منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011 وما تلاها من تهجير ودمار هائل ومعارك ضارية، يعاني لبنان من ازمة اللجوء السوري ويدفع ثمن الحرب الدائرة هناك. فبعد 6 سنوات من الصراع السوري دخل ما يقرب من مليونَي سوري مساحة لا تتعدى الـ10452 كلم2، ما ادى لتفاقم الازمات التي يعاني منها لبنان أصلاً اقتصاديا واجتماعيا وخصوصاً البنى التحتية السيئة أساساً!
مشكلة إضافية يعاني منها لبنان وهي مزاحمة اليد العاملة السورية لنظيرتها اللبنانية حيث تخلق هذه المزاحمة مشكلة كارثية على كافة الصعد خصوصاً على صعيد العلاقة بين اللاجئ والمواطن اللبناني الذي يعاني من البطالة والهجرة والاوضاع الصعبة.
الأمر لا ينتهي هنا، إذ ان “التنظير” دائما يأتي من اطراف خارجية لا تولي اهتماماً لحساسية الوضع اللبناني وتطرح أفكاراً من قبيل تشغيل اللاجئين السوريين. وفي هذا السياق أثار تصريح مدير أوروبا في صندوق النقد الدولي جيفري فرانكس الجدل بعدما قال خلال اجتماعات مؤتمر البرلمانيين الذي ينظمه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن أنه يقدّر المصاعب التي تتسبّب بها الأزمة السورية ولكن الصندوق ليس لديه أفكار جاهزة لحلول وإقترح فتح سوق العمل أمام السوريين ليساهموا في نمو الإقتصاد بدل إستنزاف هذا الإقتصاد كما يحصل اليوم.
هذه المطالبة أثارت حفيظة النواب اللبنانيين المشاركين في الاجتماع والذين اوضحوا له أن “الظروف والأعباء الإستثنائية التي يمرّ بها لبنان جرّاء زيادة عدد سكّانه بنسبة 40% من النازحين السوريين وإغلاق سبل تصدير المنتوجات الصناعية والزراعية الى الأسواق العربية، لا تقارن بالمصاعب التقليدية للبلدان الأخرى، وتجعل برامج صندوق الدولي غير كافية وتتطلّب إجابات إستثنائية عليها”.
فهل مقاربة مدير اوروبا في صندوق النقد الدولي في محلّها؟ وهل يستطيع لبنان تحمّل فتح سوق عمله للسوريين بشكل كامل؟ وأي نتائج ستترتب عن ذلك عندها؟
دول العالم بحاجة الى يد عاملة نازحة ولكن…
يرى البروفسور في علم الإجتماع الإقتصادي ميشال عبس في حديث لـIMlebanon أنه “لا يمكننا السماح ليد عاملة أجنبية بالعمل في لبنان إلا بالمهن التي لا يعمل بها اللبناني، فكل دول العالم بحاجة الى يد عاملة نازحة بالمطلق، وليس هناك اي دولة في العالم لا توظف يد عاملة نازحة، فعندما تصل الدولة الى مستوى رقي معين يمتنع ابناء البلد عن العمل بوظائف معينة فيتم استقدام يد عاملة اجنبية في هذه المهن، وضمن هذا الحيز يمكننا السماح لليد العاملة السورية او غير السورية بالعمل في تلل المهن وهنا لا تشكل منافسة لليد العمل اللبنانية”.
عبس يوضح ان “فتح باب العمل وسوق العمل امر صعب لاننا في وضع بطالة مستشرية في البلد، وعلينا معرفة ما هي الوظائف التي يأخذها العامل الاجنبي من أمام اللبناني وبعدها نتصرف على هذا الأساس، ويجب القيام ببحث من اجل معرفة الوظائف الشاغرة في البلد التي يمكن للسوري ان ينالها”.
ماروني: نعيش اقتصاد الفوضى
وفي الشق السياسي، يؤكد عضو كتلة “الكتائب” النائب إيلي ماروني في حديث لـIMlebanon أنه “في ظل وضعنا الإقتصادي الصعب ما يطالب به مدير اوروبا في صندوق النقد الدولي خاطئ، لاننا نسعى اليوم لانقاذ اليد العاملة اللبنانية التي تعاني من البطالة والتي وصلت الى هجرة شبه كاملة، مع العلم أننا نحن من يتحمّل مسؤولية هذا الامر لاننا لا نملك رؤية اقتصادية متاكلمة للبلد ولا نملك استراتيجية اقتصادية تعتمدها الحكومات المتتالية ونعيش اقتصاد الفوضى”.
ويلفت الى انه في “كل دول العالم عندما يحصل نزوح من بلد الى آخر، تتم دراسة العدد الذي تنوي الدولة المضيفة استقباله، ورأينا في استراليا وكندا والمانيا كيف قاموا بدراسة العدد الذي يريدونه لكي يستقبلوا النازحين، فمثلا استراليا وكندا التي تبلغ مساحتهما ملايين الكيلومترات، استوعبوا 25 الف نازح، بينما مساحتنا 10452 كلم2 فيما لدينا مليوني نازح سوري واكثر ومليون لاجئ فلسطيني على الاقل، بالاضافة الى ان الحدود مفتوحة وغير مراقبة و”فلتانة”.
“نحن بحاجة لمن يَنْظُر إلينا“
ويشدد ماروني على أن “المؤسسات التجارية اللبنانية تقفل ابوابها والشباب يهاجرون او عاطلين عن العمل وبالتالي فالتنظير من الخارج شيء، والواقع على الارض شيء آخر، فلتتفضل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي بتسهيل الاستثمارات في لبنان التي من شأنها خلق فرص العمل وتدرس جيدا الواقع اللبناني، فالمنظمات تقدم مساعدات للنازحين ولكنها لا تقدم مساعدات للبنانيين من اجل الصمود”. ماروني يقول: “النازحون استهكلوا مياهنا وكهربائنا وضماننا ومؤسساتنا وطرقاتنا، صحيح اننا ننظر بإنسانية الى النازحين ولكن وصلنا الى مكان اصبحنا بحاجة لمن ينظر إلينا بإنسانية، وكفى للخارج بأن يتدخل في شؤوننا الداخلية”.
للإستفادة من الاراضي البقاعية المتروكة
أما بالنسبة للحلول، يشدد عبس على أنه “لو اقتصادنا منظم كما يجب، فكنا استفدنا من الاراضي البقاعية التي لا يستثمرها احد ومتروكة من دون زراعة، فالجميع يعلم ان العدد الاكبر من النازحين السوريين يعيش في سهل البقاع، فتلك الارض المتروكة والتي تبلغ مساحتها كليومترات كثيرة يمكن للدولة اللبنانية ان تفتح المجال لمشاريع زراعية لكي يعمل بها النازحون، فاليد العاملة السورية النازحة التي القسم الاكبر منها ريفي ويعلم بالزراعة يمكننا الاستفادة منها للعمل في مشاريع زراعية من الناحية الاقتصادية”.
ويشير الى أنه “من الناحية الاجتماعية والثقافية والانسانية، اي عمل مستدام لنازحين من خارج البلاد لفترة طويلة سيؤدي الى استقرارهم في لبنان، ويصبحون ذات اقامة دائمة وهنا تقع المشكلة، ونحن كمجتمع ملاصق للسوريين امام طريق مسدود بسبب الوضع في المنطقة”.
وفي ما يتعلق بالمضاربة في سوق العمل، يؤكد عبس أن “وقف المضاربة أمر صعب جدا وليس من السهل محاربته خصوصا في ظل سوق التهريب ما يساعد السوريين على وضع اسعار ارخص من اللبنانيين، فالسعر الادنى سيفرض نفسه عندما يكون هناك منافسة، ومن ناحية اخرى لبنان لا يمكنه ان يتخلى عن مسؤوليته الانسانية، ولكن هذا الامر لا يمكن ان يكون على حسابه، خصوصا أنه من دون تخطيط لا يمكننا القيام بأي شيء”.
لإعلان حال الطوارئ
من ناحيته، يطالب ماروني “بتنظيم الوجود السوري في لبنان وتنظيم اليد العاملة الاجنبية، فالمالك الذي يؤجر هو لبناني ورب العمل لبناني وليس سوريًا، لذلك المشكلة تبدأ فينا، ولكن هذا الامر كله بسبب غياب الوعي الوطني والارشاد الوطني والمراقبة والمحاسبة وبسبب الفلتان، وبالنتيجة رب العمل يفضل اليد العاملة الاجنبية والسورية على اليد العاملة اللبنانية لانه لا يتكلف كثيرا بالمصاريف والرواتب، لذلك على الدولة ان تقوم بدورها عبر تفعيل الوزارات المعنية، وبالتالي آن الأوان لوضع خطة بنقل السوريين الى مناطق آمنة في سوريا على الحدود اللبنانية – السورية، لذلك يجب اعادتهم لحماية اليد العاملة اللبنانية والسوق العمل اللبناني”.
ويؤكد أنه على “على الحكومة إعلان حال الطوارئ وان تكون اجتماعاتها مفتوحة لمعالجة هذا الموضوع، وعلى مجلس النواب ان يقوم ببحث هذا الموضوع الذي يتربط بمصير لبنان والمطلوب من كل القيادات ان تنقذ ما تبقى من لبنان”.