤمّن ديمومة اتفاق الطائف بقراءتنا نحن. ويتضح بالتالي، أن المملكة تشاء من اتفاق الطائف نافذة لها من لبنان تطل بها على الأحداث في سوريا حرباً وتسويةً، وتضغط بالحالتين من خلال هذا الإصرار عيناً.

في مقابل هذا الأمر تستغرب أوساط أخرى قريبة من التيار الوطنيّ الحرّ عدم مساندة حزب الله لأطروحاته، وهو العارف برؤيته أنّ الضغط الممارس من أجل تنفيذ قانون الستين يستهدفه هو بجوهر أطروحته أكثر مما يستهدف التيار. وترى تلك الأوساط، أنّ الحزب على ما يبدو، كان داعماً للرئيس نبيه برّي بدعوته المجلس النيابيّ للانعقاد من أجل مناقشة قانون الانتخابات وإقراره، وغالباً كادت السبل أن تفتح نحو قانون الستين. ولاحظت تلك الأوساط أنّ استعمال الرئيس عون حقّه الشرعيّ والدستوريّ المنصوص عليه في المادة 58 من الدستور، أعطى المعنى الصحيح للرئاسة وبخاصّة لدورها في تأجيل النقاشات الصاخبة من أجل عدم استغلالها في سبيل تعميق الانقسامات العموديّة في لبنان عن طريق التمديد للمجلس الحاليّ، وهو خطيئة عظيمة تجاه الديموقراطية في لبنان واستقامة النظام التشريعيّ والمثيليّ، وقد كان هذا الأمر غير وارد في عهود ما بعد الطائف. فالمعركة بالنسبة لتلك الأوساط ميثاقيّة ودستوريّة بامتياز وحزب الله الذي تربطه بالتيار علاقات راقية دافع في معركة الرئاسة عن الميثاقيّة بتبنّيه لترشيح العماد عون لهذا الموقع، والتيار الوطنيّ بدوره كان السند القويّ للحزب في تسويغ دخوله سوريا والقتال فيها، وفي مواجهته مع الغرب بمسألة قانون العقوبات الماليّ الجائر، وجود التيار الوطنيّ إلى جانب الحزب، وبخاصة وجود نسبة مسيحيّة داعمة له أكسبه بعدًا عربيّاً ومشرقيّاً وأوروبيّاً، ففي الخطوط الاستراتيجيّة العريضة وبحسب أوساط التيار، الحزب والتيار على اتفاق تام، أمّا في مسألة قانون الانتخابات فإنّ التيار يرى أن دخول السعوديّة على مستوى هذا العنوان بالذات استهداف مباشر للحزب واستهداف مباشر لهذا التحالف المتين والقويّ بين الحزب والتيار ببعده المسيحيّ-الإسلاميّ (الوطنيّ والمشرقيّ-العربيّ).

إن تأجيل الجلسة النيابيّة لأيار وبحسب المعلومات تأجيل للأزمة، فالخلاف دخل مرحلة عموديّة تتدحرج بالبلد نحو وديان سحيقة، لقد استعمل الرئيس حقّه الدستوريّ، ولكن ماذا لو لم يصل الأفرقاء إلى اتفاق حول القانون ووضع البلد بين خيارين إمّا قانون الستين أو الاتجاه نحو التمديد للمجلس النيابيّ؟ أجاب عن هذا السؤال أحد الخبراء الدستوريين قائلاً إنّه يبقى للرئيس حلّ واحد وهو حلّ المجلس النيابيّ، والحلّ محاط بمخاطر كبرى منها أنه سيكون ملزماً بالدعوة للانتخابات وفقًا لقانون الستين وهذا ما يناضل من أجله معظم الأفرقاء برؤيتهم الظاهرة أو المخفيّة. المعطيات تشير الى أنّ البلد في قلب أزمة نظام سياسيّ في غاية الاهتراء ولا يملك القدرة على الانطلاقة بهذه الحلّة الرثّة. وتقول معلومات إنّ الرئيس لا يزال يأمل من معظم الأفرقاء التوصلّ إلى اتفاق على طاولة مجلس الوزراء، وبحال عدم الوصول إليه فإنّ الرئيس أمام احتمالين:

1- الدعوة إلى طاولة حوار محصورة بمسألة قانون الانتخابات تضمّ مع الأفرقاء الأساسيين خبراء دستوريين للبحث والنقاش والخلوص إلى مشروع جديد.

2- الدعوة إلى طاولة حوار موسّعة يتمّ فيه البحث في واقع النظام السياسيّ المهترئ ضمن عنوان واضح: أيّ لبنان يتجلّى وينهض ووفقًا لأي نظام سياسيّ؟

وبين الأمرين المجال مفتوح للقبول بحلّ وسط قد يكون قانون نجيب ميقاتي الأفضل. وإذا رام السياسيون الكمال من دون مبالغة فإنّ مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ الانتخابيّ يبقى جوهره، وما عدا ذلك فالبلد متجه إلى هاوية كبرى في ظلّ تصحّر فكريّ مانع من الابتكار والاجتهاد المجرَد من المآرب والأهواء من أجل لبنان مضيء وساطع.