Site icon IMLebanon

الحرب السياسية على “القرار لمَن”!

كتبت وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:

تزداد في بيروت مظاهر «التوتر العالي» السياسي – الطائفي مع العدّ التنازُلي لـ «الساعة صفر» في 15 ايار المقبل، التي يرتسم في ضوئها مصير الانتخابات النيابية المعلَّقة منذ أربعة أعوام، ومعها مصائر عناوين أخرى كالتحالفات والاستقرار والنظام، إذ لم يَبْقَ من «الفرصة الأخيرة» لتفادي التمديد وبـ «الإكراه» للبرلمان الحالي او سقوطه المريع في الفراغ، سوى ثلاثة أسابيع مصيرية، فإما اجتراح تسويةٍ تُنتِج قانوناً «جديداً» للانتخاب وإما الانزلاق نحو مآزق سياسية ودستورية باهظة الأثمان.

ومن الصعب عزْل «الحرب الباردة» الدائرة في لبنان حول قانون الانتخاب كأداةٍ في مشاريع الصراع على السلطة، عن الحروب اللاهبة في المنطقة، من اليمن إلى سورية مروراً بالعراق والساحات الأخرى التي تشهد تطاحناً اقليمياً ودولياً على تَقاسُم النفوذ وترويض الخرائط الجيو – سياسية، وسط موجاتٍ متوالية من المتغيّرات التي تشي بأن الاقليم مرشّح لمزيدٍ من التحولات التي لن يكون لبنان بمعزلٍ عن وهجها ونتائجها، خصوصاً في ظل تَصدُّع شبكات الأمان الداخلية وانهيارها.

فالمعارك بـ «السلاح الأبيض والأسود» حول قانونِ انتخابٍ يعيد انتاج السلطةِ في لبنان، تترافق مع قرْع طبول مرحلةٍ جديدة في المنطقة اسمها الحرَكي الـ «توماهوك» الذي دشّن سلوكاً أميركياً مغايراً ترجمتُه الفورية تأتي في جولة وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس على حلفاء الولايات المتحدة والهادفة إلى «محاصرة نفوذ ايران»، ووضْع ادارة الرئيس دونالد ترامب مصير الرئيس السوري بشار الأسد على الطاولة في المناقشات مع الروس وإعداد واشنطن دفعة عقوبات جديدة أكثر صرامة واتساعاً ضد «حزب الله».

هذه التطورات التي تجعل «حزب الله» في عيْن العاصفة كـ «نقطة تَقاطُع» بالنسبة الى نفوذ ايران ومصير الأسد والعقوبات المرتقبة ضدّه، تجعل بدهياً السؤال عن أدائه الداخلي في لحظةٍ مفصلية ترتبط بمعاودة إنتاج السلطة في لبنان ومكانته وتحالفاته وشروطه لأي تسويةٍ تنقذ الاستحقاق الانتخابي، وما يضمره من إعادة توزيع «كعكة السلطة» على نحوٍ جذري أو تعديل التوازنات من ضمن التركيبة القائمة.

وثمة معطيات تؤشر إلى أن «حزب الله» يريد من قانون الانتخاب اصطياد عصفورين بحجر واحد: تعديل آليات اتخاذ القرار من خلال الإمساك بغالبية برلمانية، وضمان التحكم بالإمرة الاستراتيجية للاطمئان الى الموقع الاقليمي للبنان، وهو أَخرج أخيراً كلمة السر «من جيْبه» بعدما ترك للآخرين اللعب في الوقت الضائع، فوضع خياره الانتخابي على الطاولة كمخرجٍ أخير، وهو القائم على النسبية الكاملة.

وثمة مَن يعتقد في بيروت أن مَن أدار محركات البحث عن قانون انتخاب، لم يفهم «حزب الله» الذي يَعتبر المسألة «ما فوق» استراتيجية، وهو أفاد من سقوط الجميع في حساباتِ «ما تحت السياسة»، كالتي حكمت جنوح حليفه المسيحي «التيار الوطني الحر» نحو صيغٍ لقوانين انتخاب ليست طائفية فحسب بل أحادية وترتبط بـ «مغامراتٍ» استفزّت الأقربين والأبعدين، خصوصاً أن حيثياتها جاءت استجابةً لمقتضياتِ مَن يرث رئاسة الجمهورية بعد العماد ميشال عون.

فـ «حزب الله»، الذي يقاتل لتوسيع المحور الإيراني وحمايته من اليمن الى سورية مروراً بالعراق، ويفاخر الآن باكتمال «الهلال الشيعي» بعد عملية «الترانسفير» الواسعة بين شيعة الفوعة وكفريا وسنّة مضايا والزبداني، لن يفرّط بالفرصة السانحة لفرض قانون انتخابٍ يؤمّن له الإمساك بالغالبية البرلمانية، وهو ما كان يطمح اليه في الانتخابات التي لم تَجرِ في العام 2013 عبر خريطة طريق كانت بدأتْ بإطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري العام 2011.

وفي تقدير دوائر مراقبة في بيروت ان «حزب الله» الذي يجيد قراءة المشهد الإقليمي وتحوّلاته الخطرة مع قرْع الولايات المتحدة طبول هجومٍ معاكس، سيكون أكثر تشدداً في انتزاع ما يريده عبر قانون الانتخاب بعدما أصبح الجميع وجهاً لوجه أمام حائط اسمه 15 ايار المقبل، فإما التوافق على واحدةٍ من الصيغ الست التي اقترحها الحزب لتطبيق النسبية الكاملة (بحسب ما اعلن أمس نائبه علي فياض) وإما الدخول في مأزق لا يستهان به.

وتوقّفت الدوائر عينها أمام الاختبار الأصعب الذي دهم «نظام المَصالح» بين «حزب الله» صاحب المشروع الاستراتيجي، و«التيار الوطني الحر» صاحب المشروع السلطوي. ففي الأعوام الماضية عمل الحزب على تركيب «عضلاتٍ» نيابية ووزارية لـ «التيار» لجعْله رقماً صعباً في اللعبة السياسية الداخلية، وأفاد الحزب من تلك «العضلات» لتغطية إمساكه بمفاصل السلطة عبر ما عُرف بـ «الثلث المعطل» وما شابه وتهميش خصومه وتغطية خياراته.

والمفارقة الآن أن الصراع غير «المكتوم» بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» يدور على «الأمر لمَن» سيكون في السلطة: للحزب الذي يعتبر انه صاحب «الكلمة الفصل» في إيصال العماد عون الى الرئاسة أم لـ«التيار» الذي يعتبر نفسه «الحزب الحاكم»؟